المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الانسان المقهور.. بين وله السلطة وعشم البندقية


سامي العطا
22-09-2014, 11:52 PM
الإنسان بطبيعته الغرائزيه، يرغب في العيش الكريم فيما تبقي من عمره، وأن يعيش جل حياته في أمان، دون ادني صراعات تهدد استقراره، لان هذه الصراعات ستفقده أعظم حقوقه التي كفلته له المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وما يتبعها من واجبات، ويتمثل عدم استقراره في الحروبات الأهلية أو الصراعات السياسية داخل الدولة، ومعها سيظل يدفع ثمن ما يترتب عن هذه الصراعات من جوع / فقر / مرض،هذا غير؛ تضاؤل حظوظه / حقوقه في التعليم، في الوقت الذي يقوم فيه بواجباته كاملة تجاه وطنه.. هذه الوضعية او هذا النموذج من الانسانيه المهدرة تتواجد في دول العالم الثالث التي عادة ما يتميز حكامها بالقهر والاستبداد الشمولي..

بمرور هذه الوضعية الحرجة لإنسان الصراعات / الحروبات – المقهور – لابد له من إبداء موقف تجاه ما يحدث له وفق رغبته في الحياة كغيره عن عموم البشر في كل الدول التي يتمتع فيها شعبها، بنيله كافة حقوقه الإنسانية من الدولة، يبدأ أولاً بالرضوخ والخنوع لممارسات الدولة لهدم استقراره وبعدها يبدأ في التململ وإظهار تذمره من هذا الوضع الحرج، بعدها يتخذ موقفاً مستلهماً من رد فعل السلطة لهذا التململ وتحديد ملامح آلية المجابهة - أي المرحلة التي بعد التململ وفق سيكولوجية الانسان المقهور في التعامل مع الاستبداد - وفي ظل تاريخنا السياسي السوداني نجد أن كل الحكومات التي تعاقبت علي الحكومة سواء كانت عسكرية / ديمقراطية لم توفق في التعامل مع هذا تذمر الشعوب المُستبده، وكانت تعتمد إطلاق اتهامات مثل (مؤامرات العنصرية) كمبرر لموقف الشعوب المقهورة، وهذا الوصف – مؤامرات عنصرية – نجده يزيد من تأجيج الصراع وبالتالي يزيد من إحساس المقهور بغبن تجاه المركز السلطوي، وذلك يجعل آلية المجابهة هي نفس آليات السلطة المتخذة ضده؛ وحسب التاريخ السياسي للنخب الحاكمة في السودان منذ العام 1956م نجد حاكميها تتساوي في التعاطي مع قضايا مقهوريها ونجدها تتميز بنقض دائم للعهود، وذلك منذ عهد إسماعيل الأزهري عندما شرع في الإعلان عن خروج المستعمر وبداية الحكم الوطني وانه وعد نواب جنوب السودان بتضمين قضايا الجنوب في الدستور الدائم الذي لم يعد حتى الآن مما يعكس عجزها الكامل في تحقيق وضعية سياسية مستقره لحالة البلاد، بعدها اعلن الفريق عبود بعد انقلابه الشهير "دحر المتمردين" لاسكات صوت المظلومين، إستمر ذات السلوك إبان الفترة الانتقالية بعد أنجاز ثورة أكتوبر المجيده التي كان يرأسها (سر الختم الخليفه) خاصة في وجود اتفاقية المائدة المستديرة التي لم يتم الدفع بها في اتجاهها الممكن، بعد خلافات المركز السلطوي الذي يسيطر علي احداثيات الحكم بعد 56م الذي أثمر عن طرد نواب الحزب الشيوعي السوداني من البرلمان حيث يعبر هذا السلوك عن الاحادية العقلية عند مغتصبي السلطة السياسية في السودان.. كما تم نقض اتفاقية أديس أبابا وتمزيق اوراقها بالكامل من قبل المشير جعفر محمد نميري بعدها اعلن قوانين الشريعة الإسلامية في بلد متعدد دينياً / ثقافياً / عرقياً بعد ان توقفت الحرب الدائرة في جنوب السودان لفترة عشرة سنوات وعلي إثر هذا النقض اندلعت الحرب مرة أخري عن طريق الجيش الشعبي لتحرير السودان، ولم تخمد نيرانها حتي بعد انتفاضة ابريل 85م التي أنتجت حكومة ديمقراطية ناقصه لم تضم حاملي السلاح في الجيش الشعبي بالرغم من مبادرة/ اتفاقية الميرغني – قرنق الشهيرة التي تقاعس عنها توقيعها السيد رئيس مجلس الوزراء ( السيد الصادق المهدي) نيابة عن الحكومة السودانية، وبالمقابل لم تستمر هذه الفترة (الديمقراطية) باستلام السلطة بايدي انقلابية ( الجبهة الإسلامية في عام 1989م).. الانقلاب الذي زاد من حدة الصراع بالحملات التجيشية / الجهادية التي كانت تعبأ لها الجماهير بالعزف علي أوتار الدين الإسلامي، والحملات الصليبية ضد السودان واستهداف إسلاميته، كما نجحت الجبهة الإسلامية في تسخير كل طاقاتها لاستكمال دحر المتمردين الذي تبناه الفريق عبود، وعمدت علي تكوين حرس (وظيفي/ مليشيات) لها من داخل مؤسسات القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن، لتامين نظامها القمعي وكذلك تجييش مجموعات إثنيه / ثقافية لتقود حرباً بالوكالة عنها تواطوءاً مع تجليات طبيعة المشكل السوداني..

انتهجت العصبة الحاكمة في السودان سياسة التمكين للامساك علي كافة مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية وذلك بإنشاء شركات ربحية طفيلية تخدم قياداتها، وأخري تعمل علي هدر موارد البلاد وتسخيرها في المؤسسات المتعلقة بالأمن العام، الذي وصل نصيبه من ميزانية الصرف الـ 80% في حين الصرف علي الصحة / التعليم لا يتجاوز الـ 3 %، مما زاد من نسبة الفقر/ الجوع / المرض / الجهل ليحل السودان في المركز 149 من 182 دولة من حيث الغني والفقر بناءاً علي معلومات البنك الدولي الذي نشرته مجلة (Global Finance) الصادرة في نيويورك لشهر مايو من العام الماضي، وذكرت المجلة ان متوسط دخل الفرد لـ 44.14% من سكانه بلغ أقل من دولارين في اليوم وفق التعداد السكاني الذي أجري في العام 2010م والذي صاحبه كثير من اللغط حول نزاهته، و 10 % فقط من حجم السكان يحوزون علي 26 % من حجم الدخل، ويبلغ الانحراف عن عدم المساواة الكاملة بين أفراد الشعب إلي 100 %. بالتأكيد هذه الإحصائية ليست الأولي ولن تكون الأخيرة وليست التي تأتي بعدها مبشرةً بوضع أفضل طالما أن العصبة الحاكمة تعمل وفق هذه العقلية التي ترفض التعدد وتعتمد الأحادية في سلوكها وتقدس الشعارات التي تنادي بها كما أنها تثق في طرحها الأيدلوجي ولا تعرضه للنقد والمراجعة..

من تلك الفذلكة التاريخية التي تناولت فيها سلوكيات العصبيات الحاكمة في السودان مع مناهضي سياساتها سواء التي أتت بصناديق الاقتراع او التي أمسكت عليها أواخر الليل علي ظهور دبابات، طبيعياً جداً تكوين حركات مسلحة لمجابهة أنظمة الحكم في السودان لإسقاطها، رغماً عن ان تاريخنا السياسي طيلة فترة الحكم الوطني بعد 56م لم يشهد إسقاط نظام عسكري بقوة السلاح، وفشلت كل الانقلابات العسكرية في عهد عبود، نميري، والبشير؛ بالاضافة للفترة الزمنية الطويلة التي قادتها الحركة الشعبية، وقوات التحالف السودانية وجبهة الشرق في الجبهة الشرقية وسيول الدموم التي أهدرت لتحرير السودان من قبضة الانقاذ، كما يعد هجوم حركة العدل والمساواة في العام 2008م من أجرأ وأخطر المجابهات علي النظام القائم في الخرطوم لأنه إستهدف العصبه الحاكمة في عقر دارها ومصدر قوتها، وكذلك تهديدات الجبهة الثورية السودانية – التي تكونت بعد انفصال/استقلال الجنوب – تبلغ درجاتها الشفقة والهرع، حتى اتجهت العصبة الحاكمة لإنشاء درع يقيها من رصاصات الجبهة الثورية وتنفيذ سياسات الدفاع التي ينتهجها النظام في الحفاظ علي السلطة في الخرطوم وبأي ثمن غير ابهين الي المناطق الاخري. كما تعتبر الجبهة الثورية في فترة سابقه بعبعاً مخيفاً لهذا النظام، لذلك حاول النظام تشكيل رأي عام ضدها عبر آلته الاعلامية التي تعتبر بمثابة الحرس الايدلوجي لها، وتصوير انتهاكات حقوقية للإنسان في المعارك التي تحتدم في جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق والعمل علي كسب عواطف الشعب السوداني الذي لم يتواني في الزود عن الإنقاذ في أعوامها الأولي ضد الحركة الشعبية، رغماً عن انني لا استبعد انتهاكات خاصة من المتفلتين لطبيعة الآلية المستخدمة – السلاح- التي تعتبر اكبر مهددات الإنسان، إلا أن إعلام النظام في تلك الوضعيه اشد الحوجة للوقوف معه ضد الجبهة الثورية ويكثر تناوله للإنسانية لمغازلة مشاعر الشعب للانضمام له.

يبقي الإنسان السوداني وحده هو من يحصد نتاج هذا الصراع المحتدم بين المركز السلطوي والهامش المقهور، وتظل السلطة ميداناً لاهدار الدماء، التي ارهقت جسد الوطن، ويبقي الامل الجاسم علي صدر الحقيقة هو إعادة هيكلة الدولة السودانية وبناء مشروع وطني شامل (هوية، نظام حكم، اقتصادي، اجتماعي)، أو المواصلة في حروبات تفكك السودان إلي دويلات نتاج اتفاقيات تعضد الاقتسام السلطوي دون إحتمال حتمية الوحدة داخل التنوع، لنبني دولة وطنية علي أسس مغايرة تعتمد التعدد أساس للتعايش..