المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : امرأة خضراء , رجل اخضر و حزن اسود ........


معاوية محمد الحسن
24-09-2011, 10:56 AM
عاش كالعصافير الشريدة دوما .. وهبته البلاد التي أحبها رصيفا و حقائبا .. وهبته مملكة أمه حفنات من الدمع و حنانا كبيرا .. صرخ ذات يوم و هو يتأبط سفرا :
- أخر سنة أكون نفسي و ارجع !
قال لنفسه في أرض الأحلام ( كوني .. هيا ) فما كانت غير حطام من نزف و استلاب و هواجس ..
سنتان و عاد مرة أخرة و هو يري البلاد مبتئسة فزفر زفرة حري في خاطره و قالوا له :
( لا مكان لك هنا .. ما أقسي العيش !)
عاد مرة اخري يتابط سفره و يقول :
- سنة و أخري ريثما تهدأ رياح الوطن القاسية و تعود مراكبي تمخر في أمان جزلي !
أصابه داء تضخم الحنين فبعث رسالة لامه فردت عليه بحفنات الدمع و سيل من النصائح :
- البلد ياهو حالها .. قاسية .. قاسية !
تصرمت سبع حسوما فزوجوه بصبية كانت الغربة أيضا قدرها المحتوم مثل بقية العصافير الشريدة .
من علي البعد تلمع خرائط بلاده القاسية في خاطره فيبكي و يشتهيها لكن العوز و المسغبة يحولان بينه و بينها .
ذات يوم صدحت العصافير الحنونة بداخله فحزم حقائبه و عاد .
كانت امه قد اهترأ كبدها من شدة الوجد و الحنين فماتت يوما حين بعثت له بخطاب و قالت :
( العيد الكبير كان ما جيت ما اظن تشوفني تاني .. الله يدي العافية )
كان يمشي في شوارع البلد و هو يقود بيمناه طفلا غريرا و حقيبة خضراء بداخلها حزمة أوراق نقدية خضراء و جواز سفر اخضر و صورة تذكارية لامرأة خضراء هي أمه لكن حزنه كان اسودا !
حين تابط سفره للمرة الاخيرة قال :
- كم سنة و اكون قد ابتنيت لي بيتا فاعود .
مع كل مدماك كان يرتفع في البناء كان ينهار مدماك من سني عمره بالمقابل و هكذا حتي تراكمت عليه ادواء الغربة ( سكر - ضغط ) و لاحقا حالة الفشل الكلوي .
في تلك السنة كانوا يرقبون قدوم الجثمان بارض المطار و كما يودعون كل الاجساد في هذا العالم مثواها الابدي , اودعوه جسده هناك . قالت زوجته :
- أوصي بان يدفن الي جوار أمه
و حين وسد رأسه الي جانبها , أتاه صوتها الحنون من خلف دهاليز العالم الاخر فارتعشت روحه التي لم تمت و راي الناس قبرين يتحركان تجاه بعضهما في لهفة حتي صارا قبرا واحدا .

فيصل سعد
27-09-2011, 06:51 AM
سرد شيق ممتع و جميل رغم اعتصار الالم في جوانبه ..
لك التحايا يا رجل و زدنا بنثر المزيد ..

الرشيد اسماعيل محمود
15-11-2012, 11:46 PM
أسلوبك في الحكي جميل يا معاوية،،
تصوير صادق لحالة الغربة، غربة المكان، وغربة النفس

____
قاعد اقراك، وبستمتع جدّاً بأسلوبك في الكتابة، بالتوفيق يا سيدي.