المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الى قارسيا وعلاء . هذا الكنز


imported_bayan
04-12-2006, 04:27 AM
عندما درست مادة النقد التطبيقي تحت يد دكتور عبدالرحمن الخانجي
اخترت ان اكتب امتحاني في تحليل هذه القصيدة التى لشاعر احبه كثيرا خاصة
ان تلك الايام كنا نحس بوطء انتحاره الحزين للاجتياح الاسرائيلي لبلاده وصمت العرب,,
لا ادري فاحسست انني ساكرمه باختياره كموضوع امتحاني.. اليوم وجدت هذه المقاربة النقدية
ووجدت انها جديرة بالقراءة وقررت ان اشركم فيها كهدية اعرف انها ستسعدكم كثيرا..

السعيد مومني(*)
كيمياء الخيال : التجلي والفاعلية

(لعازر عام 1962 لخليل حاوي نموذجا)

يحاول السعيد مومني أن يؤصل لمصطلح جديد في مجال النقد الأدبي وهو "كيمياء الخيال"، عن طريق تجسيد معالم مفهوم هذا المصطلح على قصيدة: "لعازر عام 1962" للشاعر: خليل حاوي. حيث يبحث عن بعض الذين أشاروا إلى هذا المفهوم ابتداءا من الجرجاني وابن عربي ومرورا ت.س.إليوت والفيلسوف الألماني إرنست كاسيرد والشاعرين الفرنسيين رامبو وبودلير.



نشارك في "الملتقى الوطني حول مناهج تحليل الخطاب بين النظرية والتطبيق" ببحث عنوانه (كيمياء الخيال: التجلي والفاعلية) في قصيدة (لعازر عام 1962) للشاعر خليل حاوي وهي من ديوان" بيادر الجور".(1)

وقبل الشروع في الكشف عن تجليات كيمياء الخيال وفاعلياتها نشير إلى أن هناك ثلاثة حوافز بارزة دفعتنا إلى اقتراح إشكالية "كيمياء الخيال" في الفن، وطرحها على ضوء المنهج التكاملي، لبيان نشاطها وما تنتج، وهذه الحوافز هي :

1-إشارة منظري الفن إلى كيمياء الخيال من خلال نظرياته.

2-إثارة النقاد التطبيقيين مسائلها، باستعمالهم اصطلاحات الكيمياء في نقد الآثار الفنية.

3-الطبيعة الكيميائية للأثر الفني.

1-كيمياء الخيال من نظريات الفن :

يجد من يطالع كتابات منظري الفن، إشارات واضحة إلى كيمياء الخيال وتجلياتها وفاعليتها، ونشاطها وما تنتج، سواء كانت في فن الكلمة، أم اللون، أم الصوت، أم في فن الحركة...

ومن تلك الإشارات، إلى كيمياء الخيال، قول عبد القاهر الجرجاني من كتابه "أسرار البلاغة": "... فالاحتفال والصنعة في التصويرات، التي تروق السامعين وتروعهم، والتخيلات التي تهز الممدوحين وتحركهم، وتفعل فعلا شبيها بما يقع في نفس الناظر إلى التصاوير التي يشكلها الحذاق بالتخطيط والنقش أو النحت (..) كذلك حكم الشعر فيما يصنعه من الصور، ويشكله من البدع ويوقعه في النفوس من المعاني، التي يتوهم بها الجامد الصامت في صورة الحي الناطق، والموات الأخرس في قضية الفصيح المعرب المبين المميز والمعدوم المفقود في حكم الموجود والمشاهد (..) ويصنع من المادة الخسيسة بدعا يغلة في القيمة ويعلو، ويفعل من قلب الجواهر، وتبديل الطبائع، ما ترى به الكيمياء وقد صحت ودعوى الإكسير وقد وضحت، إلا أنها روحانية تتلبس بالأوهام والأفهام، دون الأجسام والأجرام ...".(2)

ويقول أيضا من كتابة: (دلائل الإعجاز): "ومعلوم أن سبيل الكلام التصوير والصياغة، وأن سبيل المعنى الذي يعبر عنه سبيل الشيء الذي يقع التصوير والصوغ فيه، كالفضة والذهب منهما خاتم أو سوار ..."(3)

وفي إشكالية كيمياء الخيال في الفن، يقول كولردج : "... أما الخيال الثانوي، فهو في عرفي صدى للخيال الأولي، غير أنه يوجد مع الإرادة الواعية، هو يشبه الخيال الأولي في نوع الوظيفة التي يؤديها، لكنه يختلف عنه في الدرجة، وفي طريقة نشاطه، إنه يذيب ويلاشي ويحطم لكي يخلق من جديد، وحينما لا تتسنى له هذه العملية، فإنه على الأقل يسعى إلى إيجاد الوحدة وإلى تحويل الواقع إلى مثالي.(4)

والأمر نفسه نلاحظ عند الباحث نبيل راغب في مقال له بعنوان: (التفاعل الكيميائي في الأدب)(5) ، إذ يقول: "إن الذي يتصدى لتحليل عمل أدبي ناضج سيكتشف أن العناصر الداخلة في تكوينه قد تحولت من مجرد مواد خام بخصائص معينة إلى عناصر جديدة ومتميزة ذات خصائص مختلفة تماما، تمنح العمل الأدبي شخصيته المتفردة بين الأعمال الأدبية الأخرى (...) وهذه العملية هي التي تحدث في التفاعل الكيميائي الذي ينتج عنه عناصر جديدة لم تكن داخلة فيه أصلا. بل إنه بدون هذه العناصر الجديدة فإن الهدف من التفاعل الكيميائي ينتقي أساسا(..)، وهذا ينطبق على الأدب بصفة خاصة والفن بصفة عامة، فالعمل الأدبي الذي يفشل في صهر كل عناصره في بوتقته، لا يمكن أن يكتسب الأصالة التي تضمه إلى التراث الإنساني الخالد".(6)

كما يحصل المتتبع كتابات الذين ينظرون للأدب، والفن عموما، كثيرا من الإشارات إلى كيمياء الخيال.

ومن الذين حدسوا أمرها فأشاروا إليها بوضوح الشاعر النقاد ت.س إليوت(7) والفيلسوف الألماني إرنست كاسيرر(8)، والشاعر المتصوف الفقيه محي الدين بن العربي(9)، والباحث محمد غنيمي هلال(10)، والشاعر الباحث خليل حاوي صاحب (لعازر عام 1962) موضوع البحث،(11) وكذلك الباحث شاكر النابلسي(12)، ومثله الباحث جليل كمال الدين والذي يرى أن توهج شعر خليل حاوي وتفرده صادر عن كون الشاعر "يعرف كيمياء الكلمة"(13)، وغير هؤلاء كثيرون.

2-كيمياء الخيال من اصطلاحات النقد التطبيقي :

هل من المصادفة العمياء، أن يكثر نقاد الشعر في أطاريحهم من الاصطلاحات الكيميائية، أثناء الحديث عن المخيلات الشعرية ؟ أم أن الدافع إلى ذلك ما يعتمل في القصيدة، فيوجه الناقد بنشاطه إن عن وعي الناقد به، وإن دونه، إلى استعمال اصطلاح الكيمياء في ما يبدع الخيال، حيث يبدو أن سنن كيمياء المادة تقارب فاعليات كيمياء الخيال، إلا أن الأولى تكون في الطبيعة، وأما الثانية، بالشعر، فتكون في الكلمة، وإنه ولكثرة هذه الاصطلاحات الكيميائية في نقد الشعر، نكتفي تمثيلا، بما يلي منها : الكيمياء كيمياء الكلمة، كيمياء اللغة، كيمياء الفعل الشعري، كيمياء المعرفة، التفاعل، التحويل الامتزاج، الاختلاط، الانصهار، الخلق، الوحدة العضوية، التعضي، التحليل، التركيب، العجن، الإذابة، المسخ، التصوير، النمو، الصوغ، الصياغة، الصناعة، الصنعة، الجعل، الحيوية، التصيير، الانحلال، البلورة، الأثر، العلاقة، الصيغة، السبك، الاستجابة، الإشعاع، التوهج، التكوين، التمثل، العنصر، التجرية، النتاج، تبادل الأثر، الدينامية، الإفراز، التدبل، التماهي، التطوير، الكيفية، المفاعلة، التشويه، الصبغ، الانعكاس، الامتصاص، التشبع، التفسخ، التجمد، التعقيد، التشخيص، التوق، الأحوال، التحوير، التأليف، الإكسير...

والمتأمل في نتاج النقد التطبيقي يجد كثيرا من الاصطلاحات النقدية ذات الدلالة الكيميائية.

3-كيمياء الخيال من طبيعة الأثر الفني:

يبدو، من خلال النماذج العديدة، أن الأثر الفني و طبيعة كيميائية من تشكيل ملكة الخيال، وهي التي شجعت النقاد على استعمال اصطلاحات الكيمياء، ولقد أدرك لك كبار الفنانين، ومنهم الشعراء الكبار.

لقد كتب الشاعر أرتير رامبو arthur rimbaud قصيدة بعنوان verbe alchimie،(14) وترجم رمسيس يونان هذا العنوان ب "كيمياء الكلمة"(15) وترجمه أيضا سمير الحاج شاهين ب "سيمياء الكلمة"(16)، وسواء أكانت الكيمياء أم السيمياء، أم الخيمياء ... فكلها مهارات يسعى بها صاحبها إلى تحويل الشيء أو الأشياء إلى أشياء جديدة تخالف الأولى لأغراض عديدة...

وعنوان رامبو لم يأت اعتباطا، وخاصة أن متن القصيدة انبثق من منافرات وتفاعلات وتحولات شديدة شكلت عالما غريبا على غير مثال سابق.

وهذا هو الإبداع، إذ يشكله فهل كيمياء الخيال، والراجح أن رامبو حدس فاعليات الخيال في الشعر، فكان عنوان قصيدته يشير إليها.

كما نجد الحدس الكيميائي لطبيعة الشعر لدى شار بودلير Charles Baudelaire قبله، في قصيدته correspondances،(17) والتي مثلت عند الغربيين ما يعرف ب "اختلاط معطيات الحواس"(18)ذي الدلالة الكيميائية.

وقد غاب عنهم الطبيعة الكيميائية للشعر إلا عند بودلير.

والحقيقة إن الشعر العظيم، وإن تعدد لسانه، واحد، لأن طبيعته تعود إلى اللغة le langage حيث إن الخيال يعتمل في المستويات الدنيا لها(19)، وهما قدرتان إنسانيتان، سيلن فيهما ها وذاك.

وتظهر كيمياء الخيال من رؤيا الشاعر، لدى ابن الفارض، إذ ندرك تلك الغرابة الكيمياء في قصيدته المشهورة (التائية الكبرى)، حيث يقول :

وكلي لسان ناظر، مسمع، يد

لنطق، وإدراك، وسمع وبطشه

فعيني ناجت، واللسان مشاهد

وينطبق مني السمع واليد أصغت

وسمعت عين تجتلي كل ما بدا

وعيني سمع إن شدا القوم تنصت(20)

ومن الشعر الكاشف عن فعل كيمياء الخيال تشكيل ليل امرئ القيس الغريب حين يقول:

وليل كموج البحر أرخى سدوله

علي بأنواع الهموم ليبتلي

فقلت له لما تمطى بصلبه

وأردف أعجازا وناء بكلكل

ألا أيها الليل الطويل ألا انجل

بصبح وما الإصباح منك بأمثل

فيالك من ليل كأن نجومه

بأمراس كتان إلى صم جندل(21)

كما ندركه من تشكيل جواده الشعري إذ يقول :

له أيطلاظي وساقا نعامة

وإرخاء سرحان وتقريب تتفل(22)

ونلاحظ الأمر نفسه على (جسر) خليل حاوي من قصيدة الجسر، إذ يقول :

"يعبرون الجسر في الصبح خفافا

أضلعي امتدت لهم جسرا وطيد

من كهوف الشرق من مستنقع الشرق

إلى الشرق الجديد

أضلعي امتدت لهم جسرا وطيد"(23)

فهل يوجد، في الحقيقة الثابتة يقينا، إنسان مثلما شكله ابن الفارض ؟ وهل هناك ليل حق ثابت يقينا قاطعا مثل ليل امرئ القيس؟ وهل من الحقيقة أن يوجد حصان يطابق حصانه الشعري ؟ وهل شاهدنا أو سمعنا حقا ثابتا يقينا جسرا حيا من أضلع حي ولحمه ودمه، مثل جسر حاوي البديع ؟ والجواب بالنفي المطلق، إذ لن تكون تلك الموجودات الشعرية حقيقية وما كانت ثابتة قطعا ويقينا(24)، وإنما بدعها الخيال الإنساني على غير مثال سابق، ووفق فاعليات كيميائية شكلت من المختلفات مؤلفات جديدة، لأن الشاعر لا يرضى باستنتاج أو نقل الواقع كما هو، وإنما يحوله من هيئة إلى تشكيل جديد(25)، مثل الأنا الناطق من قول المتنبي:

كم قد قتلت وكم قدمت عندكم

ثم انتفضت فزال القبر والكفن(26)

ومن خلال النماذج المقدمة تنظير ونقدا وإبداعا، نرى أن نشاط كيمياء الخيال ملاحظ لدى الشاعر تحليلا وتشكيلا ولدى الناقد أيضا، ومثل المنظر تأملا شاملا، في عمليتي الإبداع والنقد، وفي كل أحوالهما.(27)

وعليه، فإن كيمياء الخيال، تبدو قدرة من قدرات الدماغ الإنساني لها وظيفتها وغاياتها، مثلما أن لها تجلياتها وفاعلياتها، وهو أمر محتاج إلى عمل مؤسسي يجمع في توجهه النظرية والتطبيق، ويتوسع إلى كثير من الميادين والمعارف مثل علم النفس واللسانيات وعلم التشريح ... إذ ما الذي يحدث بالضبط عندما ينطق الإنسان بما هو حقيقة يقينا أو بما هو مخيل، أو يعبر عموما؟

ثم ما العمليات العضوية التي تدخل في تمثيل المعرفة واكتسابها واستعمالها(28) ؟ وما التي تدخل في عملية النطق ؟

وعليه، يبدو أن كيمياء الخيال هي من أنشطة العقل /الدماغ(29)، حيث يقوم الدماغ الإنساني بعمليات تحويلية هائلة (مازالت مجهولة وافتراضية)(30)، وهو أشبه ما يكون بالمحول الكهربائي الضخم في ما ينتج كما يقول إرنست كاسيرر(31)، إلا أن المحول الكهربائي ينشط في المادة الحسية، وأما الدماغ الإنساني فينشط في الدلالة، أو في المادة المحولة إلى دلالة، ويتجلى نشاطه في الدلالة المحولة إلى الكلمة وبالكلمة كان النطق فكان الإنسان.

والحقيقة إن عرض الأمثلة لكمياء الخيال في الشعر لا ينتهين والمؤكد أن الأمر جاد، ويدعو إلى التأمل فيه، من أجل نتائج أكثر علمية، ولأنها تتصل بالتجربة الفنية ومنها الشعرية وما يتعلق بها، تبدو هامة، بل تتعداها إلى آفاق الاطلاع على أسرار الإنتاج الدماغي في كل حقول المعرفة الإنسانية، وكيفية عمله والمنظومة العضوية للنطق أو التعبير عموما.

ولقد اخترنا، للكشف عن كيمياء الخيال من حيث التجلي والفاعلية، أن يكون البحث في (لعازر عام 1962).

تتشكل (لعازر عام 1962) من سبعة عشرة مقطعا شعريا نقاربها في أجزاء منها للكشف عن بعض تجليات كيمياءالخيال وفاعلياتها فيها.

وبدءا بعنوان (لعازر عام 1962)، فإننا أمام مناقضة(32) غربية وهائلة، أن لعازر حبيب يسوع كان قد عاش، قديما، في زمن يسوع(33)، ومات قديما، وأما ظهوره عام 1962، فهذا مالا يدعيه التايخ، بل يرده.

وبالتالي فإن من منظور العقل وأحكامه خرافة باطلة، يسفه، وببساطة يصفه بالكذب، ومسألة "الكذب" في نقد الشعر العربي وقد قننت في مقولة : "خير الشعر أكذبه"(34) علامة بارزة مروجي هذا الزعم لأسرار الشعرية، وكيفية اعتمال الحقيقي والمخيل في الشعر، بل هو عجز عن التوغل في الشعر لامتحاح بعضا من المألوف في أمشاج الغربة.

إن هذه المفارقة (لعازر عام 1962)، والتي تغذيها منافرات عديدة، وذلك من إحلال الماضي البعيد في الحاضر أو المستقبل، أو العكس، لا تدخل في منطق المعقول، وإنما هي تجليات المخيل، ولا يمكن إدراك فاعلياتها، بل لا يمكن إدراك الانسجام في هذه المناقضة والصادر عن شدة الاختلاف فيها(35)، إلا إذا خبرنا نشاط كيمياء الخيال والتي تهب بخلق وتأتي بخلق، حينئذ يمكن تحليل هذه المناقصة تحليلا يراعي الواقع الخصيب الكثيف في أحواله الثلاثة المتداخلة والمتفاعلة وهي: حال الحس، حال التجريد، حال التخيل، لامتحاح المعقول من المتخيل أو المخيل منها أو العكس.

اعتنق خليل خاوي القومية العربية بعدما أيقن استحالة فينقة الشام، إن كان دعاة الفينة، وبعد أن استبطن الواقع، آمن بأن أدرك عروبته وصل إلى لبانيته، ومن يعمق في لبانيته أدرك عروبته، فصار عروبيا قل أمثاله.

وقد أرى، بعد أن انفصل عن "الحزب القومي السوري"(36)، مثل غيره أن الوحدة بين مصر وسورية سنة 1958 هي نواة الوحدة العربية المنشودة، وفاتحة الانبعاث العربي الشامل، إلا أنه لم تدم طويلا، وجاء عام 1962 يحمل للعرب انفصال سورية عن مصر، وعاد كل شيء في الواقع العربي المجزا إلى ما كان عليه، وتبين أن ما تراءى انبعاثا كان كاذبا(37) وحداثة مشوهة(38). وماتت الوحدة العربية في ميلادها، فأوحى هذا الحديث الرهيب للشاعر بحادثة بعث يسوع حبيبه لعازر، إن عاد لعازر يسوع، قديما، من الموت إلى الحياة سليما، إلا أن لعازر حاوي عندما جاءه يسوع ليبعثه من الموت عام 1962 رفض بعثه إلى حياة أقسى على الحي من القبر على الميت، وتلك هي المفارقة التي تهج شعرية تشكيل القصيدة عموما وما ينجم عنها.

ولما أرغم على بعث(39) ليس نابعا لعازر عاد إلى الحياة ميتا إذ هو "الحياة والموت في الحياة".(40)

إن لعازر حاوي لا يرغب في بعث إلى حياة فاسدة، وكيف يبعث إلى واقع كان قد فضل الموت عليه، وهو ما يزال مستمرا في فساده، ولك ما جدوى بعث ميت، كان قد اختار الموت اختيار ؟ إن لم يكن فيه انبعاثا متفجر من أعماق ذاته(41) إلى حياة أفضل من تلك التي فضل الموت عليها، ولما كانت الحياة التي أرغم على البعث فيها هي التي فضل عليها الموت لفسادها، لك ظل لعازر حاوي يرغب في الموت، فعاد إلى الحياة ميتا، إنه الحي الميت في الحياة.

ومن هذا الحي الميت (لعازر حاوي)، ندرك كيمياء الخيال في هذا الإنسان الغريب (الحي الميت)، كما ندركها أيضا من تشكيلة الناهض من وجود منافرة(42) شديدة فيه، من تماشج الحياة والموت فيه، وقد أدت هذه المنافرة فيه إلى التفاعل ومنها كان تحويل الحي والميت إلى إنسان حي ميت، يسكن داره مع زوجه، ويتجول في المدينة، ويتحرك بشوارعها مثله مثل الأحياء.

إن التجاسد بين الحي (لعازر يسوع) والميت قد شكل (لعازر حاوي)، ذلك الحي الميت. ومن هذه الصيرورة (43)le devenir بمتتالياتها، ندرك كيمياء الخيال من تجليها (لعازر حاوي)، ومن فاعليتها وهي التي كان بها (لعازر حاوي)، ومنها المنافرة، المفاعلة، التحول، الوحدة ...

وهكذا تتراءى لخليل حاوي، في تلك المرحلة القاسية من تاريخ العرب، أن موت العربي أفضل له من حياته المتحركة من فساد إلى فساد(44)، وفي هذا الواقع المأسوي خيل خليل حاوي الإنسان العربي في لعازر الرافض للبعث، وقد مر تاريخنا على بعث لعازر يسوع-كما يقول الإنجيل- سنة 1962، أكثر من 1900 سنة.

كما خيل الشاعر واقع الإنسان العربي في قبر لعازر حاوي مثلما خيل "حياة"(45) العربي في زوجه لعازر حاوي الذي أعداها ب "شهوة الموت"(46)، وجعلها على صورته، ثم شدها إلى مصيره، إلى أن أصبحت مثله تمجد الموت، واصابها لتحول مثله فأمست "أفعى عتيقة"(47)، وسكن الاثنان مسخا لمسخ في الوطن القبر، يلتذان : "الحياة والموت في الحياة"(48).

وهكذا فبتخيل الشاعر الخصيب، والذي أذاب ولا شى، وحطم –كما يقول كولوردج- ثم شكل ما أراد وكيفما شاء، كان انبثاق عالم مخيل جديد رهيب، مرعب مخوف، بملامح غريبة لا تنتهي، بتعدد القراءات والقراء، دلالته.

ويبدو أن الشاعر حين شكل عالم القصيدة الفاسد، بالمفاعلة بين الماضي والحاضر في أبرز عناصر هما وهي : المكان والزمان والإنسان والحيوان والأشياء على الجملة، كان يسعى إلى الكشف عن تشوه الإنسان العربي وتعطل عوامل التمكن والعطاء فيه، كما كان يسعى إلى إجلاء فساد واقعة ووخم حياته، وبوار حضارته في العصر الحديث.

وهكذا نشطت من "تخييل الواقع"(49) مفاعلة واسعة بين الأشياء المتنافرة: الأمكنة، الأزمنة، الأجساد أو الأشياء على الجملة، فنجم من هذه المفاعلة، ذات المنافرات الشديدة بين مفردات الواقع، تشكيل شعري، هو عالم القصيدة الغريب، فيه كما يقول عبد القاهر الجرجاني في حديثه عن التشبيه: "شدة ائتلاف في شدة اختلاف".(50)

هذا إذن حديث مجمل عن عالم القصيدة. وأما تفصيله فيكون بالوقوف على تتبع تجليات كيمياء الخيال وفاعليتها، في أربع ظاهرات كبرى بها يكون تشكيل القصيدة.

1-المكان الشعري

2-الزمان الشعري

3-الجسد الشعري

4-الشيء الشعري

1-كيمياء الخيال من المكان الشعري:

المكان الشعري(51) مبدع مثله مثل المكان الأسطوري أو الخرافي ... ويشملهم جميعا المكان الخيالي، والذي يشكله بدعا على غير مثال سابق(52)، من مادة غنية بتنوع مصادرها واختلافها(53) "بحيث قد يستحيل إلى كائن يعي ويعقل، ويضر، وينفع، ويسمع، وينطق(54)، إذ لكي يتشكل فإنه يمتص من ظاهرات الشهادة والغيب، فيغدو ما امتص من ملامحه، وهكذا ينبثق المكان الشعري من نشاط اللغة ذات الفعل الكيميائي الخيالي(55) التشكيلي(56)، وهو "من أرقى الأمكنة، وجمالياته من أفضل جماليات الأمكنة، لأنها تتم عبر كيمياء المكان المدهشة(57)، وبتشكيله المؤلف المختلف يغنى ويغرب، فيتجاوز به المكان الجغرافي فتنة واكتنازا دلاليا.

ومن تجلياته في قصيدة (لعازر عام 1962) قبر لعازر حاوي الشعري، إذ يقول لعازر حاوي من المقطع الشعري الأول وعنوانه (حفرة بلا قاع) :(58)

"عمق الحفرة يا حفار

عمقها لقاع لا قرار

يرتمي خلف مدار الشمس

ليلا من رماد

وبقايا نجمة مدفونة خلف المدار"(59)

إن القبور التي تعرف لها قاع، وكل حفرة مما هو معقول تنتهي به، أما وأن نقرأ من العنوان –مثلا- (حفرة بلا قاع) فهذا من الخيال، وشعرية هذه الحفرة، من خرقها أصول المنطق وقواعد العقل، وجاوزت بذلك المعهود، واتسعت وعمقت إلى حيث ينتهي العقل إذ يبدأ التخييل، وتتجلى كيمياء الخيال منها في التفاعل بين المعقول المحدود (الحفرة)، والمخيل المطلق (بلا قاع) وهذه المنافرة بين المعقول والمخيل فيها، هي التي أوهجت شعريتها، وجعلتها بدعا يغلو في القيمة ويعلو على غير مثال سابق.

وبمواصلة القراءة التجوال(60)، تنكشف ملامح أخرى من القبر الشعري للعازر حاوي، وفيه من القسوة والشدة ما يرعب، وقد تشكل من عناصر مضادة للحياة، دالة على الموت والعدم، يقول لعازر لحفار هذا القبر:

«لف جسمي، لفه، حنطه، واطمره

بكلس مالح، صخر من الكبريت

فحم حجري(61)

إن هذا القبر الشعري بقدر ما هو مخوف مرعب، فهو جميل بتشكيل قبحه "والشاهد على هذا، ما يجري في الواقع : فالكائنات التي تقتحمها العين، حينما تراها في الطبيعة، تلها مشاهدتها مصورة إذا أحكم تصويرها، مثل صور الحيوانات الخسيسة والجيف".(62)

وفي المقطع الشعري الثاني، نلحظ تجلي كيمياء الخيال من عنوانه (رحمة ملعونة)، فإذا كانت الرحمة هي الخير واللين ورقة القلب، والعطف والمغفرة والإحسان ... و (ملعونة) من اللعنة وهي السخط والعذاب، فكيف إن تكون الرحمة ملعونة ؟ إنها حال خاصة أحس بها لعازر حاوي عام 1962 عندما جاءه يسوع ليبعثه إلى واقع فاسد، وهي قريبة من حال الإنسان العربي الذي أغري بوهم انبعاث وحدة عربية باطلة، وبالتالي فإن لعازر حاوي هو تخييل الإنسان العربي، إذ فيه من ملامح خليل حاوي نفسه، وها هو "تخييل الواقع" لدى الغذامي.

وندرك كيمياء الخيال من التجاسد بين لعازر يسوع والإنسان العربي عموما، ومن ذلك التجاسد تشكل لعازر حاوي.

وأما المكان الشعري من المقطع الشعري الثاني فمثاله القبر الشعري للعازر، وقد انطبق عليه إذ يقول :

"صلوات الحب والفصح المغنى

في دموعي الناصري

أترى تبعث ميتا

حجرته شهوة الموت،

ترى هل تستطيع

أن تزيح الصخر عني

والظلام اليابس عني

في القبر اليابس المركوم

في القبر المنيع ..."(63)

إنه القبر الشعري من الداخل، وهو غريب بتشكيله الذي أوجدته كيمياء الخيال، إذ جعلته بصفات لا توجد في القبور الحقيقية، حيث إن لعازر لا يموت فيه ولا يحي، إنه الميت الحي، فيه يحيا، يتكلم، يعي، ويحكي، ثم يدري أن يسوع واقف خارج القبر، وهو يطلب من الرب بعثه، وبالتالي فهذا القبر يخالف بقدر ما يشابه القبور المعهودة، إنه قبر لكنه غير قاتل عندما ينطبق، ثم إن الذي فيه ميت حي، أو حي ميت، وهذه مناقضة مفارقة، وهذا أمر منبثق من "تخييل الواقع".(64)

كما نتبين كيمياء الخيال من ظلام القبر، فهو يابس مركوم تراكب بعضه على بعض متكاوسا، وهذه حال ليس من طبيعة الظلام المألوف، وإنما هي حال ظلام قبر لعازر حاوي، وقد امتص ملامح المادة الجامدة، فاستحال إلى ظلام غريب، وذلك بتفاعل ظاهرة لا مادية (الظلام) مع ما هو مادي جامد (اليابس المركوم). فتشكل من هذه المفاعلة ظلام على غير مثال سابق، لا عهد لنا به.

إن هذه المفاعلة، إذن، نشطتها كيمياء الخيال، والتي في الشعر، تفعل في الدلالة اللسانية دون المادة الموضوعية(65)، أو تفعل في الأشياء وقد تحولت إلى كلمات "والذي ينبغي قوله هو أن الأشياء ليست شعرية إلا بالقوة، ولا تصبح شعرية بالفعل إلا بفضل اللغة، فبمجرد ما يتحول الواقع إلى كلام يضع مصيره الجمالي بين يدي اللغة(66). فتصيبه فاعليات كيمياء الخيال، وقد تحول إلى لسان فيتبدل.(67)

كما يكسب قبر لعازر حاوي، بفعل كيمياء الخيال ملامح أخرى ليست من صفات القبور، إذ يبدو به لعازر حاوي في راحة كبرى، وقد خلصه من فساد الحياة، ومنعه. ويتجلى ذلك من وصف قبره بالمنيع، والمنيع هو العزيز الشديد الذي يتعذر الوصول إليه.

ومن العادة والمألوف أن القبر لا يرقى إلى صفة "المنيع"، وإنما يكون القصر، مثلا، أحق بها منه، لما هيء له من وسائل المنعة.(68)

وهكذا، فعندما صرف القبر فساد الحياة عن لعازر حاوي وصده عنه، صار يراه قصيرا يحميه من الحياة الفاسدة المفسدة، فانبثق تشكيل غريب من مماهات الشاعر بين القبر والقصر بما لكمياء الخيال من فاعليات نشطة، إذ من صهارة القبر والقر، كما هما في الواقع، تشكل قبر لعازر حاوي المنيع، على غير مثال سابق، فهو قبر بملامح القصر.

إن غرابة قبر لعازر حاوي ليس من مادته، إذ هي مما يقع على الحس (القبر، القصر)، وإنما هي من تشكيله، والذي أصبح به موجودا ثالثا في القصيدة لا هو القبر ولا القصر، كما هما في الواقع، وبهذا التفاعل والتحول ثم التشكيل تهج شعريته من المنافرات العديدة والتي بالصهر الشعري تتحول إلى تشكيل فيه شدة ائتلاف في شدة اختلاف، وهذا من فعل كيمياء الخيال المدهشة، والذي كما يقول محي الدين بن العربي أنه يذهب خلق ويأتي بخلق، ويريك ما لا عين رأت.(69)

وبهذا نكون قد تبينا بعضا من داخل القبر الشعري، وفيه لعازر حاوي وقد (حجرته شهوة(70) الموت) وهو بديل من واقع فاسد. فكيف يكون المكان الشعري خارج قبر لعازر حاوي.

إن استمرار لعازر حاوي في حكايته أحواله، وفي كشف عن واقعة، يفتح التشكيل الشعري عن خارج القبر، فيتجلى المكان الشعري منه مرعبا قاتلا، خرابا، موبوءا، تتناوب عليه النار والعتمة، وهو يعلك البشر ويطحنها طحينا حيث يقول :

"كيف يحييني ليجلو

عتمة غصت بها أختي الحزينة

جون أن يمسح عن جفني

حمى الرعب والرؤيا اللعينة :

لم يزل ما كان من قبل وكان

برقا فوق رأسي يتلوى أفعوان

شارع تعبره الغول

وقطعات الكهوف المعتمة

مارد هشم وجه الشمس

عرى زهوها عن جمجمه

عتمه تنزف من وهج الثمار

الجماهير التي يعلكها دولاب نار

وتموت النار في العتمة

والعتمة تنحل لنار"(71)

هذا هو المكان الشعري خارج القبر فاسد، قاتل، قد دفع لعازر حاوي أن يحتمي منه القبر المنيع، بل هو الجحيم تتلظى، إذ السماء تمزقها البروق المتفعية، وشوارع المدن تعبرها الغيلان، وقطعان من مسوخ الكهوف تجوس هنا وهناك، وأما الشمس فقد هشم وجهها المردة العتاة، فانطفأ ضياؤها، وزال حسنها، ولم يبق منها إلا عظام مشوهة، وحتى ما ينبت المكان أصبح ينزف بالظلام، وقد نصبت دواليب نار تدور عالكة البشر في النار التي يعقبها ظلام ينتهي باتقاد النار مجددا، وهكذا يتناوبان تعذيب الإنسان.

ولذلك فضل لعازر حاوي سكون القبر على ضجيج خارجه، وقد بدا له داخل القبر المنيع، لأنه خارجه هو الجحيم، وكيف يقبل إنسان أن يبعث من الجنة إلى النار ؟

إننا نكتشف من الملامح البارزة لهذا المكان الشعري، امتصاصه من الغيب ملامح جهنم، كما امتص من الشهادة ملامح المكان العربي(72) ... ومن هذه المنافرة فيه، والناجمة من الاختلاف بين المكانين الغيبي والشهادي، كان التفاعل بينهما، فتحولا بالتصاهر إلى مكان شعري مرعب، بقدر ماهو جميل تشكيله.

إن هذا المكان الشعري قد تشكل باعتمال فاعليات كيمياء الخيال ونشاطها في اللسانية المحولة من الحسي والمجرد والمخيل، فكان بدعا جديدا على غير مثال سابق، إنما هو نموذج ذاته، غير مقلد ولا يستنسخ، لا نموذج له إلا هو، وهذا هو الإبداع، ولن يكون هذا المكان الشعري إلا في نص قصيدته (لعازر عام 1962).

ويطول بنا الحديث عن أحوال المكان الشعري وتجلياته من هذه القصيدة الكبرى. والمهم أنه لما بعث لعازر حاوي من قبل يسوع عام 1962 بلا رغبة، ودون أن يوفر له أسباب البعث وشروطه، عاد لعازر حاوي حيا ميتا في الحياة، عاد مسخا إلى مكان شعري فاسد، قاتل، موات إذ يقول :

"عبثا تلقي ستارا أرجواني

على الرؤيا اللعينه

وبكت نفسي الحزينه

كنت ميتًا باردًا يعبر

أسواق المدينه

الجماهير التي يعلكها دولاب نار

من أنا حتى أرد النار عنها والدوار

عمق الحفرة يا حفار،

عمقها لقاع لا قرار"(73)

وهكذا يستمر المكان الشعري يتشكل من مقطع شعري إلى آخر بملامح غريبة، مختلفة خصيبة معقدة، بفعل كيمياء الخيال، ويظل لعازر حاوي حيا ميتا يمارس أبشع العذاب على زوجته، ولطالما ترجته أن يستقيم، فيعود إلى سواء الفطرة، إلا أنه لزم موقفه وهو : "الحياة والموت في الحياة"(74)، بل أعدى زوجته بشهوة الموت، ثم جرفها إلى مصيره فتحولت – وهي في كمال الاستواء- إلى (أفعى عتيقة)(75)، فارتدت عليه بالناب والمخالب(76) مسخا لمسخ حيث تقول :

حلوة سمرا رشيقة

"خدعة المرآة، رباه، وتمويه العيون

إن لي جسمًا

تمحيه وتبنيه الظنون

أنطوي في حفرتي

أفعى عتيقة

تنسج القمصان

من أبخرة الكبريت، من وهج النيوب

لحبيب عاد من حفرته

ميتا كئيب

لحبيب ينزف الكبريت

مسود اللهيب(77)

وقد تشكل المكان الشعري، للمشهد الأخير، من مادة بالغة التنوع والاختلاف، ومنها تخيل دار لعازر حاوي وزوجته في حفرة الأفعى، بعد أن مسخت الزوجة "أفعى عتيقة" ومسخ لعازر حاوي حيا ميتًا في الحياة.

ومن بدائع كيمياء الخيال أن زوجة لعازر حاوي على الرغم من أنها تفعت، إلا أنها تعي، وتحكي حالها، وتدرك مسخها، ومسخ زوجها، لكنها لا تقوى علىتخليصه أو التخلص مما يعانيان.

وهكذا فبالتفاعل بين المتنافرات، مثل دار البشر وحفرة الأفاعي، وبتصاهرهما تحولا إلى حفرة غربية، حفرة شعرية، تتماهى فيها متكاملة ملامح دار البشر وحفر الأفاعي يسكنها مسخان، هما لعازر حاوي وزوجته المتفعية.

إن الذي شكل هذا المكان الشعري المستغرب هو فعل متتاليات كيمياء الخيال، ومن فاعلياتها، المنافرة، المفاعلة، التحول، التشكل، وغيرها ...

تلك، هي، إذن، بعض أحياز المكان الشعري والتي كشفنا عنها في قصيدة (لعازر عام 1962)، ويبقى الكثير منها يحتاج إلى تأمل وروية وجهد أكبر، ووقت أطول.

2-كيمياء الخيال من الزمان الشعري:

إن اقتراحنا مفهوم كيمياء الخيال لمقاربة تشكيل القصيدة، لا نعني به أبدا، أننا نتوسل لذلك قواعد ومعادلات الكيمياء الطبيعية، إذ أننا لم نقصد بهذا المفهوم، الأصيل في الفن، تلك الإجراءت العلمية الصرف، وما فكرنا فيها، ولا يحب، وإنما نطمح بذلك المفهوم إلى تبني الروح الكيميائية، عند تأمل الأثر الفني، لأنه من طبيعة كيميائية خيالية، مثلما دعا "غستاف لانسون" لتبني الروح العلمية في الأدب لا قواعد العلم.(78)

إن الدعوة إلى فهم الشعر ونقده من منظور كيمياء الخيال، تبدو هامة، لأنها طريق نهج، له غابات علمية، مثل : معرفة خصائص ومميزات تلك التفاعلات الغربية التي تقدحها الكلمات حينما ترتبط ببعضها بكيفيات لا عهد للغة بها، ثم ما ينجم من تأثيرات متبادلة في الدلالات، وما يطرأ عليها من تحولات.(79)

وهذا التوجه في فهم التشكيل الشعري من طبيعة الكيميائية الخيالية من حيث تجالياتها وفاعلياتها، يقود إلى مقاربة الزمن الشعري منه من خلال قصيدة (لعازر عام 1962).

ولا نتوسع في تتبع تجليات الزمن الشعري من تشكيل القصيدة، إذ يكفي لبيان ذلك تجل واحد، نقف فيه على نشاط كيمياء الخيال في تشكيل الزمن الشعري، ومثال ذلك الزمنية الشعرية(80) من العنوان (لعازر عام 1962)(81).

إن زمنية العنوان من منظور العقل كاذبة باطلة، أو هي على الأقل، مضللة، وهو الأمر الذي أسماه محي الدين صبحي (ضلالة الزمن)(82) في الشعر الحداثي، لأن لعازر كما يروي قصته الإنجيل، كان قد عاش في زمن يسوع(83)، وأما أن يظهر لعازر عام 1962، فهذا مالم يحدث في التاريخ، وقد بينا ذلك في بداية البحث. إذ عندما خيل الشاعر لعازر في الإنسان العربي المعاصر، الرافض واقعة، والمفضل الموت عليه، ومن هذا التجاسد بينهما تشكل لعازر حاوي، ومن هذا التشكيل الجسدي، يتشكل زمن شعري أيضا، فلا وجود لجسد دون زمن.

ومن تفاعل الزمن القديم، زمن لعازر يسوع، والزمن الحديث زمن الإنسان العربي المعاصر عام 1962، تشكل زمن شعري، هو زمن لعازر حاوي، تتداخل فيه الأزمنة متفاعلة.

ومن هذا التزامن (بمفهوم تفاعل أزمنة مختلفة، لا بمفهوم حدوث أشياء في زمن واحد) كان الزمن الشعري الذي يؤرخ من خلال القصيدة للعازر حاوي، وفيه كانت الهيمنة للحاضر، فامتص الماضي والمستقبل، فتشكل زمنا مستغربا مشبعا بالذكرى، ويشع بأحداث الآن، وتجري فيه الرؤيا الفاجعة بما سيكون(84)، إذ إن هذه القصيدة كانت نبوءة بهزيمة العرب في جوان عام 1967.

وهكذا يتشكل الزمن الشعري غريبا، من تفاعل أزمنة عديدة مختلفة، غرابة المكان والجسد الشعريين، بل غرابة كل ما هو شعري، وهذا من فعل الكيمياء، إلا أنها خيالية تفعل في الدلالات دون الحس.(85)

وهكذا فإن الزمن الشعري، وعلى الرغم من خصوصيته، يشاكل الزمن الوجودي، في كونه يسري في كل الأشياء، إذ به ينضبط عالم القصيدة في ظاهراته المختلفة.(86)

3-كيمياء الخيال من الجسد الشعري:

نلاحظ، بوضوح، تجليات كيمياء الخيال، وفاعلياتها من التجاسد، وهو في أبسط أحواله، تفاعل ملامح جسد أو أجساد (حقيقة أو مخيلة) مع جسد أو عدة أجساد لتشكيل جسد شعري جديد، أو أن يشكل الشاعر جسدا شعريا من ملامح جسدية متفرقة سواء أكانت في عالم الحس أم عالم التجريد أم عالم التخيل(87)، وساء في ذلك أكان الجسد الشعري المشكل حيا أم ميتا، أم حيا ميتا مثل لعازر حاوي، وفي ظاهرة التجاسد يقول "لانعتون" Langton : "إن أغلب هذه الأشباح هي أرواح حيوانات مفصولة عن أجسادها، وخاصة حيوانات يخشاها الإنسان، أو حيوانات مركبة أي مزيجا من أجزاء من حيوانات حقيقية"(88)، وفي هذا الشأن أيضا يقول محمد غنيمي هلال : "قد يقوم الكاتب بتصوير نموذج لإنسان تتمثل فيه مجموعة من الفضائل أو الرذائل أو من العواطف المختلفة التي كانت من قبل في عالم التجريد أو متفرقة في مختلف الأشخاص، وينفث الكاتب في نموذجه من فنه، ما يخلق منه في الأدب مثالا ينبض بالحياة، أغنى في نواحيه النفسية وأجمل وأوضح في معالمه مما نرى في الطبيعة".(89)

ومما سبق ندرك أن الجسد الشعري تشكيل جديد من ملامح جسدية أو غيرها، وهو يمتص كيانه من غيره ليتوجد على غير مثال سابق، وفق كيمياء الخيال بفاعلياتها النشطة.

وهذا الأمر ملاحظ على "لعازر حاوي"(90) والذي امتص بعض ملامحه من عدة أجساد، إذ فيه من ملامح لعازر المذكور في الإنجيل(91)، ومن ملامح الأموات، حيث هو الحي الميت في الحياة(92)، كما فيه من ملامح العتاة(93) والجلادين(94)، ومن ملامح الكفرة المخذولين(95)، كما امتص لعازر حاوي بعض ملامحه من التنين حيا(96) وميتا(97) وملامح الخضر مغلوبا(98)، وفيه أيضا من ملامح الأبطال الأسطوريين(99)، مثلما فيه ملامح الغريب عن زوجته(100)، كما فيه ملاح الوحوش المفترسة(101)، وفيه ملاح الأمراء الطغاة المتألهين(102)، ومن ملامح العشاق المتيمين أمثال قيس بن الملوح العامري (مجنون ليلى)(103)، وفيه أيضا من ملامح الجان(104)، والأفعى(105)، وفيه من ملامح الطيوف(106)، كما امتص لعازر حاوي من ملامح الإنسان العربي(107)، كما فيه من ملامح أي إنسان تحبط آماله المصيرية، مثلما فيه كثير من ملامح الشاعر خليل حاوي، وهو الذي شكله(108) كيفما أراد وشاء، وخاصة رغبة لعازر في الموت(109)، والتي نفذها عام (110)1962، والتي هي من النزعة الانتحارية التي كان يعانيها خليل حاوي(111)، إذ أعدى بها لعازر حاوي، وقد نفذها خليل حاوي انتحارا عشرين عاما بعد انتحار لعازر حاوي، وذلك ليلة السادس من جوان عام 1982.(112)

كما يمتص حاوي مزيدا من الملامح الأخرى من القارئ، وذلك بالتجاسد بينهما، حينما يتخيله القارئ أثناء القراءة، إذ مثلما يؤثر لعازر حاوي في القارئ، يتأثر به، وهذا التأثير والتأثر بينهما هو الذي ينشط التجاسد بينهما، ومن أدلة التجاسد بين القراء والشخوص الفنية، هي اختلاف نوع الاستجابة ودرجاتها بين قراء الشخصية الواحدة، وبالتالي فإن لعازر حاوي، يكتسب من قارئ ملامح غير التي يكتسبها من قارئ آخر.

وهكذا فإن الجسدية، هي أحد مصادر مادة تشكيل لعازر حاوي، فقد امتص كثيرا من ملامحه من أشخاص حقيقيين أو خياليين، أو أنه امتص بعضا منها من عالم التجريد، ويبدو أن التجاسد –كما رأينا- هو الفاعليات تشكيل الجسد الشعري وأحد مصادر غرابته.































خطاطة لتجاسد لعازر حاوي مع بعض الأجساد

وإذا كان لعازر حاوي –كما رأينا- غير عادي بتشكيله –لابمادته-، غريبا يتجاوز إدراك العقل له، فكذلك كانت زوجته، فهي بتشكيلها تتوهج غرابة، لا يستوعبها مثله، إلا التجربة التخييلية أثناء القراءة، إذ هي شدة ائتلاف في شدة اختلاف.

وإذا كان لعازر حاوي قد شكلته، من متعدد، فاعليات كيمياء الخيال، مثل المنافرة والمفاعلة والتحويل ... وفيها التجاسد، فقد وقفنا على بعض تجلياته فيه، فإن تشكيل زوجته يماثل تشكيله.

فقد شكلها الشاعر من مادة ذات مصادر متعددة ومتنوعة ومختلفة، أحدها الجسدية المستخلصة من عدة أجساد مختلفين.

لقد امتص(113) تشكيلها الشعري لكي تنوجد بدعا على غير مثال سابق، إنما هي نموذج ذاتها، من ملامح الزوجة الآية في الجمال النفسي والجسمي(114)، وفيها ملامح الفريسة التي يصطادها النمر، فيروي عطشه من دمها ويشبع من أشلائها(115)، ولها ملامح الأنثى الغريبة عن لعازر حاوي زوجها والغريب عنها بمسخة(116).

كما يمتص تشكيلها ملامح حسناء حلوة(117)، تلك "العذراء الجميلة التي يقدمها الناس للتنين كي يتقوا شره الباغي(118)، وتأخذ من ملامح لعازر حاوي رغبتها في الموت(119) والتي هي من النزعة الانتحارية، التي كان الشاعر خليل حاوي يعانيها، وقد أعداها بها مثلما أعدى بها زوجها، كما يأخذ تشكيل زوجة لعازر حاوي من ملامح المرأة المنهارة المجنونة(120) مثلما تظهر فيها ملامح مريم المجدلية بتجاسدها العميق معها(121)، وتتابع زوجة لعازر حاوي "مخاطبتها للمسيح بما يشبه التعنيف، وهي تستعرض علاقته بمريم المجدلية، كأنها هنا تسقط لوعة حرمانها الجنسي الحاد على هذه الشخصية الأخيرة وسلوكها.

ويتخذ الشاعر هنا مما يذكره الإنجيل عن دهن مريم قدمي المسيح بالطيب ومسحها لهما بشعرها"(122) منطلقا تعتمده زوجه لعازر ل [حاوي] بصورة أكثر توهجا وإغراء (..) لتتفق مع تفسيرها لسلوكها باعتباره إعلانا متحرقا جامحا عن شهوة مقموعة ورغبة مكبوتة ترزح المرأة تحت وطأتها(123) ..."، إن تشكيل زوجة لعازر حاوي، هو من فاعيلات كيمياء الخيال، مثل: المنافرة والمفاعلة، والتحويل، والوحدة، الجدة...

كما تظهر فيها ملامح المرأة الكافرة(124) والمؤمنة أيضا(125)، مثلما يمتص تشكيلها الشعري ملامح الطفلة(126)، في براءتها مع زوجها لعاز حاوي، ذلك التنين الصريع(127).

ولها أيضا ملامح الأجساد الذين يرمى بهم في الأنهار تعويذة سحرية لإسقاط المطر، ورد الخصب إلى الأرض اليباب، كما آمن من البدائيون(128) ونتيجة لإصابتها بالجنون(129)، ترى نفسها، مرة، عروسا، في أتم قوام، وأحسن حال، وأفخر مقام(130)، ومرة، أن ذلك من أثر الجنون(131)، إذ إن جسمها أصبح عرضة للتبدل والتحول، فلا يستقر على حال، حيث يكتسب ويفقد من الملامح والأحوال التي لا نهاية لها(132)، بل هو في صيرورة كيميائية غريبة، تصيبه بتحولات متوالية بها ينحل إلى أجسام لا متناهية، لا تكف عن التشكل(133)، فهو مرة، طيف، أو وهم، ومرة مسخ أو بدع لا يكونه إلا تخييل القارئ، بنشاط كيمياء الخيال، كما نبهه الشاعر بكيمياء الفعل الشعري(134) وتلك هي كيمياء الخيال –سواء في الكتابة أو القراءة- والتي تجعل زوجة لعازر حاوي تنفى، فتكون "أفعى عتيقة"(135) وتلك الزوجة الأفعى لها أيضا ملامح إبليس"(136) التي تنكر أفعى وأغرى حواء بالعصيان حتى سقطت وآدم من الجنة إلى عالم الخطيئة والموت"(137) مثلما سقطت لعازر حاوي وزوجته الأفعى إبليس في الحفرة/ القبر يعانيان الجحيم فيها مسخا لمسخ(138).

وبالتأمل في زوجة لعازر حاوي، نكتشف فيها بعض ملامح الشاعر خليل حاوي، مثلما أعدى بها زوجها، ومن أبرز ملامحه فيها رغبتها الشديدة في الانتحار(139) وتلك من نزعته الانتحارية –كما أسلفنا- وقد عاناها طويلا إلى أن حققها بانتحاره ليلة السادس من جوان 1982، كما أنه فيها من إلحاده(140) ...

كما أن القارئ يعايش زوجه لعازر، بفعل القراءة، فإن هذه المعايشة ليست بريئة محايدة، وإنما هما يتبادلان الأثر، وبالتالي بقدر ما تعديه ببعض أحوالها، فإنه كذلك يشحنها بأحوالها منه وأدلة ذلك مبدأ تعدد القراءات بتعدد القراء وأحوال القارئ الواحد، وكذلك نوعية التأثر والاستجابة ودرجتها، وبالتالي فإن زوجه لعازر حاوي تمتص من قارئ ملامح وأحوالا غير التي تكسبها من آخر.

وهكذا فالتجاسد الذي نشط تشكيل زوجه لعازر، بين عدة أجساد ممن أشرنا إليهم أو لم نشر، لهو من فاعليات كيمياء الخيال والتي بها يبدع الشاعر كما يبدع القارئ من مادة مألوفة أجسادا غريبة على غير مثال سابق.(141)

إن المتأمل في تشكيل لعازر حاوي، وزوجته، يجده وقد انبثق من تفاعلات واسعة وعميقة هي التجاسد بين عديد الأجساد، وقد نشطتها منافرات(142) شديدة بين الملامح التي تشكلا منها، فينجم بالصهر من هذه المنافرات الانسجام في التشكيل، إذ هما (لعازر وزوجته) "شدة ائتلاف في شدة اختلاف"(143)، كما يقول عبد القاهر الجرجاني في حديثه عن التشبيه.

إن هذه الصيرورة المنتجة لتشكيل منسجم هي من فعل كيمياء الخيال، حيث ومن التطورات والمتواليات التفاعلية تتشكل مركبات خيالية جديدة كما يقول ت، س، إليوت(144) ومنها لعازر وزوجته.



خطاطة لتجاسد زوجه لعازر حاوي مع بعض الأجساد

































4-كيمياء الخيال من الأشياء زوجة لعازر حاوي مع بعض الأجساد

مثلما تشكل فاعليات كيمياء الخيال –كما رأينا- المكان الشعري والزمن الشعري والجسد الشعري، على غير مثال سابق، تنشط كذلك مشكلة الشيء الشعري على اختلاف أنواعه وتعددها.

إن الأشياء الشعرية غريبة، غير مألوفة، مبدعة على غير مثال سابق، لا وجود لها إلا في القصيدة التي تظهر فيها، ويستحيل استنتاجها أو نقلها، إذ لا نموذج لها إلا هي، وقد قصدنا بالشيء(145)، في هذا المبحث غير المكان والزمان والجسد.

إن المتأمل في الأشياء الشعري، والتي جعلناها أمثلة لتجليات كيمياء الخيال وفاعليتها، يجدها قامت من منافرات شديدة أثناء العملية الإسنادية)(146)، أو العملية التشكيلية، وبالتفاعل والتصاهر، والتحول، تتشكل جديدة، لا وجود لها إلا في ما وجدت فيه من الآثار الفنية، ولا تكون خارجها، وهي بذلك، لا نموذج لها، فعلا، إلا هي نفسها ومنها من قصيدة (لعازر عام 162) على سبيل التمثيل :

ليلاً من رماد، الظلام اليابس المركوم، رحمة ملعونة، برق يتلوى أفعوان، وهج الثمار، زورق ميت، خنجر يلهث مجنونا وأعمى، حجر الدار يغني، تغني عتبات الدار، الخمر تغني، ستار الحزن يخضر، صدري الريان، حب تصفى واختمر، سرير مارج بالموج من خمر وطيب، جنة الفلك، أشلاء من الحق، أشداق طواحين الشرر، معول نار، جنون الدخنة الحمراء، أشداق جان، دم مجنون، سيفا موروقا، جوع الأرض شلال أدغال من الفرسان، تئن الكتب الصفراء، صدى يفرش عيني، أقمار السواد، أفراس الرياح، رياح الجوع، سواقي شعرها، يرعد جوع، الضوء، مروج الخمر، الجيب السحري، عصب يصهل، الظلاتم الحجري، جوع المجامر، ظل شعاع، جبال الليل، جوع الريح، شمس الجحيم، وهج النيوب، ليل السكون، يغني صحو مرآتي، خدعة المرآة.

إن المتأمل في هذه الأشياء الشعرية، وعلى اختلافها يجدها غير "حقيقية"، وقد شكلت من منافرات عديدة أثناء العملية التشكيلية، وإنما الذي صهرها وجعلها تنتهي باختلافها إلى حال من الائتلاف والانسجام هو فاعليات كيمياء الخيال، حيث الخيال كما يقول كولوردج : "يذيب ويلاشي ويحطم لكي يخلق من جديد"(147) وإن تحول الشيء إلى كلمة فيه نوعان نسبيان، فالأول تحول لساني، به يتحول الشيء في نسبية إلى كلام(148)، وأما الثاني فتحول شعري يكون به إبداع الأشياء الشعرية كلمات، وهكذا فإننا، كما يقول "ملارمي" لا نصنع الشعر بالأفكار، وإنما بالكلمات.(149)

إن علاقة الأشياء بالكلمات، من أعقد مسائل اللغة، وكل الاطاريح التي تناولتها كانت عرضة للنقد، وعلى الرغم من خصوصية هذه العلاقة، وصعوبة إدراكها مع الإقرار إشكالها، فإنه يبدو أن العلاقة بين الأشياء والكلمات هي علاقة تحويلية، وهذا التحويل نسبي وعلى غاية من التعقيد، إذ باللغة كما يقول "جان كوهن" "يتحول الواقع إلى كلام(150)، وأما في الشعر فإنه الواقع المحول في نسبية إلى كلام يخضع إلى تحول عاتٍ، ينتهي إلى تشكيل أشياء شعرية مادتها الواقع ولكنها على غير مثال سابق.

مثلما هي الأشياء الشعرية التي جعلناها أمثلة لتجليات كيمياء الخيال في قصيدة (لعازر عام 1962).إن البحث في مادة الأشياء الشعرية وطبيعتها وتشكيلها ... ليس بالأمر الهين، إنما يتطلب من الباحث علما بها واسعا ومنهجا متكاملا به يستشرف أحوالها وغرائبها.

وهو في ذلك مثل الصيدلي عارفا بأحوال الأشياء، وقد تحولت أو ابدعت كلمات، فشكلت عالما مخيلا بديعا، على قدر كبير من الفتنة والسحر والجاذبية.

وهكذا فإن نشاط كيمياء الخيال في الشعر أو الفن عموما، في تشكيل أشياء شعرية جديدة يقربنا من دور الصيدلي أو المخبري(151) الذي يتابع بدقة التحويلات العميقة التي يجريها الشاعر على الواقع من أجل أن يشكل شيئا جديدا(152).

وهكذا، فإن المكان والزمان والجسد والأشياء الشعرية عموما، هي من تجليات كيمياء الخيال من (لعازر عام 1962).

وهي أبداع غريبة، لا بمادتها، ولكن بتشكيلها على غير مثال سابق، ولا وجود لها إلا في قصيدتها، إذ يستحيل نقلها أو استنتاجها، لأنه لا نموذج لها إلا هي، وهذا منتهى الإبداع والشعرية.

وأما فاعليات كيمياء الخيال التي شكلتها فأبرزها :

المنافرة، المفاعلة، التحول، التشكيل، الوحدة، الجدة، الغرابة، المغايرة، المشابهة، الغموض، الإيحاء، النمو، الحركة، الإيقاع، الجمال، الخلود.

إن كيمياء الخيال هي التي ميزت قصيدة (لعازر عام 1962) بالعظمة(153)، والتفرد(154).

إن القصيدة لا تقرأ قراءة تثير شعريتها، وتستوعب مكنوناتها المتوترة في مهب الدلالات اللامتناهية(155) إلا بفهم مادتها المستخلصة من الواقع في بعده التاريخي والآني، الحسي والمجرد، الحقيقي والمخيل، العام والخاص.

إن (لعازر عام 1962) لا تقرأ قراءة إيجابية إلا بإدراك تجليات "كيمياء المعرفة"(156) وفاعليتها فيها، إذ "هي ذروة ما وصلت إليه التجربة الشعرية العربية المعاصرة".(157)

وما كان ليكتسب تشكيلها الشعري خصوبة دلالية لا ينتهي إيحاؤها، لو لم يكن الشاعر خليل حاوي "يعرف كيمياء الكلمة".(158)

وأخيرا، فإذا كيمياء الخيال بتجلياتها وفاعلياتها، تبدو نهجا قويما لمقاربة التجربة الشعرية في أبعادها المختلفة والمتعددة.



الهوامش:

(1)خليل حاوي، بيادر الجوع، ط1، دار الآداب، بيروت : لبنان، 1965، ص : 35 إلى 83.

(2)عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، 1988، ص: 297، 298.

(3)عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، (د.ت)، ص : 196، 316.

(4)شكري عزيز الماضي، في نظية الأدب، ط1، دار الحداثة، بيروت : لبنان، 1986، ص : 219.

(5)نبيل راغب، التفاعل الكيميائي في الأدب، مجلة الطليعة، عدد : 4، مؤسسة الأهرام، القاهرة : مصر، 177، ص : 69، 70.

(6)المرجع السابق، ص : 69.

(7)عبد المنعم تليمة، مقدمة في نظية الأدب، دار الثقافة، القاهرة : مصر، 1976، ص : 207.

(8)أمير حلمي مطر، فلسفة الجمال، دار الثقافة، القاهرة، : مصر، 1984، ص : 203.

(9)عاطف جودة نصر، الخيال مفهوماته ووظائفه، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة : مصر، 1984، ص : 279، 282.

(10)محمد غنيمي هلال، الأدب المقارن، ط5، دار العودة، بيروت، (د.ت)، ص : 303.

(11)جهاد فاضل، قضايا الشعر الحديث، ط1، دار الشروق، بيروت : لبنان، 1984، ص : 271، 284.

(12)شاكر النابلسي، جماليات المكان في الرواية العربية، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت : لبنان، 1984، ص : 18، 328.

(13)جليل كمال الدين، الشعر العربي وروح العصر، دار العلم للملايين، بيروت : لبنان، 1964، ص : 404.

(14)102herni lemaitre, la posié depuis baudlaire paris, 1965, p

(15)آرثر رامبو، فصل في الجحيم، ترجمة : رمسيس يونان، ط1، دار التنوير، بيروت : لبنان، 1983، ص : 43، 46.

(16)سمير الحاج شاهين، رامبو، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت : لبنان، 1977، ص : 304.

(17) Charles Baudlaire, les fleurs du mal, Paris, 1972, p16

(18)نقولا سعادة، قضايا أدبية، ط1، دار مارون عبود، بيروت : لبنان، 1984، ص : 91.

(19)مصطفى ناصف، نظرية المعنى في النقد العربي، ط2، دار الأندلس، بيروت : لبنان، 1981، ص : 148.

(20)ابن الفارض، الديوان، تحقيق : كرم البستاني، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت : لبنان، 1979، ص : 101.

(21)الزوزني، شرح المعلقات السبع، ط5، مكتبة المعارف، بيروت : لبنان، 1985، ص : 37، 38، 39.

(22)لمرجع السابق، ص : 48.

(23)خليل حاوي، نهر الرماد، ط3، دار الطليعة، بيروت : لبنان، 1962، ص : 138.

(24)محمود يعقوبي، معجم الفلسفة، مطبعة البعث، قسنطينة : الجزائر، 1979، ص : 53.

(25) Florence Begel, la philosophie de lartm ed.Meme sevil, Paris, 1998, p20

(26)لمتنبي، الديوان، شرح ناصيف اليازجي، ط2، دار القلم، بيروت : لبنان (د.ت)، ص : 509.

(27)نيبل راغب، التفاعل الكيميائي في الأدب، مجلة الطليعة، المرجع السابق، ص : 70.

(28)نعام تشومسكي، اللغة والمشكلات المعرفة : حمزة بن قبلان المزيني، ط1، دار توبقال، الدار البيضاء : المغرب، 1990، ص : 117.

(29)المرجع نفسه، ص : 43.

(30)المرجع نفسه، ص : 159.

(31)أميره حلمي مطر، فلسفة الجمال، المرجع السابق، ص : 203.

(32)محي الدين صبحي، نظرية النقد العربي وتطورها إلى عصرنا، الدار العربية للكتاب، ليبيا، تونس، 1984، ص : 148.

-سامي سويدان، جسور الحداثة المعلقة، ط1، دار الآداب، بيروت : لبنان، 1997، ص : 71.

(33)يوحنا، الإنجيل، الإصحاح : 11، الآية : 1 إلى 43.

(34)عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، المرجع السابق، ص : 236.

(35)المرجع نفسه، ص : 132.

(36)إيليا حاوي، خليل حاوي، ط1، ج1، دار الثقافة، بيروت : لبنان، 1984، ص : 134.

-ساسين عساف، حديث مع الشاعر خليل حاوي، مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد : 26، 1983، ص : 101.

(37)محي الدين صبحي، نظرية النقد العربي وتطورها إلى عصرنا، المرجع السابق، ص : 148.

(38)أبراهيم رماني، الغموض في الشعر العربي الحديث، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1991، ص : 278، 279.

(39)سامي سويدان، جسور الحداثة المعلقة، المرجع السابق، ص : 88 وما بعدها.

(40)خليل حاوي، بيادر الجوع، المرجع السابق، ص : 38.

(41)خليل حاوي، بيادر الجوع، المرجع السابق، ص : 38.

(42)جان كوهين، بنية اللغة الشعرية، ترجمة محمد الولي ومحمد العمري، دار توبقال، الدار البيضاء : المغرب، (د.ت)، ص : 104، 110، وما يعدها.

(43)محمود يقوبي، معجم الفلسفة، المرجع السابق، ص : 121.

-dictionnaire de la langue francaise, ed hachette, paris, 1990, p380

(44)محي الدين صبحي، نظرية النقد العربي وتطورها إلى عصرنا، المرجع السابق، ص : 148.

(45)خليل حاوي، بيادر الجوع، المرجع السابق، ص: 38.

(46)المرجع نفسه، ص : 43.

(47)المرجع نفسه، ص : 82.

(48)المرجع نفسه، ص : 38.

(49)عبد الله محمد الغذامي، المشاكلة والاختلاف، ط1، دار بوتقال، الدار البيضاء : المغرب، 1994، ص : 117.

(50)عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، المرجع السابق، ص : 132.

(51) gaston bachelard, la poétique de la poétique de lespace, p.u.f, 12 ed, paris, 1984, p 183.

(52)محمود يعقوبي، معجم الفلسفة، المرجع السابق، ص : 23.

(53)عبد الملك مرتاض، في نظرية الرواية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الصفاء، الكويت 1998، ص : 151، 152.

(54)المرجع نفسه، ص : 152.

(55)مصطفى ناصف، نظرية المعنى في النقد العربي، ط1، دار الأندلس، بيروت : لبنان، 1981، ص : 148.

(56)خليل كمال الدين، الشعر العربي الحديث وروح العصر، المرجع السابق، ص : 404.

-عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر، ط3، دار العودة، بيروت : لبنان، 1981، ص : 48 إلى 53.

(57)شاكر النابلسي، جماليات المكان في الرواية العربية، المرجع السابق، ص : 18.

(58)خليل حاوي، بيادر الجوع، المرجع السابق، ص: 41.

(59)خليل حاوي، بيادر الجوع، المرجع السابق، ص: 41.

(60)رولان بارط، درس السيميولوجيا، ت : عبد السلام بن عبد العالي، ط2، دار توبقال، الدار البيضاء : المغرب، 1986، ص: 27.

(61)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 43.

(62)أرسططاليس، فن الشعر، ت : عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت : لبنان، (د.ت)، ص : 12.

(63)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 44.

(64)عبد الله محمد الغذامي، المشاكلة والاختلاف، ص: 117، 119.

(65)عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، ص: 398.

شكري عزيز الماضي، في نظرية الأدب، ص: 219.

(66)جان كوهين، بنية اللغة الشعرية، ص : 37.

(67)مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، ج1، ط2، دار المعارف، القاهرة : مصر، (د.ت).

(68)دار الشروق، المنجد في اللغة والأعلام، ط28، المكتبة الشرقية، بيروت : لبنان، 1986، ص : 776.

(69)عاطف جودة نصر، الخيال مفهوماته ووظائفه، ص : 279، 282.

(70)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 43.

(71)خليل حاوي، بيادرالجوع، ص : 44، 45، 46.

(72)محي الدين صبحي، نظرية النقد العربي وتطورها إلى عصر، ص : 148.

(73)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 47.

(74)خليل حاوي بيادر الجوع، ص : 38.

(75)المرجع نفسه، ص : 82.

(76)المرجع نفسه، ص 39.

(77)المرجع نفسه، ص : 81، 82.

(78)غستاف لانسون، منهج البحث في تاريخ الآداب، النقد المنهجي عند العب، لمحمد مندور، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة: مصر، ص: 408.

(79)تامر سلوم، نظرية اللغة والجمال في النقد العربي، ط1، دار الحوار اللاذقية، سورية، 1983، ص : 273. وما بعدها.

(80)عبد الملك مرتاض أ. ي دراسة سيميائية لقصيدة "أين ليلاي" لمحمد العيد (د.م.ج) بن عكنون: الجزائر، 1992، ص : 119، 121 وما بعدها.

-عبد الملك مرتاض، تحليل الخطاب السردي (د.م.ج) بن عكنون : الجزائر، 1995، ص: 228.

-عبد الملك مرتاض، في نظرية الرواية، ص: 221.

(81)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 35.

(82)محي الدين صبحي، نظرية النقد العربي وتطورها إلى عصرنا، ص : 147.

(83)يوحنا، الإنجيل، الإصحاح : 11، الآية : 1 إلى 43، والإصحاح : 12، الآية : 1 إلى 2.

(84)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 38، 39.

-إبراهيم رماني، الغموض في الشعر العربي الحديث، ص : 279.

-محي الدين صبحي، نظرية العربي النقد العربي وتطورها إلى عصرنا، ص : 147، 148.

(85)عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، ص : 298.

(86)عبد الملك مرتاض، أ. ي دراسة سيميائية تفكيكية، ص : 121 وما بعدها.

(87)محمد غنيمي هلال، الأدب المقارن، ص 303..

(88)جيلبير دروان، الأنتروبولوجيا رموزها أساطيرها أنساقها، ترجمة مصباح الصمد، ط1، 1991، ص : 58.

(89)محمد غنيمي هلال، الأدب المقارن، ص : 303.

(90)ريتا عوض، خليل حاوي، المرجع السابق، ص: 66.

(91)يوحنا، الإنجيل، الإصحاح : 11، الآية : 1 إلى 44.

(92)(خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 38، 47، 50، 60، 71.

(93)المرجع نفسه، ص : 38، 75.

(94)المرجع نفسه، ص : 71، 72.

(95)المرجع نفسه، ص : 73.

(96)المرجع نفسه، ص : 54، 55.

(97)المرجع نفسه، ص 68، 70.

(98)المرجع نفسه، ص : 53.

(99)المرجع نفسه، ص : 51، 56، 57.

(100)المرجع نفسه، ص : 50، 53، 58، 83.

(101)المرجع نفسه، ص : 49.

(102)المرجع نفسه، ص : 75.

(103)المرجع نفسه، ص : 75.

(104)المرجع نفسه، ص : 71.

(105)المرجع نفسه، ص : 71.

(106)المرجع نفسه، ص : 65، 66.

-مطاع صفدي، الشعر : الكون والفساد، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد : 26، (عدد خاص بخليل حاوي) 1983، ص : 17.

(107)ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 67.

-إبراهيم رماني، الغموض في الشعر العربي الحديث، ص : 278، 279.

-محي الدين صبحي، نظرية النقد العربي وتطورها إلى عصرنا، ص : 148.

-آمنة بعلى، أبجدية القراءة النقدية، (د.م.ج) بن عكنون : الجزائر، 1995، ص : 76.

(108)محي الدين صبحي، نظرية النقد العربي وتطورها إلى عصرنا، ص : 148.

(109)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 38، 39، 41، 43، 47.

(110)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 38، 39، 41، 43، 47.

(111)رجاء النفاش، ماساة لبنان ومأساة الشاعر المنتحر، مجلة الدوحة، العدد : 80، سنة 1982، ص : 11

.وجيه فانوس، خليل حاوي، أستاذا، مجلة الفكر العربي المعاصر، ص : 116.

-مطاع صفدي، الشعر : الكون والفساد، مجلة الفكر العربي المعاصر، ص : 17.

(112)ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 21.

-مطاع صفدي، الشعر : الكون والفساد، مجلة الفكر العربي المعاصر، ص 17.

(113)محمد بنيس، ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب، دار العودة، ط1، بيروت : لبنان، 1979، ص : 253.

-إبراهيم رماني، ظاهرة الغموض في الشعر العربي الحديث، ص : 347، 348.

-آمنة بعلي، أبجدية القراءة النقدية، ص 44.

(114)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 38، 39، 48، 51، 53، 54، 58، 66، 80، 81.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 69.

(115)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 49.

(116)المرجع نفسه، ص : 49، 50، 53، 58، 83.

(117)المرجع نفسه، ص 54.

(118)سامي سويدان جسور الحداثة المعلقة، ط1، دار الآداب، بيروت : لبنان، 1997، ص : 98.

(119)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 59، 60، 61، 74، 75، 76، 77.

-سامي سويدان جسور الحداثة المعلقة، ص : 101، 102.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 70.

(120)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 59، 60، 61، 62، 63، 80.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 70، 71.

-سامي سويدان جسور الحداة المعلقة، ص : 102.

(121)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 64، 65، 66، 67، 68.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 70.

(122)يوحنا الإنجيل، الإصحاح : 12، الآية : 1إلى 3.

(123)سامي، سويدان، جسور الحداثة المعلقة، ص : 105، 106.

(124)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص: 64، 65، 66، 67، 68، 76، 107.

-سامي سويدان ـ جسور الحداثة، ص: 104، 105.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص: 70.

(125)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص: 76.

(126)المرجع نفسه، ص: 71.

(127)المرجع نفسه، ص: 70.

(128)المرجع نفسه، ص: 79، 80.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص: 71.

(129)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص 76.

(130)المرجع نفسه، ص: 80، 81.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص: 71، 72.

(131)خليل حاوي، بيادرن ص: 81.

(132)خليل حاوي، بيادرن ص: 81.

(133)خليل حاوي، بيادر الجور، ص : 72.

(134)خليل حاوي، نظرية الخلق من عدم، خليل حاوي لإيليا حاوي، ج2، ج1، دار الثقافة، بيروت : لبنان،

(135)1984، ص : 124.

(136)خليل حاوي، بيادر الجور، ص : 82.

(137)ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 72.

-التورات، التكوين، الإصحاح : 3 ، الآية : 1 إلى 23.

(138)ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 72,

-التورات، التكوين، الإصحاح : 3 ، الآية : 1 إلى 23.

(139)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 82.

(140)المرجع نفسه، ص : 59، 60، 61، 63، 74، 75، 77.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 70، 71.

(141)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 64، 65، 67، 76.

-سامي سويدان، حديث مع الدكتور نسيب همام حول خليل حاوي، مجلة الفكر العربي المعاصر، ص : 107.

(142)عبد القادر الجرجاني، أسرار البلاغة، ص: 297، 298.

(143)جان كوهن، بنية اللغة الشعرية، ترجمة: محمد الولي ومحمد العمري، ص: 104، 110.

-سامي سويدانـ جسور المعلقة، ص: 103.

(144)عبد القاهر الجرجانين أسرار البلاغة، ص: 132.

(145)عبد المنعم تليمة، مقدمة في نظرية الأدب، ص: 207.

(146)للتوسع في فهم اصطلاح الشيء معجميا يراجع:

-ابن منظور، لسان العرب، ج1، دار صادر، بيروت : لبنان، 1968، ص : 104.

-مجمع اللغة العربية، المعجم البسيط، ج1، ط2، دار المعارف، القاهرة : مصر، (د.ت)، ص : 502.

-Dictionnaire de la langue française, ed hachette, Paris, 1990, p 247/

(147)جان كوهين، بنية اللغة الشعرية، ص : 104 وما بعدها.

(148)شكري عزيز الماضي، في نظرية الأدب، ص : 219.

(149)جان كوهن، بنية اللغة الشعرية، ص 32، 33.

(150)المرجع نفسه، ص : 41.

(151)المرجع نفسه، ص 37.

(152)Gaston Bachelard, la poétique de l'espace, 12 ed, p.u.f, Paris, 1984, p 146, 147.

(153)عبد المنعم تليمة، مقدمة في نظرية الأدب، ص : 207.

(154)ريتا عوض، خليل حاوي، ص: 72.

(155)مطاع صفدي، الشعر: الكون والفساد، مجلة الفكر العربي المعاصر، ص :14.

(156)ريتا عوض، خليل حاوي، ص: 73.

(157)إبراهيم رماني، الغموض في الشعر الحديث، ص 384.

(158)ريتا عوض، خليل حاوي، ص: 72.

(159)خليل كمال الدين، الشعر العربي الحديث وروح العصر، ص: 404.1979.





-- ------------------------------------------------------------------------------

(*)أستاذ بجامعة عنابة.

imported_bayan
04-12-2006, 04:30 AM
وعليه، يبدو أن كيمياء الخيال هي من أنشطة العقل /الدماغ(29)، حيث يقوم الدماغ الإنساني بعمليات تحويلية هائلة (مازالت مجهولة وافتراضية)(30)، وهو أشبه ما يكون بالمحول الكهربائي الضخم في ما ينتج كما يقول إرنست كاسيرر(31)، إلا أن المحول الكهربائي ينشط في المادة الحسية، وأما الدماغ الإنساني فينشط في الدلالة، أو في المادة المحولة إلى دلالة، ويتجلى نشاطه في الدلالة المحولة إلى الكلمة وبالكلمة كان النطق فكان الإنسان.

والحقيقة إن عرض الأمثلة لكمياء الخيال في الشعر لا ينتهين والمؤكد أن الأمر جاد، ويدعو إلى التأمل فيه، من أجل نتائج أكثر علمية، ولأنها تتصل بالتجربة الفنية ومنها الشعرية وما يتعلق بها، تبدو هامة، بل تتعداها إلى آفاق الاطلاع على أسرار الإنتاج الدماغي في كل حقول المعرفة الإنسانية، وكيفية عمله والمنظومة العضوية للنطق أو التعبير عموما.

ولقد اخترنا، للكشف عن كيمياء الخيال من حيث التجلي والفاعلية، أن يكون البحث في (لعازر عام 1962).

تتشكل (لعازر عام 1962) من سبعة عشرة مقطعا شعريا نقاربها في أجزاء منها للكشف عن بعض تجليات كيمياءالخيال وفاعلياتها فيها.

وبدءا بعنوان (لعازر عام 1962)، فإننا أمام مناقضة(32) غربية وهائلة، أن لعازر حبيب يسوع كان قد عاش، قديما، في زمن يسوع(33)، ومات قديما، وأما ظهوره عام 1962، فهذا مالا يدعيه التايخ، بل يرده.

وبالتالي فإن من منظور العقل وأحكامه خرافة باطلة، يسفه، وببساطة يصفه بالكذب، ومسألة "الكذب" في نقد الشعر العربي وقد قننت في مقولة : "خير الشعر أكذبه"(34) علامة بارزة مروجي هذا الزعم لأسرار الشعرية، وكيفية اعتمال الحقيقي والمخيل في الشعر، بل هو عجز عن التوغل في الشعر لامتحاح بعضا من المألوف في أمشاج الغربة.

إن هذه المفارقة (لعازر عام 1962)، والتي تغذيها منافرات عديدة، وذلك من إحلال الماضي البعيد في الحاضر أو المستقبل، أو العكس، لا تدخل في منطق المعقول، وإنما هي تجليات المخيل، ولا يمكن إدراك فاعلياتها، بل لا يمكن إدراك الانسجام في هذه المناقضة والصادر عن شدة الاختلاف فيها(35)، إلا إذا خبرنا نشاط كيمياء الخيال والتي تهب بخلق وتأتي بخلق، حينئذ يمكن تحليل هذه المناقصة تحليلا يراعي الواقع الخصيب الكثيف في أحواله الثلاثة المتداخلة والمتفاعلة وهي: حال الحس، حال التجريد، حال التخيل، لامتحاح المعقول من المتخيل أو المخيل منها أو العكس.

اعتنق خليل خاوي القومية العربية بعدما أيقن استحالة فينقة الشام، إن كان دعاة الفينة، وبعد أن استبطن الواقع، آمن بأن أدرك عروبته وصل إلى لبانيته، ومن يعمق في لبانيته أدرك عروبته، فصار عروبيا قل أمثاله.

وقد أرى، بعد أن انفصل عن "الحزب القومي السوري"(36)، مثل غيره أن الوحدة بين مصر وسورية سنة 1958 هي نواة الوحدة العربية المنشودة، وفاتحة الانبعاث العربي الشامل، إلا أنه لم تدم طويلا، وجاء عام 1962 يحمل للعرب انفصال سورية عن مصر، وعاد كل شيء في الواقع العربي المجزا إلى ما كان عليه، وتبين أن ما تراءى انبعاثا كان كاذبا(37) وحداثة مشوهة(38). وماتت الوحدة العربية في ميلادها، فأوحى هذا الحديث الرهيب للشاعر بحادثة بعث يسوع حبيبه لعازر، إن عاد لعازر يسوع، قديما، من الموت إلى الحياة سليما، إلا أن لعازر حاوي عندما جاءه يسوع ليبعثه من الموت عام 1962 رفض بعثه إلى حياة أقسى على الحي من القبر على الميت، وتلك هي المفارقة التي تهج شعرية تشكيل القصيدة عموما وما ينجم عنها.

ولما أرغم على بعث(39) ليس نابعا لعازر عاد إلى الحياة ميتا إذ هو "الحياة والموت في الحياة".(40)

إن لعازر حاوي لا يرغب في بعث إلى حياة فاسدة، وكيف يبعث إلى واقع كان قد فضل الموت عليه، وهو ما يزال مستمرا في فساده، ولك ما جدوى بعث ميت، كان قد اختار الموت اختيار ؟ إن لم يكن فيه انبعاثا متفجر من أعماق ذاته(41) إلى حياة أفضل من تلك التي فضل الموت عليها، ولما كانت الحياة التي أرغم على البعث فيها هي التي فضل عليها الموت لفسادها، لك ظل لعازر حاوي يرغب في الموت، فعاد إلى الحياة ميتا، إنه الحي الميت في الحياة.

ومن هذا الحي الميت (لعازر حاوي)، ندرك كيمياء الخيال في هذا الإنسان الغريب (الحي الميت)، كما ندركها أيضا من تشكيلة الناهض من وجود منافرة(42) شديدة فيه، من تماشج الحياة والموت فيه، وقد أدت هذه المنافرة فيه إلى التفاعل ومنها كان تحويل الحي والميت إلى إنسان حي ميت، يسكن داره مع زوجه، ويتجول في المدينة، ويتحرك بشوارعها مثله مثل الأحياء.

إن التجاسد بين الحي (لعازر يسوع) والميت قد شكل (لعازر حاوي)، ذلك الحي الميت. ومن هذه الصيرورة (43)le devenir بمتتالياتها، ندرك كيمياء الخيال من تجليها (لعازر حاوي)، ومن فاعليتها وهي التي كان بها (لعازر حاوي)، ومنها المنافرة، المفاعلة، التحول، الوحدة ...

وهكذا تتراءى لخليل حاوي، في تلك المرحلة القاسية من تاريخ العرب، أن موت العربي أفضل له من حياته المتحركة من فساد إلى فساد(44)، وفي هذا الواقع المأسوي خيل خليل حاوي الإنسان العربي في لعازر الرافض للبعث، وقد مر تاريخنا على بعث لعازر يسوع-كما يقول الإنجيل- سنة 1962، أكثر من 1900 سنة.

كما خيل الشاعر واقع الإنسان العربي في قبر لعازر حاوي مثلما خيل "حياة"(45) العربي في زوجه لعازر حاوي الذي أعداها ب "شهوة الموت"(46)، وجعلها على صورته، ثم شدها إلى مصيره، إلى أن أصبحت مثله تمجد الموت، واصابها لتحول مثله فأمست "أفعى عتيقة"(47)، وسكن الاثنان مسخا لمسخ في الوطن القبر، يلتذان : "الحياة والموت في الحياة"(48).

وهكذا فبتخيل الشاعر الخصيب، والذي أذاب ولا شى، وحطم –كما يقول كولوردج- ثم شكل ما أراد وكيفما شاء، كان انبثاق عالم مخيل جديد رهيب، مرعب مخوف، بملامح غريبة لا تنتهي، بتعدد القراءات والقراء، دلالته.

ويبدو أن الشاعر حين شكل عالم القصيدة الفاسد، بالمفاعلة بين الماضي والحاضر في أبرز عناصر هما وهي : المكان والزمان والإنسان والحيوان والأشياء على الجملة، كان يسعى إلى الكشف عن تشوه الإنسان العربي وتعطل عوامل التمكن والعطاء فيه، كما كان يسعى إلى إجلاء فساد واقعة ووخم حياته، وبوار حضارته في العصر الحديث.

وهكذا نشطت من "تخييل الواقع"(49) مفاعلة واسعة بين الأشياء المتنافرة: الأمكنة، الأزمنة، الأجساد أو الأشياء على الجملة، فنجم من هذه المفاعلة، ذات المنافرات الشديدة بين مفردات الواقع، تشكيل شعري، هو عالم القصيدة الغريب، فيه كما يقول عبد القاهر الجرجاني في حديثه عن التشبيه: "شدة ائتلاف في شدة اختلاف".(50)

هذا إذن حديث مجمل عن عالم القصيدة. وأما تفصيله فيكون بالوقوف على تتبع تجليات كيمياء الخيال وفاعليتها، في أربع ظاهرات كبرى بها يكون تشكيل القصيدة.

1-المكان الشعري

2-الزمان الشعري

3-الجسد الشعري

4-الشيء الشعري

1-كيمياء الخيال من المكان الشعري:

المكان الشعري(51) مبدع مثله مثل المكان الأسطوري أو الخرافي ... ويشملهم جميعا المكان الخيالي، والذي يشكله بدعا على غير مثال سابق(52)، من مادة غنية بتنوع مصادرها واختلافها(53) "بحيث قد يستحيل إلى كائن يعي ويعقل، ويضر، وينفع، ويسمع، وينطق(54)، إذ لكي يتشكل فإنه يمتص من ظاهرات الشهادة والغيب، فيغدو ما امتص من ملامحه، وهكذا ينبثق المكان الشعري من نشاط اللغة ذات الفعل الكيميائي الخيالي(55) التشكيلي(56)، وهو "من أرقى الأمكنة، وجمالياته من أفضل جماليات الأمكنة، لأنها تتم عبر كيمياء المكان المدهشة(57)، وبتشكيله المؤلف المختلف يغنى ويغرب، فيتجاوز به المكان الجغرافي فتنة واكتنازا دلاليا.

ومن تجلياته في قصيدة (لعازر عام 1962) قبر لعازر حاوي الشعري، إذ يقول لعازر حاوي من المقطع الشعري الأول وعنوانه (حفرة بلا قاع) :(58)

"عمق الحفرة يا حفار

عمقها لقاع لا قرار

يرتمي خلف مدار الشمس

ليلا من رماد

وبقايا نجمة مدفونة خلف المدار"(59)

إن القبور التي تعرف لها قاع، وكل حفرة مما هو معقول تنتهي به، أما وأن نقرأ من العنوان –مثلا- (حفرة بلا قاع) فهذا من الخيال، وشعرية هذه الحفرة، من خرقها أصول المنطق وقواعد العقل، وجاوزت بذلك المعهود، واتسعت وعمقت إلى حيث ينتهي العقل إذ يبدأ التخييل، وتتجلى كيمياء الخيال منها في التفاعل بين المعقول المحدود (الحفرة)، والمخيل المطلق (بلا قاع) وهذه المنافرة بين المعقول والمخيل فيها، هي التي أوهجت شعريتها، وجعلتها بدعا يغلو في القيمة ويعلو على غير مثال سابق.

وبمواصلة القراءة التجوال(60)، تنكشف ملامح أخرى من القبر الشعري للعازر حاوي، وفيه من القسوة والشدة ما يرعب، وقد تشكل من عناصر مضادة للحياة، دالة على الموت والعدم، يقول لعازر لحفار هذا القبر:

«لف جسمي، لفه، حنطه، واطمره

بكلس مالح، صخر من الكبريت

فحم حجري(61)

إن هذا القبر الشعري بقدر ما هو مخوف مرعب، فهو جميل بتشكيل قبحه "والشاهد على هذا، ما يجري في الواقع : فالكائنات التي تقتحمها العين، حينما تراها في الطبيعة، تلها مشاهدتها مصورة إذا أحكم تصويرها، مثل صور الحيوانات الخسيسة والجيف".(62)

وفي المقطع الشعري الثاني، نلحظ تجلي كيمياء الخيال من عنوانه (رحمة ملعونة)، فإذا كانت الرحمة هي الخير واللين ورقة القلب، والعطف والمغفرة والإحسان ... و (ملعونة) من اللعنة وهي السخط والعذاب، فكيف إن تكون الرحمة ملعونة ؟ إنها حال خاصة أحس بها لعازر حاوي عام 1962 عندما جاءه يسوع ليبعثه إلى واقع فاسد، وهي قريبة من حال الإنسان العربي الذي أغري بوهم انبعاث وحدة عربية باطلة، وبالتالي فإن لعازر حاوي هو تخييل الإنسان العربي، إذ فيه من ملامح خليل حاوي نفسه، وها هو "تخييل الواقع" لدى الغذامي.

وندرك كيمياء الخيال من التجاسد بين لعازر يسوع والإنسان العربي عموما، ومن ذلك التجاسد تشكل لعازر حاوي.

وأما المكان الشعري من المقطع الشعري الثاني فمثاله القبر الشعري للعازر، وقد انطبق عليه إذ يقول :

"صلوات الحب والفصح المغنى

في دموعي الناصري

أترى تبعث ميتا

حجرته شهوة الموت،

ترى هل تستطيع

أن تزيح الصخر عني

والظلام اليابس عني

في القبر اليابس المركوم

في القبر المنيع ..."(63)

إنه القبر الشعري من الداخل، وهو غريب بتشكيله الذي أوجدته كيمياء الخيال، إذ جعلته بصفات لا توجد في القبور الحقيقية، حيث إن لعازر لا يموت فيه ولا يحي، إنه الميت الحي، فيه يحيا، يتكلم، يعي، ويحكي، ثم يدري أن يسوع واقف خارج القبر، وهو يطلب من الرب بعثه، وبالتالي فهذا القبر يخالف بقدر ما يشابه القبور المعهودة، إنه قبر لكنه غير قاتل عندما ينطبق، ثم إن الذي فيه ميت حي، أو حي ميت، وهذه مناقضة مفارقة، وهذا أمر منبثق من "تخييل الواقع".(64)

كما نتبين كيمياء الخيال من ظلام القبر، فهو يابس مركوم تراكب بعضه على بعض متكاوسا، وهذه حال ليس من طبيعة الظلام المألوف، وإنما هي حال ظلام قبر لعازر حاوي، وقد امتص ملامح المادة الجامدة، فاستحال إلى ظلام غريب، وذلك بتفاعل ظاهرة لا مادية (الظلام) مع ما هو مادي جامد (اليابس المركوم). فتشكل من هذه المفاعلة ظلام على غير مثال سابق، لا عهد لنا به.

إن هذه المفاعلة، إذن، نشطتها كيمياء الخيال، والتي في الشعر، تفعل في الدلالة اللسانية دون المادة الموضوعية(65)، أو تفعل في الأشياء وقد تحولت إلى كلمات "والذي ينبغي قوله هو أن الأشياء ليست شعرية إلا بالقوة، ولا تصبح شعرية بالفعل إلا بفضل اللغة، فبمجرد ما يتحول الواقع إلى كلام يضع مصيره الجمالي بين يدي اللغة(66). فتصيبه فاعليات كيمياء الخيال، وقد تحول إلى لسان فيتبدل.(67)

كما يكسب قبر لعازر حاوي، بفعل كيمياء الخيال ملامح أخرى ليست من صفات القبور، إذ يبدو به لعازر حاوي في راحة كبرى، وقد خلصه من فساد الحياة، ومنعه. ويتجلى ذلك من وصف قبره بالمنيع، والمنيع هو العزيز الشديد الذي يتعذر الوصول إليه.

ومن العادة والمألوف أن القبر لا يرقى إلى صفة "المنيع"، وإنما يكون القصر، مثلا، أحق بها منه، لما هيء له من وسائل المنعة.(68)

وهكذا، فعندما صرف القبر فساد الحياة عن لعازر حاوي وصده عنه، صار يراه قصيرا يحميه من الحياة الفاسدة المفسدة، فانبثق تشكيل غريب من مماهات الشاعر بين القبر والقصر بما لكمياء الخيال من فاعليات نشطة، إذ من صهارة القبر والقر، كما هما في الواقع، تشكل قبر لعازر حاوي المنيع، على غير مثال سابق، فهو قبر بملامح القصر.

إن غرابة قبر لعازر حاوي ليس من مادته، إذ هي مما يقع على الحس (القبر، القصر)، وإنما هي من تشكيله، والذي أصبح به موجودا ثالثا في القصيدة لا هو القبر ولا القصر، كما هما في الواقع، وبهذا التفاعل والتحول ثم التشكيل تهج شعريته من المنافرات العديدة والتي بالصهر الشعري تتحول إلى تشكيل فيه شدة ائتلاف في شدة اختلاف، وهذا من فعل كيمياء الخيال المدهشة، والذي كما يقول محي الدين بن العربي أنه يذهب خلق ويأتي بخلق، ويريك ما لا عين رأت.(69)

وبهذا نكون قد تبينا بعضا من داخل القبر الشعري، وفيه لعازر حاوي وقد (حجرته شهوة(70) الموت) وهو بديل من واقع فاسد. فكيف يكون المكان الشعري خارج قبر لعازر حاوي.

إن استمرار لعازر حاوي في حكايته أحواله، وفي كشف عن واقعة، يفتح التشكيل الشعري عن خارج القبر، فيتجلى المكان الشعري منه مرعبا قاتلا، خرابا، موبوءا، تتناوب عليه النار والعتمة، وهو يعلك البشر ويطحنها طحينا حيث يقول :

"كيف يحييني ليجلو

عتمة غصت بها أختي الحزينة

جون أن يمسح عن جفني

حمى الرعب والرؤيا اللعينة :

لم يزل ما كان من قبل وكان

برقا فوق رأسي يتلوى أفعوان

شارع تعبره الغول

وقطعات الكهوف المعتمة

مارد هشم وجه الشمس

عرى زهوها عن جمجمه

عتمه تنزف من وهج الثمار

الجماهير التي يعلكها دولاب نار

وتموت النار في العتمة

والعتمة تنحل لنار"(71)

هذا هو المكان الشعري خارج القبر فاسد، قاتل، قد دفع لعازر حاوي أن يحتمي منه القبر المنيع، بل هو الجحيم تتلظى، إذ السماء تمزقها البروق المتفعية، وشوارع المدن تعبرها الغيلان، وقطعان من مسوخ الكهوف تجوس هنا وهناك، وأما الشمس فقد هشم وجهها المردة العتاة، فانطفأ ضياؤها، وزال حسنها، ولم يبق منها إلا عظام مشوهة، وحتى ما ينبت المكان أصبح ينزف بالظلام، وقد نصبت دواليب نار تدور عالكة البشر في النار التي يعقبها ظلام ينتهي باتقاد النار مجددا، وهكذا يتناوبان تعذيب الإنسان.

ولذلك فضل لعازر حاوي سكون القبر على ضجيج خارجه، وقد بدا له داخل القبر المنيع، لأنه خارجه هو الجحيم، وكيف يقبل إنسان أن يبعث من الجنة إلى النار ؟

إننا نكتشف من الملامح البارزة لهذا المكان الشعري، امتصاصه من الغيب ملامح جهنم، كما امتص من الشهادة ملامح المكان العربي(72) ... ومن هذه المنافرة فيه، والناجمة من الاختلاف بين المكانين الغيبي والشهادي، كان التفاعل بينهما، فتحولا بالتصاهر إلى مكان شعري مرعب، بقدر ماهو جميل تشكيله.

إن هذا المكان الشعري قد تشكل باعتمال فاعليات كيمياء الخيال ونشاطها في اللسانية المحولة من الحسي والمجرد والمخيل، فكان بدعا جديدا على غير مثال سابق، إنما هو نموذج ذاته، غير مقلد ولا يستنسخ، لا نموذج له إلا هو، وهذا هو الإبداع، ولن يكون هذا المكان الشعري إلا في نص قصيدته (لعازر عام 1962).

ويطول بنا الحديث عن أحوال المكان الشعري وتجلياته من هذه القصيدة الكبرى. والمهم أنه لما بعث لعازر حاوي من قبل يسوع عام 1962 بلا رغبة، ودون أن يوفر له أسباب البعث وشروطه، عاد لعازر حاوي حيا ميتا في الحياة، عاد مسخا إلى مكان شعري فاسد، قاتل، موات إذ يقول :

"عبثا تلقي ستارا أرجواني

على الرؤيا اللعينه

وبكت نفسي الحزينه

كنت ميتًا باردًا يعبر

أسواق المدينه

الجماهير التي يعلكها دولاب نار

من أنا حتى أرد النار عنها والدوار

عمق الحفرة يا حفار،

عمقها لقاع لا قرار"(73)

وهكذا يستمر المكان الشعري يتشكل من مقطع شعري إلى آخر بملامح غريبة، مختلفة خصيبة معقدة، بفعل كيمياء الخيال، ويظل لعازر حاوي حيا ميتا يمارس أبشع العذاب على زوجته، ولطالما ترجته أن يستقيم، فيعود إلى سواء الفطرة، إلا أنه لزم موقفه وهو : "الحياة والموت في الحياة"(74)، بل أعدى زوجته بشهوة الموت، ثم جرفها إلى مصيره فتحولت – وهي في كمال الاستواء- إلى (أفعى عتيقة)(75)، فارتدت عليه بالناب والمخالب(76) مسخا لمسخ حيث تقول :

حلوة سمرا رشيقة

"خدعة المرآة، رباه، وتمويه العيون

إن لي جسمًا

تمحيه وتبنيه الظنون

أنطوي في حفرتي

أفعى عتيقة

تنسج القمصان

من أبخرة الكبريت، من وهج النيوب

لحبيب عاد من حفرته

ميتا كئيب

لحبيب ينزف الكبريت

مسود اللهيب(77)

وقد تشكل المكان الشعري، للمشهد الأخير، من مادة بالغة التنوع والاختلاف، ومنها تخيل دار لعازر حاوي وزوجته في حفرة الأفعى، بعد أن مسخت الزوجة "أفعى عتيقة" ومسخ لعازر حاوي حيا ميتًا في الحياة.

ومن بدائع كيمياء الخيال أن زوجة لعازر حاوي على الرغم من أنها تفعت، إلا أنها تعي، وتحكي حالها، وتدرك مسخها، ومسخ زوجها، لكنها لا تقوى علىتخليصه أو التخلص مما يعانيان.

وهكذا فبالتفاعل بين المتنافرات، مثل دار البشر وحفرة الأفاعي، وبتصاهرهما تحولا إلى حفرة غربية، حفرة شعرية، تتماهى فيها متكاملة ملامح دار البشر وحفر الأفاعي يسكنها مسخان، هما لعازر حاوي وزوجته المتفعية.

إن الذي شكل هذا المكان الشعري المستغرب هو فعل متتاليات كيمياء الخيال، ومن فاعلياتها، المنافرة، المفاعلة، التحول، التشكل، وغيرها ...

تلك، هي، إذن، بعض أحياز المكان الشعري والتي كشفنا عنها في قصيدة (لعازر عام 1962)، ويبقى الكثير منها يحتاج إلى تأمل وروية وجهد أكبر، ووقت أطول.

2-كيمياء الخيال من الزمان الشعري:

إن اقتراحنا مفهوم كيمياء الخيال لمقاربة تشكيل القصيدة، لا نعني به أبدا، أننا نتوسل لذلك قواعد ومعادلات الكيمياء الطبيعية، إذ أننا لم نقصد بهذا المفهوم، الأصيل في الفن، تلك الإجراءت العلمية الصرف، وما فكرنا فيها، ولا يحب، وإنما نطمح بذلك المفهوم إلى تبني الروح الكيميائية، عند تأمل الأثر الفني، لأنه من طبيعة كيميائية خيالية، مثلما دعا "غستاف لانسون" لتبني الروح العلمية في الأدب لا قواعد العلم.(78)

إن الدعوة إلى فهم الشعر ونقده من منظور كيمياء الخيال، تبدو هامة، لأنها طريق نهج، له غابات علمية، مثل : معرفة خصائص ومميزات تلك التفاعلات الغربية التي تقدحها الكلمات حينما ترتبط ببعضها بكيفيات لا عهد للغة بها، ثم ما ينجم من تأثيرات متبادلة في الدلالات، وما يطرأ عليها من تحولات.(79)

وهذا التوجه في فهم التشكيل الشعري من طبيعة الكيميائية الخيالية من حيث تجالياتها وفاعلياتها، يقود إلى مقاربة الزمن الشعري منه من خلال قصيدة (لعازر عام 1962).

ولا نتوسع في تتبع تجليات الزمن الشعري من تشكيل القصيدة، إذ يكفي لبيان ذلك تجل واحد، نقف فيه على نشاط كيمياء الخيال في تشكيل الزمن الشعري، ومثال ذلك الزمنية الشعرية(80) من العنوان (لعازر عام 1962)(81).

إن زمنية العنوان من منظور العقل كاذبة باطلة، أو هي على الأقل، مضللة، وهو الأمر الذي أسماه محي الدين صبحي (ضلالة الزمن)(82) في الشعر الحداثي، لأن لعازر كما يروي قصته الإنجيل، كان قد عاش في زمن يسوع(83)، وأما أن يظهر لعازر عام 1962، فهذا مالم يحدث في التاريخ، وقد بينا ذلك في بداية البحث. إذ عندما خيل الشاعر لعازر في الإنسان العربي المعاصر، الرافض واقعة، والمفضل الموت عليه، ومن هذا التجاسد بينهما تشكل لعازر حاوي، ومن هذا التشكيل الجسدي، يتشكل زمن شعري أيضا، فلا وجود لجسد دون زمن.

ومن تفاعل الزمن القديم، زمن لعازر يسوع، والزمن الحديث زمن الإنسان العربي المعاصر عام 1962، تشكل زمن شعري، هو زمن لعازر حاوي، تتداخل فيه الأزمنة متفاعلة.

ومن هذا التزامن (بمفهوم تفاعل أزمنة مختلفة، لا بمفهوم حدوث أشياء في زمن واحد) كان الزمن الشعري الذي يؤرخ من خلال القصيدة للعازر حاوي، وفيه كانت الهيمنة للحاضر، فامتص الماضي والمستقبل، فتشكل زمنا مستغربا مشبعا بالذكرى، ويشع بأحداث الآن، وتجري فيه الرؤيا الفاجعة بما سيكون(84)، إذ إن هذه القصيدة كانت نبوءة بهزيمة العرب في جوان عام 1967.

وهكذا يتشكل الزمن الشعري غريبا، من تفاعل أزمنة عديدة مختلفة، غرابة المكان والجسد الشعريين، بل غرابة كل ما هو شعري، وهذا من فعل الكيمياء، إلا أنها خيالية تفعل في الدلالات دون الحس.(85)

وهكذا فإن الزمن الشعري، وعلى الرغم من خصوصيته، يشاكل الزمن الوجودي، في كونه يسري في كل الأشياء، إذ به ينضبط عالم القصيدة في ظاهراته المختلفة.(86)

3-كيمياء الخيال من الجسد الشعري:

نلاحظ، بوضوح، تجليات كيمياء الخيال، وفاعلياتها من التجاسد، وهو في أبسط أحواله، تفاعل ملامح جسد أو أجساد (حقيقة أو مخيلة) مع جسد أو عدة أجساد لتشكيل جسد شعري جديد، أو أن يشكل الشاعر جسدا شعريا من ملامح جسدية متفرقة سواء أكانت في عالم الحس أم عالم التجريد أم عالم التخيل(87)، وساء في ذلك أكان الجسد الشعري المشكل حيا أم ميتا، أم حيا ميتا مثل لعازر حاوي، وفي ظاهرة التجاسد يقول "لانعتون" Langton : "إن أغلب هذه الأشباح هي أرواح حيوانات مفصولة عن أجسادها، وخاصة حيوانات يخشاها الإنسان، أو حيوانات مركبة أي مزيجا من أجزاء من حيوانات حقيقية"(88)، وفي هذا الشأن أيضا يقول محمد غنيمي هلال : "قد يقوم الكاتب بتصوير نموذج لإنسان تتمثل فيه مجموعة من الفضائل أو الرذائل أو من العواطف المختلفة التي كانت من قبل في عالم التجريد أو متفرقة في مختلف الأشخاص، وينفث الكاتب في نموذجه من فنه، ما يخلق منه في الأدب مثالا ينبض بالحياة، أغنى في نواحيه النفسية وأجمل وأوضح في معالمه مما نرى في الطبيعة".(89)

ومما سبق ندرك أن الجسد الشعري تشكيل جديد من ملامح جسدية أو غيرها، وهو يمتص كيانه من غيره ليتوجد على غير مثال سابق، وفق كيمياء الخيال بفاعلياتها النشطة.

وهذا الأمر ملاحظ على "لعازر حاوي"(90) والذي امتص بعض ملامحه من عدة أجساد، إذ فيه من ملامح لعازر المذكور في الإنجيل(91)، ومن ملامح الأموات، حيث هو الحي الميت في الحياة(92)، كما فيه من ملامح العتاة(93) والجلادين(94)، ومن ملامح الكفرة المخذولين(95)، كما امتص لعازر حاوي بعض ملامحه من التنين حيا(96) وميتا(97) وملامح الخضر مغلوبا(98)، وفيه أيضا من ملامح الأبطال الأسطوريين(99)، مثلما فيه ملامح الغريب عن زوجته(100)، كما فيه ملاح الوحوش المفترسة(101)، وفيه ملاح الأمراء الطغاة المتألهين(102)، ومن ملامح العشاق المتيمين أمثال قيس بن الملوح العامري (مجنون ليلى)(103)، وفيه أيضا من ملامح الجان(104)، والأفعى(105)، وفيه من ملامح الطيوف(106)، كما امتص لعازر حاوي من ملامح الإنسان العربي(107)، كما فيه من ملامح أي إنسان تحبط آماله المصيرية، مثلما فيه كثير من ملامح الشاعر خليل حاوي، وهو الذي شكله(108) كيفما أراد وشاء، وخاصة رغبة لعازر في الموت(109)، والتي نفذها عام (110)1962، والتي هي من النزعة الانتحارية التي كان يعانيها خليل حاوي(111)، إذ أعدى بها لعازر حاوي، وقد نفذها خليل حاوي انتحارا عشرين عاما بعد انتحار لعازر حاوي، وذلك ليلة السادس من جوان عام 1982.(112)

كما يمتص حاوي مزيدا من الملامح الأخرى من القارئ، وذلك بالتجاسد بينهما، حينما يتخيله القارئ أثناء القراءة، إذ مثلما يؤثر لعازر حاوي في القارئ، يتأثر به، وهذا التأثير والتأثر بينهما هو الذي ينشط التجاسد بينهما، ومن أدلة التجاسد بين القراء والشخوص الفنية، هي اختلاف نوع الاستجابة ودرجاتها بين قراء الشخصية الواحدة، وبالتالي فإن لعازر حاوي، يكتسب من قارئ ملامح غير التي يكتسبها من قارئ آخر.

وهكذا فإن الجسدية، هي أحد مصادر مادة تشكيل لعازر حاوي، فقد امتص كثيرا من ملامحه من أشخاص حقيقيين أو خياليين، أو أنه امتص بعضا منها من عالم التجريد، ويبدو أن التجاسد –كما رأينا- هو الفاعليات تشكيل الجسد الشعري وأحد مصادر غرابته.































خطاطة لتجاسد لعازر حاوي مع بعض الأجساد

وإذا كان لعازر حاوي –كما رأينا- غير عادي بتشكيله –لابمادته-، غريبا يتجاوز إدراك العقل له، فكذلك كانت زوجته، فهي بتشكيلها تتوهج غرابة، لا يستوعبها مثله، إلا التجربة التخييلية أثناء القراءة، إذ هي شدة ائتلاف في شدة اختلاف.

وإذا كان لعازر حاوي قد شكلته، من متعدد، فاعليات كيمياء الخيال، مثل المنافرة والمفاعلة والتحويل ... وفيها التجاسد، فقد وقفنا على بعض تجلياته فيه، فإن تشكيل زوجته يماثل تشكيله.

فقد شكلها الشاعر من مادة ذات مصادر متعددة ومتنوعة ومختلفة، أحدها الجسدية المستخلصة من عدة أجساد مختلفين.

لقد امتص(113) تشكيلها الشعري لكي تنوجد بدعا على غير مثال سابق، إنما هي نموذج ذاتها، من ملامح الزوجة الآية في الجمال النفسي والجسمي(114)، وفيها ملامح الفريسة التي يصطادها النمر، فيروي عطشه من دمها ويشبع من أشلائها(115)، ولها ملامح الأنثى الغريبة عن لعازر حاوي زوجها والغريب عنها بمسخة(116).

كما يمتص تشكيلها ملامح حسناء حلوة(117)، تلك "العذراء الجميلة التي يقدمها الناس للتنين كي يتقوا شره الباغي(118)، وتأخذ من ملامح لعازر حاوي رغبتها في الموت(119) والتي هي من النزعة الانتحارية، التي كان الشاعر خليل حاوي يعانيها، وقد أعداها بها مثلما أعدى بها زوجها، كما يأخذ تشكيل زوجة لعازر حاوي من ملامح المرأة المنهارة المجنونة(120) مثلما تظهر فيها ملامح مريم المجدلية بتجاسدها العميق معها(121)، وتتابع زوجة لعازر حاوي "مخاطبتها للمسيح بما يشبه التعنيف، وهي تستعرض علاقته بمريم المجدلية، كأنها هنا تسقط لوعة حرمانها الجنسي الحاد على هذه الشخصية الأخيرة وسلوكها.

ويتخذ الشاعر هنا مما يذكره الإنجيل عن دهن مريم قدمي المسيح بالطيب ومسحها لهما بشعرها"(122) منطلقا تعتمده زوجه لعازر ل [حاوي] بصورة أكثر توهجا وإغراء (..) لتتفق مع تفسيرها لسلوكها باعتباره إعلانا متحرقا جامحا عن شهوة مقموعة ورغبة مكبوتة ترزح المرأة تحت وطأتها(123) ..."، إن تشكيل زوجة لعازر حاوي، هو من فاعيلات كيمياء الخيال، مثل: المنافرة والمفاعلة، والتحويل، والوحدة، الجدة...

كما تظهر فيها ملامح المرأة الكافرة(124) والمؤمنة أيضا(125)، مثلما يمتص تشكيلها الشعري ملامح الطفلة(126)، في براءتها مع زوجها لعاز حاوي، ذلك التنين الصريع(127).

ولها أيضا ملامح الأجساد الذين يرمى بهم في الأنهار تعويذة سحرية لإسقاط المطر، ورد الخصب إلى الأرض اليباب، كما آمن من البدائيون(128) ونتيجة لإصابتها بالجنون(129)، ترى نفسها، مرة، عروسا، في أتم قوام، وأحسن حال، وأفخر مقام(130)، ومرة، أن ذلك من أثر الجنون(131)، إذ إن جسمها أصبح عرضة للتبدل والتحول، فلا يستقر على حال، حيث يكتسب ويفقد من الملامح والأحوال التي لا نهاية لها(132)، بل هو في صيرورة كيميائية غريبة، تصيبه بتحولات متوالية بها ينحل إلى أجسام لا متناهية، لا تكف عن التشكل(133)، فهو مرة، طيف، أو وهم، ومرة مسخ أو بدع لا يكونه إلا تخييل القارئ، بنشاط كيمياء الخيال، كما نبهه الشاعر بكيمياء الفعل الشعري(134) وتلك هي كيمياء الخيال –سواء في الكتابة أو القراءة- والتي تجعل زوجة لعازر حاوي تنفى، فتكون "أفعى عتيقة"(135) وتلك الزوجة الأفعى لها أيضا ملامح إبليس"(136) التي تنكر أفعى وأغرى حواء بالعصيان حتى سقطت وآدم من الجنة إلى عالم الخطيئة والموت"(137) مثلما سقطت لعازر حاوي وزوجته الأفعى إبليس في الحفرة/ القبر يعانيان الجحيم فيها مسخا لمسخ(138).

وبالتأمل في زوجة لعازر حاوي، نكتشف فيها بعض ملامح الشاعر خليل حاوي، مثلما أعدى بها زوجها، ومن أبرز ملامحه فيها رغبتها الشديدة في الانتحار(139) وتلك من نزعته الانتحارية –كما أسلفنا- وقد عاناها طويلا إلى أن حققها بانتحاره ليلة السادس من جوان 1982، كما أنه فيها من إلحاده(140) ...

كما أن القارئ يعايش زوجه لعازر، بفعل القراءة، فإن هذه المعايشة ليست بريئة محايدة، وإنما هما يتبادلان الأثر، وبالتالي بقدر ما تعديه ببعض أحوالها، فإنه كذلك يشحنها بأحوالها منه وأدلة ذلك مبدأ تعدد القراءات بتعدد القراء وأحوال القارئ الواحد، وكذلك نوعية التأثر والاستجابة ودرجتها، وبالتالي فإن زوجه لعازر حاوي تمتص من قارئ ملامح وأحوالا غير التي تكسبها من آخر.

وهكذا فالتجاسد الذي نشط تشكيل زوجه لعازر، بين عدة أجساد ممن أشرنا إليهم أو لم نشر، لهو من فاعليات كيمياء الخيال والتي بها يبدع الشاعر كما يبدع القارئ من مادة مألوفة أجسادا غريبة على غير مثال سابق.(141)

إن المتأمل في تشكيل لعازر حاوي، وزوجته، يجده وقد انبثق من تفاعلات واسعة وعميقة هي التجاسد بين عديد الأجساد، وقد نشطتها منافرات(142) شديدة بين الملامح التي تشكلا منها، فينجم بالصهر من هذه المنافرات الانسجام في التشكيل، إذ هما (لعازر وزوجته) "شدة ائتلاف في شدة اختلاف"(143)، كما يقول عبد القاهر الجرجاني في حديثه عن التشبيه.

إن هذه الصيرورة المنتجة لتشكيل منسجم هي من فعل كيمياء الخيال، حيث ومن التطورات والمتواليات التفاعلية تتشكل مركبات خيالية جديدة كما يقول ت، س، إليوت(144) ومنها لعازر وزوجته.



خطاطة لتجاسد زوجه لعازر حاوي مع بعض الأجساد

































4-كيمياء الخيال من الأشياء زوجة لعازر حاوي مع بعض الأجساد

مثلما تشكل فاعليات كيمياء الخيال –كما رأينا- المكان الشعري والزمن الشعري والجسد الشعري، على غير مثال سابق، تنشط كذلك مشكلة الشيء الشعري على اختلاف أنواعه وتعددها.

إن الأشياء الشعرية غريبة، غير مألوفة، مبدعة على غير مثال سابق، لا وجود لها إلا في القصيدة التي تظهر فيها، ويستحيل استنتاجها أو نقلها، إذ لا نموذج لها إلا هي، وقد قصدنا بالشيء(145)، في هذا المبحث غير المكان والزمان والجسد.

إن المتأمل في الأشياء الشعري، والتي جعلناها أمثلة لتجليات كيمياء الخيال وفاعليتها، يجدها قامت من منافرات شديدة أثناء العملية الإسنادية)(146)، أو العملية التشكيلية، وبالتفاعل والتصاهر، والتحول، تتشكل جديدة، لا وجود لها إلا في ما وجدت فيه من الآثار الفنية، ولا تكون خارجها، وهي بذلك، لا نموذج لها، فعلا، إلا هي نفسها ومنها من قصيدة (لعازر عام 162) على سبيل التمثيل :

ليلاً من رماد، الظلام اليابس المركوم، رحمة ملعونة، برق يتلوى أفعوان، وهج الثمار، زورق ميت، خنجر يلهث مجنونا وأعمى، حجر الدار يغني، تغني عتبات الدار، الخمر تغني، ستار الحزن يخضر، صدري الريان، حب تصفى واختمر، سرير مارج بالموج من خمر وطيب، جنة الفلك، أشلاء من الحق، أشداق طواحين الشرر، معول نار، جنون الدخنة الحمراء، أشداق جان، دم مجنون، سيفا موروقا، جوع الأرض شلال أدغال من الفرسان، تئن الكتب الصفراء، صدى يفرش عيني، أقمار السواد، أفراس الرياح، رياح الجوع، سواقي شعرها، يرعد جوع، الضوء، مروج الخمر، الجيب السحري، عصب يصهل، الظلاتم الحجري، جوع المجامر، ظل شعاع، جبال الليل، جوع الريح، شمس الجحيم، وهج النيوب، ليل السكون، يغني صحو مرآتي، خدعة المرآة.

إن المتأمل في هذه الأشياء الشعرية، وعلى اختلافها يجدها غير "حقيقية"، وقد شكلت من منافرات عديدة أثناء العملية التشكيلية، وإنما الذي صهرها وجعلها تنتهي باختلافها إلى حال من الائتلاف والانسجام هو فاعليات كيمياء الخيال، حيث الخيال كما يقول كولوردج : "يذيب ويلاشي ويحطم لكي يخلق من جديد"(147) وإن تحول الشيء إلى كلمة فيه نوعان نسبيان، فالأول تحول لساني، به يتحول الشيء في نسبية إلى كلام(148)، وأما الثاني فتحول شعري يكون به إبداع الأشياء الشعرية كلمات، وهكذا فإننا، كما يقول "ملارمي" لا نصنع الشعر بالأفكار، وإنما بالكلمات.(149)

إن علاقة الأشياء بالكلمات، من أعقد مسائل اللغة، وكل الاطاريح التي تناولتها كانت عرضة للنقد، وعلى الرغم من خصوصية هذه العلاقة، وصعوبة إدراكها مع الإقرار إشكالها، فإنه يبدو أن العلاقة بين الأشياء والكلمات هي علاقة تحويلية، وهذا التحويل نسبي وعلى غاية من التعقيد، إذ باللغة كما يقول "جان كوهن" "يتحول الواقع إلى كلام(150)، وأما في الشعر فإنه الواقع المحول في نسبية إلى كلام يخضع إلى تحول عاتٍ، ينتهي إلى تشكيل أشياء شعرية مادتها الواقع ولكنها على غير مثال سابق.

مثلما هي الأشياء الشعرية التي جعلناها أمثلة لتجليات كيمياء الخيال في قصيدة (لعازر عام 1962).إن البحث في مادة الأشياء الشعرية وطبيعتها وتشكيلها ... ليس بالأمر الهين، إنما يتطلب من الباحث علما بها واسعا ومنهجا متكاملا به يستشرف أحوالها وغرائبها.

وهو في ذلك مثل الصيدلي عارفا بأحوال الأشياء، وقد تحولت أو ابدعت كلمات، فشكلت عالما مخيلا بديعا، على قدر كبير من الفتنة والسحر والجاذبية.

وهكذا فإن نشاط كيمياء الخيال في الشعر أو الفن عموما، في تشكيل أشياء شعرية جديدة يقربنا من دور الصيدلي أو المخبري(151) الذي يتابع بدقة التحويلات العميقة التي يجريها الشاعر على الواقع من أجل أن يشكل شيئا جديدا(152).

وهكذا، فإن المكان والزمان والجسد والأشياء الشعرية عموما، هي من تجليات كيمياء الخيال من (لعازر عام 1962).

وهي أبداع غريبة، لا بمادتها، ولكن بتشكيلها على غير مثال سابق، ولا وجود لها إلا في قصيدتها، إذ يستحيل نقلها أو استنتاجها، لأنه لا نموذج لها إلا هي، وهذا منتهى الإبداع والشعرية.

وأما فاعليات كيمياء الخيال التي شكلتها فأبرزها :

المنافرة، المفاعلة، التحول، التشكيل، الوحدة، الجدة، الغرابة، المغايرة، المشابهة، الغموض، الإيحاء، النمو، الحركة، الإيقاع، الجمال، الخلود.

إن كيمياء الخيال هي التي ميزت قصيدة (لعازر عام 1962) بالعظمة(153)، والتفرد(154).

إن القصيدة لا تقرأ قراءة تثير شعريتها، وتستوعب مكنوناتها المتوترة في مهب الدلالات اللامتناهية(155) إلا بفهم مادتها المستخلصة من الواقع في بعده التاريخي والآني، الحسي والمجرد، الحقيقي والمخيل، العام والخاص.

إن (لعازر عام 1962) لا تقرأ قراءة إيجابية إلا بإدراك تجليات "كيمياء المعرفة"(156) وفاعليتها فيها، إذ "هي ذروة ما وصلت إليه التجربة الشعرية العربية المعاصرة".(157)

وما كان ليكتسب تشكيلها الشعري خصوبة دلالية لا ينتهي إيحاؤها، لو لم يكن الشاعر خليل حاوي "يعرف كيمياء الكلمة".(158)

وأخيرا، فإذا كيمياء الخيال بتجلياتها وفاعلياتها، تبدو نهجا قويما لمقاربة التجربة الشعرية في أبعادها المختلفة والمتعددة.



الهوامش:

(1)خليل حاوي، بيادر الجوع، ط1، دار الآداب، بيروت : لبنان، 1965، ص : 35 إلى 83.

(2)عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، 1988، ص: 297، 298.

(3)عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، (د.ت)، ص : 196، 316.

(4)شكري عزيز الماضي، في نظية الأدب، ط1، دار الحداثة، بيروت : لبنان، 1986، ص : 219.

(5)نبيل راغب، التفاعل الكيميائي في الأدب، مجلة الطليعة، عدد : 4، مؤسسة الأهرام، القاهرة : مصر، 177، ص : 69، 70.

(6)المرجع السابق، ص : 69.

(7)عبد المنعم تليمة، مقدمة في نظية الأدب، دار الثقافة، القاهرة : مصر، 1976، ص : 207.

(8)أمير حلمي مطر، فلسفة الجمال، دار الثقافة، القاهرة، : مصر، 1984، ص : 203.

(9)عاطف جودة نصر، الخيال مفهوماته ووظائفه، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة : مصر، 1984، ص : 279، 282.

(10)محمد غنيمي هلال، الأدب المقارن، ط5، دار العودة، بيروت، (د.ت)، ص : 303.

(11)جهاد فاضل، قضايا الشعر الحديث، ط1، دار الشروق، بيروت : لبنان، 1984، ص : 271، 284.

(12)شاكر النابلسي، جماليات المكان في الرواية العربية، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت : لبنان، 1984، ص : 18، 328.

(13)جليل كمال الدين، الشعر العربي وروح العصر، دار العلم للملايين، بيروت : لبنان، 1964، ص : 404.

(14)102herni lemaitre, la posié depuis baudlaire paris, 1965, p

(15)آرثر رامبو، فصل في الجحيم، ترجمة : رمسيس يونان، ط1، دار التنوير، بيروت : لبنان، 1983، ص : 43، 46.

(16)سمير الحاج شاهين، رامبو، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت : لبنان، 1977، ص : 304.

(17) Charles Baudlaire, les fleurs du mal, Paris, 1972, p16

(18)نقولا سعادة، قضايا أدبية، ط1، دار مارون عبود، بيروت : لبنان، 1984، ص : 91.

(19)مصطفى ناصف، نظرية المعنى في النقد العربي، ط2، دار الأندلس، بيروت : لبنان، 1981، ص : 148.

(20)ابن الفارض، الديوان، تحقيق : كرم البستاني، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت : لبنان، 1979، ص : 101.

(21)الزوزني، شرح المعلقات السبع، ط5، مكتبة المعارف، بيروت : لبنان، 1985، ص : 37، 38، 39.

(22)لمرجع السابق، ص : 48.

(23)خليل حاوي، نهر الرماد، ط3، دار الطليعة، بيروت : لبنان، 1962، ص : 138.

(24)محمود يعقوبي، معجم الفلسفة، مطبعة البعث، قسنطينة : الجزائر، 1979، ص : 53.

(25) Florence Begel, la philosophie de lartm ed.Meme sevil, Paris, 1998, p20

(26)لمتنبي، الديوان، شرح ناصيف اليازجي، ط2، دار القلم، بيروت : لبنان (د.ت)، ص : 509.

(27)نيبل راغب، التفاعل الكيميائي في الأدب، مجلة الطليعة، المرجع السابق، ص : 70.

(28)نعام تشومسكي، اللغة والمشكلات المعرفة : حمزة بن قبلان المزيني، ط1، دار توبقال، الدار البيضاء : المغرب، 1990، ص : 117.

(29)المرجع نفسه، ص : 43.

(30)المرجع نفسه، ص : 159.

(31)أميره حلمي مطر، فلسفة الجمال، المرجع السابق، ص : 203.

(32)محي الدين صبحي، نظرية النقد العربي وتطورها إلى عصرنا، الدار العربية للكتاب، ليبيا، تونس، 1984، ص : 148.

-سامي سويدان، جسور الحداثة المعلقة، ط1، دار الآداب، بيروت : لبنان، 1997، ص : 71.

(33)يوحنا، الإنجيل، الإصحاح : 11، الآية : 1 إلى 43.

(34)عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، المرجع السابق، ص : 236.

(35)المرجع نفسه، ص : 132.

(36)إيليا حاوي، خليل حاوي، ط1، ج1، دار الثقافة، بيروت : لبنان، 1984، ص : 134.

-ساسين عساف، حديث مع الشاعر خليل حاوي، مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد : 26، 1983، ص : 101.

(37)محي الدين صبحي، نظرية النقد العربي وتطورها إلى عصرنا، المرجع السابق، ص : 148.

(38)أبراهيم رماني، الغموض في الشعر العربي الحديث، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1991، ص : 278، 279.

(39)سامي سويدان، جسور الحداثة المعلقة، المرجع السابق، ص : 88 وما بعدها.

(40)خليل حاوي، بيادر الجوع، المرجع السابق، ص : 38.

(41)خليل حاوي، بيادر الجوع، المرجع السابق، ص : 38.

(42)جان كوهين، بنية اللغة الشعرية، ترجمة محمد الولي ومحمد العمري، دار توبقال، الدار البيضاء : المغرب، (د.ت)، ص : 104، 110، وما يعدها.

(43)محمود يقوبي، معجم الفلسفة، المرجع السابق، ص : 121.

-dictionnaire de la langue francaise, ed hachette, paris, 1990, p380

(44)محي الدين صبحي، نظرية النقد العربي وتطورها إلى عصرنا، المرجع السابق، ص : 148.

(45)خليل حاوي، بيادر الجوع، المرجع السابق، ص: 38.

(46)المرجع نفسه، ص : 43.

(47)المرجع نفسه، ص : 82.

(48)المرجع نفسه، ص : 38.

(49)عبد الله محمد الغذامي، المشاكلة والاختلاف، ط1، دار بوتقال، الدار البيضاء : المغرب، 1994، ص : 117.

(50)عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، المرجع السابق، ص : 132.

(51) gaston bachelard, la poétique de la poétique de lespace, p.u.f, 12 ed, paris, 1984, p 183.

(52)محمود يعقوبي، معجم الفلسفة، المرجع السابق، ص : 23.

(53)عبد الملك مرتاض، في نظرية الرواية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الصفاء، الكويت 1998، ص : 151، 152.

(54)المرجع نفسه، ص : 152.

(55)مصطفى ناصف، نظرية المعنى في النقد العربي، ط1، دار الأندلس، بيروت : لبنان، 1981، ص : 148.

(56)خليل كمال الدين، الشعر العربي الحديث وروح العصر، المرجع السابق، ص : 404.

-عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر، ط3، دار العودة، بيروت : لبنان، 1981، ص : 48 إلى 53.

(57)شاكر النابلسي، جماليات المكان في الرواية العربية، المرجع السابق، ص : 18.

(58)خليل حاوي، بيادر الجوع، المرجع السابق، ص: 41.

(59)خليل حاوي، بيادر الجوع، المرجع السابق، ص: 41.

(60)رولان بارط، درس السيميولوجيا، ت : عبد السلام بن عبد العالي، ط2، دار توبقال، الدار البيضاء : المغرب، 1986، ص: 27.

(61)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 43.

(62)أرسططاليس، فن الشعر، ت : عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت : لبنان، (د.ت)، ص : 12.

(63)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 44.

(64)عبد الله محمد الغذامي، المشاكلة والاختلاف، ص: 117، 119.

(65)عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، ص: 398.

شكري عزيز الماضي، في نظرية الأدب، ص: 219.

(66)جان كوهين، بنية اللغة الشعرية، ص : 37.

(67)مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، ج1، ط2، دار المعارف، القاهرة : مصر، (د.ت).

(68)دار الشروق، المنجد في اللغة والأعلام، ط28، المكتبة الشرقية، بيروت : لبنان، 1986، ص : 776.

(69)عاطف جودة نصر، الخيال مفهوماته ووظائفه، ص : 279، 282.

(70)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 43.

(71)خليل حاوي، بيادرالجوع، ص : 44، 45، 46.

(72)محي الدين صبحي، نظرية النقد العربي وتطورها إلى عصر، ص : 148.

(73)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 47.

(74)خليل حاوي بيادر الجوع، ص : 38.

(75)المرجع نفسه، ص : 82.

(76)المرجع نفسه، ص 39.

(77)المرجع نفسه، ص : 81، 82.

(78)غستاف لانسون، منهج البحث في تاريخ الآداب، النقد المنهجي عند العب، لمحمد مندور، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة: مصر، ص: 408.

(79)تامر سلوم، نظرية اللغة والجمال في النقد العربي، ط1، دار الحوار اللاذقية، سورية، 1983، ص : 273. وما بعدها.

(80)عبد الملك مرتاض أ. ي دراسة سيميائية لقصيدة "أين ليلاي" لمحمد العيد (د.م.ج) بن عكنون: الجزائر، 1992، ص : 119، 121 وما بعدها.

-عبد الملك مرتاض، تحليل الخطاب السردي (د.م.ج) بن عكنون : الجزائر، 1995، ص: 228.

-عبد الملك مرتاض، في نظرية الرواية، ص: 221.

(81)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 35.

(82)محي الدين صبحي، نظرية النقد العربي وتطورها إلى عصرنا، ص : 147.

(83)يوحنا، الإنجيل، الإصحاح : 11، الآية : 1 إلى 43، والإصحاح : 12، الآية : 1 إلى 2.

(84)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 38، 39.

-إبراهيم رماني، الغموض في الشعر العربي الحديث، ص : 279.

-محي الدين صبحي، نظرية العربي النقد العربي وتطورها إلى عصرنا، ص : 147، 148.

(85)عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، ص : 298.

(86)عبد الملك مرتاض، أ. ي دراسة سيميائية تفكيكية، ص : 121 وما بعدها.

(87)محمد غنيمي هلال، الأدب المقارن، ص 303..

(88)جيلبير دروان، الأنتروبولوجيا رموزها أساطيرها أنساقها، ترجمة مصباح الصمد، ط1، 1991، ص : 58.

(89)محمد غنيمي هلال، الأدب المقارن، ص : 303.

(90)ريتا عوض، خليل حاوي، المرجع السابق، ص: 66.

(91)يوحنا، الإنجيل، الإصحاح : 11، الآية : 1 إلى 44.

(92)(خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 38، 47، 50، 60، 71.

(93)المرجع نفسه، ص : 38، 75.

(94)المرجع نفسه، ص : 71، 72.

(95)المرجع نفسه، ص : 73.

(96)المرجع نفسه، ص : 54، 55.

(97)المرجع نفسه، ص 68، 70.

(98)المرجع نفسه، ص : 53.

(99)المرجع نفسه، ص : 51، 56، 57.

(100)المرجع نفسه، ص : 50، 53، 58، 83.

(101)المرجع نفسه، ص : 49.

(102)المرجع نفسه، ص : 75.

(103)المرجع نفسه، ص : 75.

(104)المرجع نفسه، ص : 71.

(105)المرجع نفسه، ص : 71.

(106)المرجع نفسه، ص : 65، 66.

-مطاع صفدي، الشعر : الكون والفساد، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد : 26، (عدد خاص بخليل حاوي) 1983، ص : 17.

(107)ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 67.

-إبراهيم رماني، الغموض في الشعر العربي الحديث، ص : 278، 279.

-محي الدين صبحي، نظرية النقد العربي وتطورها إلى عصرنا، ص : 148.

-آمنة بعلى، أبجدية القراءة النقدية، (د.م.ج) بن عكنون : الجزائر، 1995، ص : 76.

(108)محي الدين صبحي، نظرية النقد العربي وتطورها إلى عصرنا، ص : 148.

(109)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 38، 39، 41، 43، 47.

(110)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 38، 39، 41، 43، 47.

(111)رجاء النفاش، ماساة لبنان ومأساة الشاعر المنتحر، مجلة الدوحة، العدد : 80، سنة 1982، ص : 11

.وجيه فانوس، خليل حاوي، أستاذا، مجلة الفكر العربي المعاصر، ص : 116.

-مطاع صفدي، الشعر : الكون والفساد، مجلة الفكر العربي المعاصر، ص : 17.

(112)ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 21.

-مطاع صفدي، الشعر : الكون والفساد، مجلة الفكر العربي المعاصر، ص 17.

(113)محمد بنيس، ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب، دار العودة، ط1، بيروت : لبنان، 1979، ص : 253.

-إبراهيم رماني، ظاهرة الغموض في الشعر العربي الحديث، ص : 347، 348.

-آمنة بعلي، أبجدية القراءة النقدية، ص 44.

(114)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 38، 39، 48، 51، 53، 54، 58، 66، 80، 81.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 69.

(115)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 49.

(116)المرجع نفسه، ص : 49، 50، 53، 58، 83.

(117)المرجع نفسه، ص 54.

(118)سامي سويدان جسور الحداثة المعلقة، ط1، دار الآداب، بيروت : لبنان، 1997، ص : 98.

(119)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 59، 60، 61، 74، 75، 76، 77.

-سامي سويدان جسور الحداثة المعلقة، ص : 101، 102.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 70.

(120)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 59، 60، 61، 62، 63، 80.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 70، 71.

-سامي سويدان جسور الحداة المعلقة، ص : 102.

(121)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 64، 65، 66، 67، 68.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 70.

(122)يوحنا الإنجيل، الإصحاح : 12، الآية : 1إلى 3.

(123)سامي، سويدان، جسور الحداثة المعلقة، ص : 105، 106.

(124)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص: 64، 65، 66، 67، 68، 76، 107.

-سامي سويدان ـ جسور الحداثة، ص: 104، 105.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص: 70.

(125)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص: 76.

(126)المرجع نفسه، ص: 71.

(127)المرجع نفسه، ص: 70.

(128)المرجع نفسه، ص: 79، 80.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص: 71.

(129)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص 76.

(130)المرجع نفسه، ص: 80، 81.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص: 71، 72.

(131)خليل حاوي، بيادرن ص: 81.

(132)خليل حاوي، بيادرن ص: 81.

(133)خليل حاوي، بيادر الجور، ص : 72.

(134)خليل حاوي، نظرية الخلق من عدم، خليل حاوي لإيليا حاوي، ج2، ج1، دار الثقافة، بيروت : لبنان،

(135)1984، ص : 124.

(136)خليل حاوي، بيادر الجور، ص : 82.

(137)ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 72.

-التورات، التكوين، الإصحاح : 3 ، الآية : 1 إلى 23.

(138)ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 72,

-التورات، التكوين، الإصحاح : 3 ، الآية : 1 إلى 23.

(139)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 82.

(140)المرجع نفسه، ص : 59، 60، 61، 63، 74، 75، 77.

-ريتا عوض، خليل حاوي، ص : 70، 71.

(141)خليل حاوي، بيادر الجوع، ص : 64، 65، 67، 76.

-سامي سويدان، حديث مع الدكتور نسيب همام حول خليل حاوي، مجلة الفكر العربي المعاصر، ص : 107.

(142)عبد القادر الجرجاني، أسرار البلاغة، ص: 297، 298.

(143)جان كوهن، بنية اللغة الشعرية، ترجمة: محمد الولي ومحمد العمري، ص: 104، 110.

-سامي سويدانـ جسور المعلقة، ص: 103.

(144)عبد القاهر الجرجانين أسرار البلاغة، ص: 132.

(145)عبد المنعم تليمة، مقدمة في نظرية الأدب، ص: 207.

(146)للتوسع في فهم اصطلاح الشيء معجميا يراجع:

-ابن منظور، لسان العرب، ج1، دار صادر، بيروت : لبنان، 1968، ص : 104.

-مجمع اللغة العربية، المعجم البسيط، ج1، ط2، دار المعارف، القاهرة : مصر، (د.ت)، ص : 502.

-Dictionnaire de la langue française, ed hachette, Paris, 1990, p 247/

(147)جان كوهين، بنية اللغة الشعرية، ص : 104 وما بعدها.

(148)شكري عزيز الماضي، في نظرية الأدب، ص : 219.

(149)جان كوهن، بنية اللغة الشعرية، ص 32، 33.

(150)المرجع نفسه، ص : 41.

(151)المرجع نفسه، ص 37.

(152)Gaston Bachelard, la poétique de l'espace, 12 ed, p.u.f, Paris, 1984, p 146, 147.

(153)عبد المنعم تليمة، مقدمة في نظرية الأدب، ص : 207.

(154)ريتا عوض، خليل حاوي، ص: 72.

(155)مطاع صفدي، الشعر: الكون والفساد، مجلة الفكر العربي المعاصر، ص :14.

(156)ريتا عوض، خليل حاوي، ص: 73.

(157)إبراهيم رماني، الغموض في الشعر الحديث، ص 384.

(158)ريتا عوض، خليل حاوي، ص: 72.

(159)خليل كمال الدين، الشعر العربي الحديث وروح العصر، ص: 404.1979.





--------------------------------------------------------------------------------

(*)أستاذ بجامعة عنابة.

imported_bayan
04-12-2006, 04:31 AM
حذف للتكرار

imported_bayan
04-12-2006, 04:58 AM
http://www.aljahidhiya.asso.dz/Revues/tebyin_19/KIMIAELKHAYAL.htm

imported_bayan
04-12-2006, 05:02 AM
http://www.aljahidhiya.asso.dz/Revues/tebyin_19/KIMIAELKHAYAL.htm

imported_Garcia
04-12-2006, 08:00 AM
العزيزة / بيان
صباحك ندى وجميل ... وتشكرى لهذه الدراسة والورقة القيمة جدا ...
قرأت وكلى اندهاش لتحليل الكاتب العميق وغوصه وفكفكته للنصوص
الشعرية للشاعر العظيم خليل حاوى , اطلعت مرة واحدة لهذه الورقة
لكنها تحتاج للاطلاع عدة مرات ... وفعلا هذا كنز ثمين جدا والله ..
وليت الاخ عبدالمنعم ابراهيم يطلع عليها ...
دة تسجيل حضور اولى حتى اعود...........