عصام اليقين
17-08-2013, 04:46 AM
هل هناك مكان للديمقراطية في العالـم العربي ؟
للجواب على هذا السؤال نحتاج إلى كثير من الأجوبة على أكثر من سؤال ، أول الأسئلة المهمة ، هل نحتاج أو تحتاج الشعوب العربية إلى الديمقراطية ؟ فإذا كان ردنا بنعم ، نتساءل من هي القوى المدنية ، أو ما يسمى بالمجتمع المدني ، التي بإمكانها أن تقود قاطرة تجذير الفكر الديمقراطي ، و السعي إلى أن تكون الديمقراطية ممارسة يومية ، و هل أن هذه القوى التي يعرف الجميع أنها مشكلة من الإخوة الأضداد في التوجهات السياسية و الفكرية، و التي يزعم كل واحد منها أنه الرافد الحصرى للمسار الديمقراطي ، قادرة على دفع السلطة العربية إلى إرساء مناخ ديمقراطي، مع ما يتطلبه الأمر من سن تشريعات ، و إفساح المجال إلى أصحاب الفكر و الرأي المخالف ، للتعبير بكل حرية ، و دون قيود آسرة ، بل هل أن الوضع العربي بكل نتوءاته ، و مساوئه التي نعرفها ، و هل أن الأنظمة العربية التي نعرف كيفية وصولها للسلطة ، لها مصلحة في إرساء الديمقراطية ، و فسح المجال للقوى الحية لممارسة اللعبة الديمقراطية ، بكل محاذيرها ، و متطلباتها الداخلية و الخارجية
لو حددنا أولويات المواطن العربي لوجدنا أن الديمقراطية لا تأتى حتما في المرتبة الأولى في اهتماماته اليومية ، و هذا الأمر و لئن كان متوقعا و منطقيا إلى أبعد الحدود ، فانه يطرح أكثر من سؤال على اعتبار أن الديمقراطية ، و على عكس ما يقول بعض النبهاء ،هي مصلحة قومية و مواطنية بالدرجة الأولى ، بل كان من المفروض أن تكون في المرتبة الأولى في اهتمام الشارع ، على اعتبار أن المجتمع الديمقراطي ، هو الضامن الوحيد للرغيف ، و الكرامة في آن واحد، و أن القول بكون الرغيف أولى من الديمقراطية ، أو أنه لا علاقة للرغيف بالديمقراطية ، هو طرح غير سوى و اختزال شديد السطحية لواقع الأمر ، بل لنوضح أن المجتمع الديمقراطي الذي تحكمه المؤسسات الديمقراطية في كل المجالات هو الذي يسهل عملية التوزيع العادل للثروة و يضمن تكافئ الفرص في كل المجالات فضلا عن أن عناصر مثل الشفافية و المحاسبة و القضاء الناجز هي كفيلة بإعطاء الفرصة للجميع لكي تكون المنافسة شفافة و عادلة
. ما هو الشكل الديمقراطي المطلوب في العالم العربي ؟
هذا السؤال يجرنا إلى ملاحظة أن المجتمع العربي يختلف في كثير من القواسم مع الشعوب الغربية ، و إذا كنا نريد فعلا إرساء الديمقراطية ، فمن باب أولى و أحرى أن نبحث عن الشكل الديمقراطي المقبول المتناسب مع الخصوصيات العربية ، لذلك نتساءل لماذا لا نجد عمليات سبر للآراء تقوم بها مؤسسات استطلاع ذات مصداقية و جدية مهنية ، بل لماذا تمتنع الأنظمة العربية ،رغم وجود مراصد استقصاء ، على القيام بهذا الأمر ، و البحث على رأى الناس في عدة مسائل منها ، الحرية ، العولمة ، التطبيع ، الانتخابات ، بل لماذا لا نجد تعاونا بين رموز المجتمع المدني و بين الطبقة الحاكمة للبحث عن السبل الكفيلة بإرساء مناخ ديمقراطي يتماشى مع خصوصيات المجتمع الإسلامي العربي ، و يحفظ بكل تأكيد مصالح الطرفين حتى لا تتحول الديمقراطية إلى سلاح خارج عن السيطرة أو من شانه أن يمس بالأمن و السلم الاجتماعية . لعل من أخطر الأشياء التي تعرقل العملية الديمقراطية في الوطن العربي هي حالة الأمية الواسعة ، بل أن الأنظمة العربية التي يتوفر لديها المال النفطي هي من أكثر الدول العربية أمية بما يطرح أكثر من سؤال ، هل أن هذه الأمية عملية مقصودة ، و هل أن هناك موانع قانونية أو بيئية و غيرها تمنع ممارسة الحق في التعليم ، و كم تحتاج الدول العربية من وقت ، خاصة في ظل “انفجارها” الديمغرافى ، للخروج من ” الأمية” ، فالممارسة الديمقراطية تحتاج فيما تحتاج إلى أرضية فكرية ملائمة و متماشية مع متطلبات هذه الممارسة ، و بغياب الوعي و القدرة العلمية فان المواطن يبقى حبيس معتقداه و أفكاره ، بل أكثر ميلا للقبول بالدون ، و في كثير من الحالات للزيغ نحو متاهات الفكر الديني المتشدد ، بما يعيق نمو العملية الديمقراطية ، و يسلط عليها أخطارا من الممكن أن تنسفها من الأساس.
من المؤكد أن نمو الفكر المتطرف هو خطر على الديمقراطية و المسار الديمقراطي ، و عندما تحتاج الأنظمة العربية للإرهاب أو لتمويل الإرهاب لمقاومة الديمقراطية الناشئة في الوطن العربي ، و عندما تقوم هذه الأنظمة بكل ما في وسعها ليأخذ الفكر المتطرف مكان الفكر الديمقراطي بداعي أن الشريعة و الدين يتعارضان مع مفهوم الديمقراطية و غيرها من القيم الكونية ، فالأمر يحتاج إلى وقفة تأمل فاحصة حتى تتبين أن هناك من الدول العربية إن لم نقل كلها من لا يريد الديمقراطية لأنه يرى فيها نهاية سلطته الشمولية الاستبدادية ، بل لنكن واضحين من البداية ، لنقول أن ما يحدث آلان في الوطن العربي هو نتاج لعالة عسر الهضم السياسي الذي أصاب الحاكم و المحكوم ، و لم يترك للسلطة إلا وسيلة الإرهاب و الرعب لمواجهة المد الفكري الذي يعتمد سلاح التظاهر مقابل سلاح قاتل.
في كل مساحة الوطن العربي ، هناك مؤسسة “دينية” ، هذه المؤسسة الكهنوتية ليس من مصلحتها طبعا أن تقوم للديمقراطية قائمة ، لان سلاح الفكر التنويري المتحضر لا يتماشى مع الفكر القروسطى النمطي المنغلق على نفسه في أطروحات غير مقبولة و غير قابلة للتطبيق أصلا في عهد الفضاء الافتراضي و الساحة الإعلامية المفتوحة ، و لعلكم تشاهدون ما تقوم به هذه المؤسسة لإعطاء النظام العربي السلاح ” الديني” لقتل الديمقراطية ، و وئد كل التحركات الشعبية ، بحيث صارت الفتاوى شبه حينية غايتها الوحيدة إعطاء تأويل “ديني” من شانه أن يكفر الديمقراطية و يجعل من ممارسها زنديقا كافرا قابلا للذبح على يد غلاة التطرف الذين نرى خطاياهم في تونس و في مصر منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي ، بطبيعة الحال ، تستشعر “المؤسسة” الدينية في العالم العربي الخطر الديمقراطي القادم على مهل ، و هي تقوم بكل ما في وسعها خاصة في المساجد و المنابر لإشاعة وجود خطر محدق بالإسلام و المسلمين يتمثل في “معتنقي” الديمقراطية ، هذا الخطاب التحريضي هو من قتل الشهيدان شكري بلعيد و محمد البراهمى ، و من يهدد باغتيال حمدين صباحى و كثيرا من الرموز الإعلامية و السياسية و الإبداعية في الوطن العربي. من المفارقات المهمة ، أن كثيرا من الدساتير العربية ترجع إلى عدة قرون ، و من المفارقات أن كثيرا من الدول العربية تتحدث عن حضارة بالآلاف السنوات ، و من المفارقات أن المنطقة العربية بصرف النظر عن مكانتها الإستراتيجية ، فهي منبع مهم من منابع الحضارة الإنسانية ، بل أن الغرب اليوم لا ينكر انه نهل و تقدم بفضل كثير من العلوم العربية في كل المجالات ، لذلك نتساءل لماذا لم تكن الدول العربية ، على الأقل البعض منها ، متميزا في ترسيخ ثقافة و مؤسسات ديمقراطية تشع على من حوله و تعطى للعالم صورة أخرى عن عظمة الفكر الإسلامي الحداثى التنويري ، و إذا سلمنا أن الديمقراطية نبت اجتماعي ، و مناخ حضاري ، فان الإجابة على كل هذه الأسئلة المطروحة سيبقى معلقا. إضافة إلى هذه العوامل الداخلية، الأنظمة الغربية ، و على عكس ما يظن البعض ، ليس لها مصلحة في رفع الأمية في الوطن العربي ، ولا إلى إرساء مناخ ديمقراطي فيها ، بالعكس من مصلحة الغرب أن تكون هناك أنظمة ديكتاتورية ، و غشاوة أمية مستفحلة ، و بطالة متوحشة ، و انخرام طبقي واسع ، كل هذه العوامل السلبية المختلفة ، و غيرها طبعا ، هي التي تعطى الفرصة المناسبة للغرب لإحكام السيطرة على المنطقة ، حكاما ، و شعوبا ، و ثروات ، بل انه بالنسبة للغرب فان أفضل عربي هو عربي ميت ، كما قال الإرهابي اريال شارون ذات مرة ، لذلك يمكن أن نقول انه توجد حالة اشتباك مصالح بين الأنظمة العربية الاستبدادية ، و بين النظام العالمي المعادى للعرب ، و مثل هذا المناخ يعيق طبعا تقدم الفكر الديمقراطي في الوطن العربي ، و يجعل عملية نموه شبه مستحيلة في الظروف الراهنة . يمكن القول أن التربة العربية غير صالحة لنمو الديمقراطية ، بل أن كمية النفايات الفكرية المتطرفة التي تردم يوميا في هذه التربة ، إضافة إلى النسبة العالية للامية ، و وقوف الغرب إلى جانب الأنظمة الديكتاتورية العربية لعدة عقود هو ما يعسر ولادة ديمقراطية عربية بمواصفات مقبولة للجميع ، لكن من المؤكد أن هناك مؤامرة على العرب ، حتى لا تحوز الديمقراطية مكانتها في الممارسة اليومية ، و يصبح المواطن العربي مزهوا بمواطنته، و قادرا على حماية حقوقه دون وصى من هذا الطرف أو ذاك ، و كل ما نراه اليوم من ارتدادات ، هي إرهاصات من إرهاصات هذا القدر الذي تطبخ فيه كل الأفكار العربية المختلفة من هنا و هناك ، و لا ندرى فعلا نوعية الأكلة التي ستقدم للمجتمع العربي في نهاية الأمر، لكن في كل الأحوال ، فان الديمقراطية على اعتبارها مسارا نضاليا طويلا تستحق من الفكر التنويري الشبابي العربي كثيرا من الحب و الجهد لتصبح حقيقة راسخة في الأذهان و مطلبا شعبيا عاما. يؤكد استطلاع للرأي أن نسبة 80 % من الشعوب العربية تعتقد أن الديمقراطية هي أفضل نمط للحكم على الإطلاق ، على هذا الأساس يمكن اعتبار أن أحد الأسباب المهمة لعدم وجود الديمقراطية هو عدم رغبة عديد الأنظمة الخليجية في هذا الأمر ، بل من المؤكد أن هذه الدول التي تعتمد سياسة “إغراق” المواطن ماديا حتى لا يطالب بالديمقراطية، تعتمد هذه “السياسة” حتى يبقى ذلك المواطن حبيسا لهذه الدولة من الناحية المادية و غير قادر على معارضتها ديمقراطيا ، هذا العائق ، تضاف إليه عوائق أخرى ، تتمثل في هشاشة الكيانات الحزبية المعارضة التي تفتقر دائما إلى القاعدة الشعبية ، بخلاف الأحزاب الإسلامية، التي لا ترى فائدة في الديمقراطية ، و لا في الحوار الديمقراطي، و حتى و إن فكرت في اللجوء إلى الديمقراطية ، فذلك للوصول فقط للحكم ، ثم إلقاءها في سلة النفايات .
من الواضح أن هناك مؤشرات على حصول تغيير في المشهد منذ ما يسمى بربيع الثورات العربية ، و إذا سلمنا أن هناك من الشباب الذي أتخذ من وسائل الاتصال الحديثة قاعدة للانطلاق في مسيرة معارضة الأنظمة العري ، و إذا توصلنا إلى قناعة بكون ما قامت به حركة تمرد في مصر هو إعجاز ديمقراطي بكل ما في الكلمة من معنى لم تقم به أكبر الدول الغربية ممارسة للديمقراطية ، و إذا كانت حركة تمرد التونسية هي التي تصنع حراك استعادة الثورة التونسية المخطوفة من الحزب الاخوانى الإرهابي الحاكم ، فبالتأكيد نحن أما انقلاب في الصورة ، و حالة تغيير كبيرة في مشهد عربي طالما تميز بالركود المجتمعي النسبي ، و بحالة من تغول السلطات الحاكمة على حساب كل القيم الكونية التي تمثل الديمقراطية أهم أعمدتها. إن ما يشهده العالم العربي من تحولات أهمها تغيير بعض الحكام ، و إفراز قيادات جديدة هو في حد ذاته انجاز يحسب للمد الديمقراطي في المجتمع العربي الذي استطاع إزاحة كيانات بفعل زخم المظاهرات و الاحتجاجات السلمية التي تمثل في حد ذاتها أرقى الممارسات الشعبية الديمقراطية و لابد إذن من التسليم بكون هذه التحولات و ما تشهده المنطقة من مد و زجر في كل المجالات ستتيح لهذه الشعوب إمكانية بسط مرتكزات الديمقراطية الحقيقية و توسيع رقعة الحراك الديمقراطي حتى يمكن فرض التغيير بالأساليب المتحضرة دون إراقة الدماء و هو صراع يتطلب مزيدا من التضحيات.
بانوراما الشرق الاوسط
للجواب على هذا السؤال نحتاج إلى كثير من الأجوبة على أكثر من سؤال ، أول الأسئلة المهمة ، هل نحتاج أو تحتاج الشعوب العربية إلى الديمقراطية ؟ فإذا كان ردنا بنعم ، نتساءل من هي القوى المدنية ، أو ما يسمى بالمجتمع المدني ، التي بإمكانها أن تقود قاطرة تجذير الفكر الديمقراطي ، و السعي إلى أن تكون الديمقراطية ممارسة يومية ، و هل أن هذه القوى التي يعرف الجميع أنها مشكلة من الإخوة الأضداد في التوجهات السياسية و الفكرية، و التي يزعم كل واحد منها أنه الرافد الحصرى للمسار الديمقراطي ، قادرة على دفع السلطة العربية إلى إرساء مناخ ديمقراطي، مع ما يتطلبه الأمر من سن تشريعات ، و إفساح المجال إلى أصحاب الفكر و الرأي المخالف ، للتعبير بكل حرية ، و دون قيود آسرة ، بل هل أن الوضع العربي بكل نتوءاته ، و مساوئه التي نعرفها ، و هل أن الأنظمة العربية التي نعرف كيفية وصولها للسلطة ، لها مصلحة في إرساء الديمقراطية ، و فسح المجال للقوى الحية لممارسة اللعبة الديمقراطية ، بكل محاذيرها ، و متطلباتها الداخلية و الخارجية
لو حددنا أولويات المواطن العربي لوجدنا أن الديمقراطية لا تأتى حتما في المرتبة الأولى في اهتماماته اليومية ، و هذا الأمر و لئن كان متوقعا و منطقيا إلى أبعد الحدود ، فانه يطرح أكثر من سؤال على اعتبار أن الديمقراطية ، و على عكس ما يقول بعض النبهاء ،هي مصلحة قومية و مواطنية بالدرجة الأولى ، بل كان من المفروض أن تكون في المرتبة الأولى في اهتمام الشارع ، على اعتبار أن المجتمع الديمقراطي ، هو الضامن الوحيد للرغيف ، و الكرامة في آن واحد، و أن القول بكون الرغيف أولى من الديمقراطية ، أو أنه لا علاقة للرغيف بالديمقراطية ، هو طرح غير سوى و اختزال شديد السطحية لواقع الأمر ، بل لنوضح أن المجتمع الديمقراطي الذي تحكمه المؤسسات الديمقراطية في كل المجالات هو الذي يسهل عملية التوزيع العادل للثروة و يضمن تكافئ الفرص في كل المجالات فضلا عن أن عناصر مثل الشفافية و المحاسبة و القضاء الناجز هي كفيلة بإعطاء الفرصة للجميع لكي تكون المنافسة شفافة و عادلة
. ما هو الشكل الديمقراطي المطلوب في العالم العربي ؟
هذا السؤال يجرنا إلى ملاحظة أن المجتمع العربي يختلف في كثير من القواسم مع الشعوب الغربية ، و إذا كنا نريد فعلا إرساء الديمقراطية ، فمن باب أولى و أحرى أن نبحث عن الشكل الديمقراطي المقبول المتناسب مع الخصوصيات العربية ، لذلك نتساءل لماذا لا نجد عمليات سبر للآراء تقوم بها مؤسسات استطلاع ذات مصداقية و جدية مهنية ، بل لماذا تمتنع الأنظمة العربية ،رغم وجود مراصد استقصاء ، على القيام بهذا الأمر ، و البحث على رأى الناس في عدة مسائل منها ، الحرية ، العولمة ، التطبيع ، الانتخابات ، بل لماذا لا نجد تعاونا بين رموز المجتمع المدني و بين الطبقة الحاكمة للبحث عن السبل الكفيلة بإرساء مناخ ديمقراطي يتماشى مع خصوصيات المجتمع الإسلامي العربي ، و يحفظ بكل تأكيد مصالح الطرفين حتى لا تتحول الديمقراطية إلى سلاح خارج عن السيطرة أو من شانه أن يمس بالأمن و السلم الاجتماعية . لعل من أخطر الأشياء التي تعرقل العملية الديمقراطية في الوطن العربي هي حالة الأمية الواسعة ، بل أن الأنظمة العربية التي يتوفر لديها المال النفطي هي من أكثر الدول العربية أمية بما يطرح أكثر من سؤال ، هل أن هذه الأمية عملية مقصودة ، و هل أن هناك موانع قانونية أو بيئية و غيرها تمنع ممارسة الحق في التعليم ، و كم تحتاج الدول العربية من وقت ، خاصة في ظل “انفجارها” الديمغرافى ، للخروج من ” الأمية” ، فالممارسة الديمقراطية تحتاج فيما تحتاج إلى أرضية فكرية ملائمة و متماشية مع متطلبات هذه الممارسة ، و بغياب الوعي و القدرة العلمية فان المواطن يبقى حبيس معتقداه و أفكاره ، بل أكثر ميلا للقبول بالدون ، و في كثير من الحالات للزيغ نحو متاهات الفكر الديني المتشدد ، بما يعيق نمو العملية الديمقراطية ، و يسلط عليها أخطارا من الممكن أن تنسفها من الأساس.
من المؤكد أن نمو الفكر المتطرف هو خطر على الديمقراطية و المسار الديمقراطي ، و عندما تحتاج الأنظمة العربية للإرهاب أو لتمويل الإرهاب لمقاومة الديمقراطية الناشئة في الوطن العربي ، و عندما تقوم هذه الأنظمة بكل ما في وسعها ليأخذ الفكر المتطرف مكان الفكر الديمقراطي بداعي أن الشريعة و الدين يتعارضان مع مفهوم الديمقراطية و غيرها من القيم الكونية ، فالأمر يحتاج إلى وقفة تأمل فاحصة حتى تتبين أن هناك من الدول العربية إن لم نقل كلها من لا يريد الديمقراطية لأنه يرى فيها نهاية سلطته الشمولية الاستبدادية ، بل لنكن واضحين من البداية ، لنقول أن ما يحدث آلان في الوطن العربي هو نتاج لعالة عسر الهضم السياسي الذي أصاب الحاكم و المحكوم ، و لم يترك للسلطة إلا وسيلة الإرهاب و الرعب لمواجهة المد الفكري الذي يعتمد سلاح التظاهر مقابل سلاح قاتل.
في كل مساحة الوطن العربي ، هناك مؤسسة “دينية” ، هذه المؤسسة الكهنوتية ليس من مصلحتها طبعا أن تقوم للديمقراطية قائمة ، لان سلاح الفكر التنويري المتحضر لا يتماشى مع الفكر القروسطى النمطي المنغلق على نفسه في أطروحات غير مقبولة و غير قابلة للتطبيق أصلا في عهد الفضاء الافتراضي و الساحة الإعلامية المفتوحة ، و لعلكم تشاهدون ما تقوم به هذه المؤسسة لإعطاء النظام العربي السلاح ” الديني” لقتل الديمقراطية ، و وئد كل التحركات الشعبية ، بحيث صارت الفتاوى شبه حينية غايتها الوحيدة إعطاء تأويل “ديني” من شانه أن يكفر الديمقراطية و يجعل من ممارسها زنديقا كافرا قابلا للذبح على يد غلاة التطرف الذين نرى خطاياهم في تونس و في مصر منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي ، بطبيعة الحال ، تستشعر “المؤسسة” الدينية في العالم العربي الخطر الديمقراطي القادم على مهل ، و هي تقوم بكل ما في وسعها خاصة في المساجد و المنابر لإشاعة وجود خطر محدق بالإسلام و المسلمين يتمثل في “معتنقي” الديمقراطية ، هذا الخطاب التحريضي هو من قتل الشهيدان شكري بلعيد و محمد البراهمى ، و من يهدد باغتيال حمدين صباحى و كثيرا من الرموز الإعلامية و السياسية و الإبداعية في الوطن العربي. من المفارقات المهمة ، أن كثيرا من الدساتير العربية ترجع إلى عدة قرون ، و من المفارقات أن كثيرا من الدول العربية تتحدث عن حضارة بالآلاف السنوات ، و من المفارقات أن المنطقة العربية بصرف النظر عن مكانتها الإستراتيجية ، فهي منبع مهم من منابع الحضارة الإنسانية ، بل أن الغرب اليوم لا ينكر انه نهل و تقدم بفضل كثير من العلوم العربية في كل المجالات ، لذلك نتساءل لماذا لم تكن الدول العربية ، على الأقل البعض منها ، متميزا في ترسيخ ثقافة و مؤسسات ديمقراطية تشع على من حوله و تعطى للعالم صورة أخرى عن عظمة الفكر الإسلامي الحداثى التنويري ، و إذا سلمنا أن الديمقراطية نبت اجتماعي ، و مناخ حضاري ، فان الإجابة على كل هذه الأسئلة المطروحة سيبقى معلقا. إضافة إلى هذه العوامل الداخلية، الأنظمة الغربية ، و على عكس ما يظن البعض ، ليس لها مصلحة في رفع الأمية في الوطن العربي ، ولا إلى إرساء مناخ ديمقراطي فيها ، بالعكس من مصلحة الغرب أن تكون هناك أنظمة ديكتاتورية ، و غشاوة أمية مستفحلة ، و بطالة متوحشة ، و انخرام طبقي واسع ، كل هذه العوامل السلبية المختلفة ، و غيرها طبعا ، هي التي تعطى الفرصة المناسبة للغرب لإحكام السيطرة على المنطقة ، حكاما ، و شعوبا ، و ثروات ، بل انه بالنسبة للغرب فان أفضل عربي هو عربي ميت ، كما قال الإرهابي اريال شارون ذات مرة ، لذلك يمكن أن نقول انه توجد حالة اشتباك مصالح بين الأنظمة العربية الاستبدادية ، و بين النظام العالمي المعادى للعرب ، و مثل هذا المناخ يعيق طبعا تقدم الفكر الديمقراطي في الوطن العربي ، و يجعل عملية نموه شبه مستحيلة في الظروف الراهنة . يمكن القول أن التربة العربية غير صالحة لنمو الديمقراطية ، بل أن كمية النفايات الفكرية المتطرفة التي تردم يوميا في هذه التربة ، إضافة إلى النسبة العالية للامية ، و وقوف الغرب إلى جانب الأنظمة الديكتاتورية العربية لعدة عقود هو ما يعسر ولادة ديمقراطية عربية بمواصفات مقبولة للجميع ، لكن من المؤكد أن هناك مؤامرة على العرب ، حتى لا تحوز الديمقراطية مكانتها في الممارسة اليومية ، و يصبح المواطن العربي مزهوا بمواطنته، و قادرا على حماية حقوقه دون وصى من هذا الطرف أو ذاك ، و كل ما نراه اليوم من ارتدادات ، هي إرهاصات من إرهاصات هذا القدر الذي تطبخ فيه كل الأفكار العربية المختلفة من هنا و هناك ، و لا ندرى فعلا نوعية الأكلة التي ستقدم للمجتمع العربي في نهاية الأمر، لكن في كل الأحوال ، فان الديمقراطية على اعتبارها مسارا نضاليا طويلا تستحق من الفكر التنويري الشبابي العربي كثيرا من الحب و الجهد لتصبح حقيقة راسخة في الأذهان و مطلبا شعبيا عاما. يؤكد استطلاع للرأي أن نسبة 80 % من الشعوب العربية تعتقد أن الديمقراطية هي أفضل نمط للحكم على الإطلاق ، على هذا الأساس يمكن اعتبار أن أحد الأسباب المهمة لعدم وجود الديمقراطية هو عدم رغبة عديد الأنظمة الخليجية في هذا الأمر ، بل من المؤكد أن هذه الدول التي تعتمد سياسة “إغراق” المواطن ماديا حتى لا يطالب بالديمقراطية، تعتمد هذه “السياسة” حتى يبقى ذلك المواطن حبيسا لهذه الدولة من الناحية المادية و غير قادر على معارضتها ديمقراطيا ، هذا العائق ، تضاف إليه عوائق أخرى ، تتمثل في هشاشة الكيانات الحزبية المعارضة التي تفتقر دائما إلى القاعدة الشعبية ، بخلاف الأحزاب الإسلامية، التي لا ترى فائدة في الديمقراطية ، و لا في الحوار الديمقراطي، و حتى و إن فكرت في اللجوء إلى الديمقراطية ، فذلك للوصول فقط للحكم ، ثم إلقاءها في سلة النفايات .
من الواضح أن هناك مؤشرات على حصول تغيير في المشهد منذ ما يسمى بربيع الثورات العربية ، و إذا سلمنا أن هناك من الشباب الذي أتخذ من وسائل الاتصال الحديثة قاعدة للانطلاق في مسيرة معارضة الأنظمة العري ، و إذا توصلنا إلى قناعة بكون ما قامت به حركة تمرد في مصر هو إعجاز ديمقراطي بكل ما في الكلمة من معنى لم تقم به أكبر الدول الغربية ممارسة للديمقراطية ، و إذا كانت حركة تمرد التونسية هي التي تصنع حراك استعادة الثورة التونسية المخطوفة من الحزب الاخوانى الإرهابي الحاكم ، فبالتأكيد نحن أما انقلاب في الصورة ، و حالة تغيير كبيرة في مشهد عربي طالما تميز بالركود المجتمعي النسبي ، و بحالة من تغول السلطات الحاكمة على حساب كل القيم الكونية التي تمثل الديمقراطية أهم أعمدتها. إن ما يشهده العالم العربي من تحولات أهمها تغيير بعض الحكام ، و إفراز قيادات جديدة هو في حد ذاته انجاز يحسب للمد الديمقراطي في المجتمع العربي الذي استطاع إزاحة كيانات بفعل زخم المظاهرات و الاحتجاجات السلمية التي تمثل في حد ذاتها أرقى الممارسات الشعبية الديمقراطية و لابد إذن من التسليم بكون هذه التحولات و ما تشهده المنطقة من مد و زجر في كل المجالات ستتيح لهذه الشعوب إمكانية بسط مرتكزات الديمقراطية الحقيقية و توسيع رقعة الحراك الديمقراطي حتى يمكن فرض التغيير بالأساليب المتحضرة دون إراقة الدماء و هو صراع يتطلب مزيدا من التضحيات.
بانوراما الشرق الاوسط