المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبورٌ عجلٌ لعوالم كريشنا مورتي ..فيلسوف بلا مسلّمات .....


imported_مهند الخطيب
28-11-2011, 01:20 PM
لا ينبغي لك أبدًا أن تظل هنا طويلاً. كُنْ من البُعد بحيث لا يقدرون أن يجدوك، لا يقدرون أن يدركوك ليشكِّلوك، يقولبوك. كُنْ بعيدًا جدًّا، كالجبال، كالهواء غير الملوث؛ كُنْ من البُعد بحيث لا يبقى لك أهلٌ ولا علاقاتٌ ولا عائلةٌ ولا وطن؛ كُنْ من البُعد بحيث لا تعرف حتى أنت أينك. لا تدعْهم يجدونك؛ لا تحتك بهم احتكاكًا لصيقًا جدًّا. ابْقَ بعيدًا حيث لا تقدر حتى أنت أن تجد نفسك؛ أبْق على مسافة لا يمكن عبورُها أبدًا؛ حافِظْ على ممرٍّ مفتوح دومًا لا يستطيع أحدٌ أن يأتي عبره. لا تغلقْ الباب – إذ لا باب أصلاً، بل ممرٌّ مفتوح لا نهاية له؛ إذا أغلقتَ أيَّ باب سيكونون قريبين جدًّا منك، وإذ ذاك فأنت ضائع. ابْقَ بعيدًا حيث لا تصلك أنفاسُهم – وأنفاسُهم تسافر بعيدًا جدًّا وعميقًا جدًّا؛ لا تدعْ عدواهم تصيبك، عدوى كلامهم، حركاتهم، معرفتهم العظيمة؛ عندهم معرفة عظيمة، لكنْ كُنْ بعيدًا جدًّا عنهم حيث لا تقدر حتى أنت أن تجد نفسك. ذلك أنهم ينتظرونك، عند كلِّ زاوية، في كلِّ بيت، ليشكِّلوك، يقولبوك، يقطِّعوك إربًا، ثم يعيدوا تجميعك.


على صورتهم. آلهتُهم – الصغيرة والكبيرة – هي صورٌ عن أنفسهم، نَحَتَها ذهنُهم أو نحتتْها أيديهم. إنهما في انتظارك، رجل الدين والشيوعي، المؤمن والملحد، وكلاهما سيان: إنهما يظنان أنهما مختلفان، لكنهما ليسا كذلك، لأن كلاهما يغسل دماغك، حتى تصير منهم، حتى تكرِّر كلماتهم، حتى تتعبَّد لقدِّيسيهم، القدماء منهم والحديثين؛ عندهم جيوش تذود عن آلهتهم وعن أوطانهم، وهم خبراء في القتل. ابْقَ بعيدًا؛ لكنهما في انتظارك، المربِّي ورجل الأعمال: أحدهما يدرِّبك على تطويع الآخرين لمتطلبات مجتمعهم، وهو شيء مميت – عندهم شيء اسمه المجتمع والأسرة: هذان هما إلهاهم الحقيقيان، الشبكة التي ستقع في شِراكها. – سيجعلان منك عالِمًا، مهندسًا، خبيرًا في كلِّ شيء تقريبًا، من الطبخ إلى العَمار إلى الفلسفة. ابْقَ بعيدًا، بعيدًا جدًّا؛ إنهما في انتظارك، السياسي والمصلح: الأول يسحبك إلى الأسفل حتى البالوعة، وعندئذٍ يصلحك الثاني؛ إنهما يتلاعبان بالكلمات، ولسوف تتوه في قَفْرهما. ابْقَ بعيدًا؛ إنهما في انتظارك، الخبير في الله ورامي القنابل: الأول سوف يقنعك والآخر يدلك كيف تقتل – وما أكثر الطرق لإيجاد الله، وما أكثر طُرُق القتل، ما أكثرها! ولكن إلى جانب هؤلاء جميعًا، هناك جحافل من الآخرين لتلقينك ما تفعل وما لا تفعل؛ ابْقَ بعيدًا عنهم جميعًا، بعيدًا إلى حدِّ ألا تقدر أن تجد نفسك ولا أحدًا سواك. أنت أيضًا تود أن تلعب مع جميع هؤلاء الذين ينتظرونك، لكن اللعبة تصير حينذاك من التعقيد والتسلية بحيث تضيِّعك. لا ينبغي لك أن تظل هنا طويلاً؛ كُنْ من البُعد بحيث لا تقدر حتى أنت أن تجد نفسك.

جدّو كريشنا مورتي

ناصر يوسف
28-11-2011, 02:25 PM
مهند يا صديقي .. كيفنك يا الحبوب

وهذا اللا إنتماء ... كنت عاوز أعمل كده قبال فترة لكن لقيتني زي البهظهر مع روحي دي .. ياخي لكن جِدَك الفيلسوف كريشنا ولا كَرِشنا ده ما ببااااااااااالغ لكن ياخ ;) ;)

ربما هو قد قال بعض الحقائق التي يمكنني أن أتوافق معها بيد أنه وقد ( ذاد الحبة حبتين ياخ )

ثُمَّ إنو ما مشتاقين ليك يا زول .. ولا شنو ؟؟

imported_إسماعيل حميم
28-11-2011, 08:23 PM
.



يا حبيب

ممكن تفتح لينا طاقة في الغرفة الداخل فيها دي ؟؟

إن شاء الله . . . . . وصّل سلك يا ااخ



.

imported_مهند الخطيب
28-11-2011, 09:58 PM
الرجل يملؤني ببعض أشيائه حقاً...

اللاانتماء هو في ذاته الكلية انتماء لغير مطروق ،،، او كما قال كانط ....

ما أدراك أني حقَّقت؟ لكي تعرف أني حققت يجب أن تكون قد حقَّقت أنت أيضاً. إن هذا ليس مجرد جواب فَطِن. فحتى تعرف شيئاً يجب أن تكون منه. يجب أن تكون أنت أيضاً قد اختبرت الأمر ولهذا فإن قولك إنني حققتُ عديم المعنى كما يلوح لي. ماذا يهم إن كنت حققت أو لم أحقق؟ أليس ما أقول هو الحقيقة؟ حتى إذا كنتُ أكمل البشر، إذا كان ما أقول ليس الحقيقة لماذا تستمع إليَّ حتى؟ إن تحقيقي بالتأكيد لا علاقة له البتة بما أقول والإنسان الذي يعبد سواه لأن ذلك الآخر قد حقق يعبد في الواقع السلطة وبالتالي لن يستطيع أن يجد الحقيقة أبداً. إن فهم ما تم تحقيقه ومعرفة ذاك الذي حقق ليسا من الأهمية في شيء، أليس كذلك؟

أعرف أن المنقول برمَّته يقول: "صاحِبْ رجلاً حقَّق." كيف لك أن تعرف أنه حقق؟ كل ما تستطيع أن تفعل هو مصاحبته، وحتى هذا صعب جداً في أيامنا هذه. هناك قلة نادرة من الناس الأخيار بالمعنى الحقيقي للكلمة – أناس لا يبحثون عن شيء، لا يسعون إلى شيء. إن أولئك الذين يبحثون عن شيء أو يسعون إلى شيء مستغِلون لذا فمن العسير على المرء أن يعثر على صاحب يحبه.

نحن نحوِّل الذين حققوا إلى مثال ونأمل أنهم سيعطوننا شيئاً، وهي علاقة زائفة. كيف للإنسان الذي حقق أن يتواصل إذا لم تكن ثمة محبة؟ تلكم هي صعوبتنا. في كل محادثاتنا لا يحب أحدنا الآخر حقاً؛ نحن شكاكون. أنت تريد شيئاً مني، المعرفة، التحقيق، أو تريد صحبتي، وكل ذلك يشير إلى أنك لا تحب. أنت تريد شيئاً ولهذا تخرج للاستغلال. إذا كنا نحب واحدنا الآخر حقاً يكون حينئذٍ تواصل فوري. حينئذٍ لا يهمُّ فيما إذا كنتَ قد حققتَ وأنا لم أحقق، إذا كنت أنت الرفيع أو الوضيع. فبما أن قلبينا ذاويان فقد صار الله مهول الأهمية. أي أنك تريد أن تعرف الله لأنك فقدت الأغنية في قلبك وتطارد المغنِّي وتسأله فيما إذا كان يستطيع أن يلقِّنك الغناء. إنه يستطيع أن يلقِّنك الفن لكن الفن لن يقودك إلى الإبداع. إنك لا تستطيع أن تكون موسيقياً بمجرد معرفة كيفية الغناء. إنك قد تتقن جميع خطوات رقصة ما لكنْ إذا خلا قلبك من الإبداع فأنت تعمل كالآلة فقط. إنك لا تستطيع أن تحب إذا كان غرضك مجرد بلوغ نتيجة. ليس ثمة شيء من نحو المثال لأن ذاك مجرد إنجاز. الجمال ليس إنجازاً، إنه الحق، الآن، وليس غداً. إذا كان ثمة محبة فستفهم المجهول، وستعرف ما هو الله ولا حاجة لك إلى سواك ليخبرك – وذلك هو جمال المحبة. إنه الأبدية نفسها. ولأنه لا توجد محبة، نريد شخصاً آخر، أو الله، لكي يعطينا إياها. لو كنا نحب حقاً، هل تعرفون أي عالم مختلف كان يمكن لهذا العالم أن يكون؟ ينبغي أن نكون حقاً أناساً سعداء. لذا يجب علينا ألا نستثمر سعادتنا في الأشياء، في الناس، في المثل. ينبغي أن نكون سعداء حقاً وبالتالي لا ينبغي للأشياء وللناس وللمثل أن تسيطر على حياتنا. إنها كلها أشياء ثانوية. ولأننا لا نحب ولأننا لسنا سعداء نستثمر في الأشياء، معتقدين أنها ستمنحنا السعادة، وإحدى الأشياء التي نستثمر فيها هي الله.

تريدني أن أخبرك ما هو الحق. هل للاموصوف أن يصاغ في كلمات؟ هل يمكنك أن تقيس شيئاً لا يقاس؟ هل تستطيع أن تمسك بالريح في قبضتك؟ وإذا استطعت، فهل هذه هي الريح؟ إذا قست ما لا يقاس، فهل ذلك هو الحق؟ إذا صغته، هل هو الحق؟ بالتأكيد لا، لأنك لحظة تصف شيئاً لا يوصف، يكف أن يكون الحق. لحظة تترجم ما لا يُعلَم إلى المعلوم فإنه يكف أن يكون ما لا يُعلَم. مع ذلك هذا هو ما نلهث وراءه. نحن نريد طوال الوقت أن نعرف، لأننا حينئذٍ نتمكن من الاستمرار، حينئذٍ نتمكن – هكذا نظن – من القبض على السعادة والديمومة النهائيتين. نريد أن نعرف لأننا لسنا سعداء، لأننا نكافح ببؤس، لأننا مهترؤون، منحطون. مع ذلك، على الرغم من إدراك الواقع البسيط – أننا منحطون، أننا بليدون، منهكون، مضطربون – نريد أن نجتنب ما هو معلوم إلى المجهول، الذي يصير المعلوم من جديد وبالتالي لا نستطيع أن نجد الحق أبداً.

لذا بدلاً من سؤال من حقق الله أو ما هو الله لم لا تعطي انتباهك كاملاً لما هو موجود؟ ستجد إذ ذاك المجهول أو بالحري سيأتي هو إليك. إذا فهمت ما هو المعلوم، ستختبر ذلك الصمت الخارق الذي لا يُحرَّض، لا يُقسَر، ذلك الفراغ المبدع الذي فيه وحده يستطيع الحق أن يلج. إنه لا يستطيع أن يأتي إلى ما يصير، إلى ما يكافح؛ إنه يستطيع أن يأتي فقط إلى ما هو كائن، إلى ما يفهم ما هو موجود. إذ ذاك ستجد أن الحق ليس في المسافة؛ المجهول ليس نائياً؛ إنه في الموجود. وكما أن جواب مسألة كامن في المسألة، كذلك الحق هو في الموجود؛ إذا فهمناه سنعرف الحقيقة.

كريشنا مورتي

imported_مهند الخطيب
29-11-2011, 10:23 AM
مهند يا صديقي .. كيفنك يا الحبوب

وهذا اللا إنتماء ... كنت عاوز أعمل كده قبال فترة لكن لقيتني زي البهظهر مع روحي دي .. ياخي لكن جِدَك الفيلسوف كريشنا ولا كَرِشنا ده ما ببااااااااااالغ لكن ياخ ;) ;)

ربما هو قد قال بعض الحقائق التي يمكنني أن أتوافق معها بيد أنه وقد ( ذاد الحبة حبتين ياخ )

ثُمَّ إنو ما مشتاقين ليك يا زول .. ولا شنو ؟؟

ناصر كيفنك ياخ ؟

الزول ده من ناحية انو ببالغ فهو ببالغ ، لكن الشي العجيب قدرته على القول بنقض فلسفة ابن رشد في عدم تعارض الحقيقتين الأولى والثانية وكذلك حيّد بذكاء بعضا من فلسفات تلامذة ابن رشد (الرشديون الجدد) كسارتر ...
كذلك تعجبني مقاربته لـ كارل يونغ مؤسس علم النفس التحليلي وبرغسون في فكرة (الحدس) .....

بجيك راجع لذهنية اللانتماء الجهجهتك دي تاني ياحبيب ، ابقى طيب ....

imported_مهند الخطيب
29-11-2011, 11:23 AM
.



يا حبيب

ممكن تفتح لينا طاقة في الغرفة الداخل فيها دي ؟؟

إن شاء الله . . . . . وصّل سلك يا ااخ



.

الريس سماعين .......

ياخ كيفنك ياخ ....... سلوكنا مازالت على ماهي علي الا وااااحد منها بس وقع :(

وبرغم كده حنصلك ....

بالجمبة: رايك شنو في كلام الزول ده ؟

imported_مبر محمود
29-11-2011, 01:42 PM
كلما أتى الناس على سيرة كريشنا مورتي- أو الإله كرشنا كما يحلو للبعض أن يسميه- أتذكر أصدقاءنا الجمهوريين! فهم كثيراً ما يتحدثون عنه، يقولون إن "الأستاذ" قد نصحهم بالإطلاع على بعضٍ من أفكاره.
وفي رائي البسيط إن الفيلسوف الهندي كرشنا مورتي هو إمتداد وإبن حلال لفلسفة ترجع جذورها لما قبل الميلاد، وقد أشار الكاتب (الكرشناوي الأخر؟) كولن ويلسن لذلك في أحدى مكاتيبه، فما يقوله كرشنا تجد له أثراً في العديد من الفلسفات القديمة والحديثه على السواء، وفي ظنّي إن مكتوبه المعنوّن بـ"الوصال" هو من أكثر المكاتيب التي تعكس رؤيته للحياة وللوجود.. ومما جاء في بعضه الأتي:
إذا لم تكن في وصال مع أي شيء، فأنت إنسان ميت. عليك أن تكون في وصال مع النهر، مع العصافير، مع الأشجار، مع الضوء المسائي الخارق، مع ضوء الصباح على صفحة الماء؛ عليك أن تكون في وصال مع جارك، مع زوجتك، مع أولادك، مع زوجك. وأعني بالـوصال عدم تدخُّل الماضي، بحيث تنظر إلى كل شيء نظرة طازجة، جديدة، – وتلك هي الطريقة الوحيدة للوصال مع شيء ما، بحيث تموت عن كل شيء من الأمس. وهل هذا ممكن؟ على المرء أن يكتشفه، لا أن يسأل: "كيف لي أن أفعله؟" – فما أحمق هذا السؤال! الناس يسألون دومًا: "كيف لي أن أفعل هذا؟" وهذا يفضح ذهنيتهم: تراهم لم يفهموا، لكنهم يريدون أن يتوصلوا إلى نتيجة وحسب.

وإذن، فأنا أسألك إنْ كنت على صلة أصلاً مع أي شيء، وإنْ كنت على صلة أصلاً مع ذاتك – لا مع "ذاتك العليا" و"ذاتك الدنيا" وسائر التقسيمات التي لا عدَّ لها والتي اختلقها الإنسان للتهرب من الواقع. وعليك أن تكتشف – لا أن تلقَّن كيف تتوصل إلى هذا الفعل الكلي. إذ ليس هناك "كيف"، ليس هناك منهج، ليس هناك مذهب؛ لا يمكن تلقينك. عليك أن تعمل في سبيله. آسف، لا أقصد تلك الكلمة: عمل؛ فالناس يعشقون العمل – وذاك واحد من هواجسنا: أننا يجب أن نعمل للتوصل إلى شيء. إنك لا تستطيع أن تعمل؛ فحين تكون في حال وصال، ليس هناك عمل: الأمر حاضر؛ العطر حاضر، وليس عليك أن تعمل.

اسألْ نفسك إذن – إذا أجزت لي أن أطلب منك – لتكتشف بنفسك إنْ كنت في وصال مع أي شيء، إنْ كنت في وصال مع شجرة. هل اتفق لك يومًا أن تكون في وصال مع شجرة؟ هل تعرف ما معنى أن تنظر إلى شجرة، خالي البال من أية فكرة، من أية ذاكرة تتدخل في رصدك، – بشعورك، بحساسيتك، بحال انتباهك المرهفة، – بحيث لا توجد إلا الشجرة فقط، لا أنت الناظر إلى تلك الشجرة؟ أغلب الظن أنك لم تفعل هذا قط، لأن الشجرة بنظرك لا معنى لها. جمال الشجرة لا مدلول له عندك بتاتًا، لأن الجمال بنظرك يعني الجنس فقط. لذا فقد أغلقت بابك دون الشجرة، دون الطبيعة، النهر، الناس. وأنت لست على صلة مع أي شيء، ولا حتى مع نفسك. أنت على صلة مع أفكارك أنت، مع كلماتك أنت، شأنك شأن إنسان على صلة مع الرماد. أتراك تعلم ما يحدث حين تكون على صلة مع مجرد رماد؟ تكون ميتًا، تكون محترقًا عن آخرك.

وإذن فإن أول شيء لا بدَّ لك من إدراكه هو أن عليك أن تكتشف ما هو الفعل الكلي الذي لن يفتعل تناقضًا على أي مستوى من مستويات وجودك، ما هو أن تكون في وصال، وصال مع ذاتك، – لا مع الذات العليا، لا مع الآتمن [الذات الكلية]، أو مع إله، إلى ما هنالك، – بل أن تكون فعليًّا على صلة مع نفسك، – مع طمعك، حسدك، طموحك، وحشيتك، مخادعتك؛ – ومن ثم من هناك تنطلق. عندئذ ستكتشف بنفسك - تكتشف، ولا تلقَّن، فذلك لا معنى له – أن هناك فعلاً كليًّا فقط حين يكون صمتٌ ذهنيٌّ تامٌّ ينطلق منه الفعل.

في حالة غالبيتنا، كما تعلم، الذهن صاخب، لا ينفك أبدًا يثرثر مع نفسه، يناجي نفسه أو يلغو حول شيء ما، أو يحاول أن يكلِّم نفسه، أن يقنع نفسه بشيء ما؛ إنه دومًا متحرك، صاخب. ومن ذلك الصخب، نفعل. أيُّ فعل وليد الصخب ينتج المزيد من الصخب، المزيد من البلبلة. لكنك إذا رصدت وتعلمت ما هو معنى التواصل، صعوبة التواصل، عدم حشو الذهن بالألفاظ، – أن ذاك [الذهن] هو ما يتصل ويتلقى الاتصال، – إذ ذاك، بما أن الحياة حركة، ستراك، في فعلك، تتحرك قُدُمًا حركة طبيعية، حرة، سهلة، من غير أي جهد، نحو حال الوصال تلك. وفي حال الوصال تلك – إذا تقصيت تقصيًا أعمق – ستجد أنك لست في وصال مع الطبيعة، مع العالم، مع كل شيء من حولك وحسب، بل في وصال مع ذاتك أيضًا.

الوصال مع ذاتك يعني الصمت التام، بحيث إن الذهن يمكن له أن يكون في وصال صامت مع نفسه حول كل شيء. ومن هناك، يوجد فعل كلي. فمن الفراغ فقط ينبع الفعل الذي هو كلي وخلاق.


تحيّاتي يا مهنّد، هذه المداخلة بمثابة (قولة خير) وسأتيك لاحقاً بمزيد من الونسه..كن أبداً بخير.

النور يوسف محمد
29-11-2011, 02:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

سلام يا مهند ..
وككل الفلاسفه ـ فى بحثهم عن السعادة ـ يرسلون إشاراتهم بذكاء ..
ويحملونك برفق على السير فى حقل ألغام ..
القول بأن تكون ذاتك وأن تحتفظ بــ ( ممر ) بينك وبينهم فيه دهاء ..
وقريب من هذا تحدث ( أوشو ) فى تأملاته الى تدعو الى المحبة ..

تحيات ..

imported_مهند الخطيب
29-11-2011, 09:05 PM
العزيز مبر.....

نتفق كثيرا - مما أراه في مداخلتك - ولكني أرى في اختزال تجربة المعلم جدو كريشنا مورتي- في الوصال ضيما ولو من باب رؤيته العميقة للحياة والوجود ....
انظر ياصديق الى صياغته لفلسفة الوجود الثيوصوفي في ترانيمه الست:


الترنيمة الأولى :

كما تختبئ الألوهية في زهرة , هكذا يقطن حبيبي في نفسي .

و كما يسكن الرعد في الجبال هكذا حبيبي هو في قلبي .

كصياح الطير في الغابة الساكنة هكذا ملأني صوت حبيبي .

جميل كالصبح , بهي كالقمر . هو حبي لحبيبي .

كما تنحدر الشمس وراء الجبال القانية و بين السحب الكبيرة و رياح الصبا التي تهمس في الأشجار هكذا نزل في ذاتي حبيبي . في سبيل مجد قلبي في سبيل مجد روحي .

كما يهتدي الإنسان في الليلة الظلماء بالنجوم البعيدة هكذا يرشدني حبيبي فوق أمواج الحياة .

حقاً إني قد فتشت عن حبيبي فوجدته قائماً في قلبي , إن حبيبي ينظر بعيني لأننا أصبحنا الآن حبيبي و أنا كائناً واحداً .

أضحك معه و ألعب معه .

إن هذا الظلال ليس ظلالي , هو ظلال قلب الحبيب لأننا أصبحنا الآن حبيبي و أنا كائناً واحداً .






الترنيمة الثانية :

يا حبيبي أنت الخلاص و أنت منتهى كل أمل و أنت تتميم مشيئة الحب .

و يا حبيبي أنت جمال الحقيقة الذي لا يزول أنت تحقق كل فكرة أنت زهر كل ورع .

و يا حبيبي و يا حبي إن الشمس هي وراء التلال الأرجوانية و أنا كالنجمة المنفردة وقفت أتعبدك .

أنت و أنا قد تلاقينا يا حبيبي ألست أنت ذاتي ؟ ألست أنت أريج قلبي الفواح ؟

أنا حبيبك و أنت هو حبيبي أنت رفيقي لم تتخلف عني جيلاً بعد جيل أنا ظلالك في حديقة الأزل .

الترنيمة الثالثة :



قُدر لي يا صديقي أن أبصر وجه الحبيب , ابتسامته قد غمرت قلبي كما أن مياه الأنهار تغني و تفرح باستمرار هكذا يا صديقي تغتبط نفسي في ضياء حبّه الساطع .

كما تبدو أعالي الجبال في مغيب الشمس كأنها ترتفع مبتهجة هانئة فوق الأرض و قد بدأ يخيم عليها الظلام هكذا يا صديقي جعلتني رؤية حبيبي نقياً صافياً هانئاً .

كما ترتفع السحابة السوداء فتزيح النقاب عن وجه الجبال الضاحك هكذا يا صديقي توارى ظل الحياة عندما اقترب الحبيب .

كما تبدد حرارة النهار ضباب الصباح هكذا يا صديقي ضمني حبيبي إليه مبدداً فيَّ شعور الفراغ .

كالوادي العميق الراقد في فيء الجبل أستريح يا صديقي في ظل يد حبيبي .

كوردة تنمو حولها الأشواك هكذا أنا قائم يا صديقي بين الأشياء التي تمر و تزول .

كما يتكون مجد اليوم من ظلمة الليل , و من ضياء النهار هكذا يا صديقي تكوَّن مجدي .

كالمطر ينهمر غزيراً فيغمر الأنهر هكذا يا صديقي أثقلني حبيبي و غمرني بحبه .

لقد انتظرت الأجيال هذه الساعة ساعة تلاقيت مع حبيبي .

الترنيمة الرابعة :

منذ أن لقيتك يا حبيبي ما عدت أعرف الوحدة أنا غريب بين جميع الشعوب و في كل بلد من بلدان العالم لكنني أشعر بين جمهرة المجهولين كأنه يغمرني بكليتي عبق الياسمين .هم يحيطون بي و لكني لا أعرف الوحدة .

أبكي على هؤلاء المجهولين كم هم موحودون في وحدتهم العظيمة يغمرهم الخوف فيستصرخون أناساً موحودين مثلهم في نفوسهم .

أنا المدعو إلى مائدة هذا العالم عالم الأشياء و الكائنات الفانية أصبحت منعتقاً من جميع القيود لا أنتسب إلى وطن و لا توقفني حدود .

و يا صديقي أبكي عليك . إنك تحفر عميقاً أساساتك و لكن ها إن بيتك يتهدم في الصباح .

و يا صديقي أنهض معي و تعال لنسكن منزل حبيبي إنك تهيم على وجه البسيطة و لا تملك شيئاً و لكنهم سيستقبلونك كما يستقبلون الربيع البهيج لأنك تصطحب رفيق الجميع معك .

و يا صديقي اجعل إقامتك قربي فقد أصبح حبيبي و أنا كائناً واحداً .


الترنيمة الخامسة :

كالجدول الذي يزداد قوة في سفره الطويل فيحيي السهول المقفرة و الأشجار الكبيرة المنحنية و يرقص طول الطريق حتى يبلغ البحار الواسعة و يدرك التحرر هكذا توحدت فيك .

كان السفر طويلاً على طريق الزمن المجهولة حيث كانت تبعث من أصغر أفنان الشجر ألحان تتمدد و تتجسم كخرير المياه و حيث كانت أصغر بركة ماء تعكس مجد السموات فيتصور مجد السموات في ركودها الآسن و حيث أي زاوية هادئة تنقلها رائحة الموت .

لقد كافحت زمناً طويلاً و سبحت في تيار المياه الجارف و أكثر من مرة بعد أن خارت قواي رُميت على ضفاف الزمن التي تغطيها الصخور .

سئمت كل اختبار جديد على أني استمد قوتي من السأم ذاته فأسرع في سعيي إلى المكان الذي فيه تتلاقى المياه الحرة في زمجرة داوية بالسواقي الخفية .

لقد تحررت من الزمن و أضحيت لا تشملني محدوديات المكان فأصبحت شبيهاً بقطرة الندى التي تنشأ منها البحار الواسعة .

آه إن حشيشة اللوتس يملأ مجدها شمس الصباح الطالعة و إني أفتح قلبي لك يا حبيبي .

الترنيمة السادسة :

كما ترتعش في ريح الصبا ورقة الحور كذلك يرقص قلبي و يخفق حباً لك , كما تتلاقى السواقي المنحدرة من الجبال في الصخب و في الفرح كذلك يا حبيبي تلاقينا .

كما تشتعل قمم الجبال عند غروب الشمس فتهيج حنين الوادي هكذا تسربل كياني بالمجد .

كما تسكن أصوات الوادي في غسق المساء هكذا أدخلت إلى نفسي السكون و السلام .

إن قلبي تملؤه محبة ألف جيل و عيوني تتطلع إليك .

كما تزين الكواكب الليل كذلك وهبت نفسي الجمال . لقد توصلت إلى السكون الصافي الهانئ سكون الصورة المنحوتة كالبزرة التي تصبح شجرة متطاولة باسقة فتحتضن ألف طير فرخ و تظل بفيئها المسافر المتعب هكذا كبرت نفسي في حركة سعي إليك .

كما ينصبّ النهر العظيم في البحار هكذا مشيت إليك و نفسي غنية من السفر الطويل غنية بخبرة الأجيال .

و يا حبيبي كما يمتزج الندى بالعصارة التي تغذي الزهرة كذلك أصبحنا أنا و أنت الآن واحداً .

و يا حبيبي لن تكون فرقة بيننا فيما بعد و لا عزلة و لا هموم و لا كفاح . حيث توجهت أحمل مجد حضورك لأنك أنت و أنا واحد يا حبيبي .

كريشنا مورتي

فلنسرح ونمرح هنا قليلا علّنا نُجَن....!

imported_مهند الخطيب
30-11-2011, 08:26 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

سلام يا مهند ..
وككل الفلاسفه ـ فى بحثهم عن السعادة ـ يرسلون إشاراتهم بذكاء ..
ويحملونك برفق على السير فى حقل ألغام ..
القول بأن تكون ذاتك وأن تحتفظ بــ ( ممر ) بينك وبينهم فيه دهاء ..
وقريب من هذا تحدث ( أوشو ) فى تأملاته الى تدعو الى المحبة ..

تحيات ..

حاج النور كيفنك ؟ عساك طيب...

مايلهمني في هذا المعلم حقا هو يقينيته في اللامتيقن* ، هو ولا شك ذكي ليستطيع فعل ذلك ،،
ربما نجد ذاتنا عبر هؤلاء الفلاسفة وربما لا ، ولكنّا في كل الاحوال سنصيب جديدا ان تمعنا فسيفساء الطريق ...

لك تحياتي ومودتي يانور .......


___________________
*انظر الى يقينه في لا متيقن في المقطع التالي...

imported_بله محمد الفاضل
30-11-2011, 10:04 AM
الرجل يملؤني ببعض أشيائه حقاً...

اللاانتماء هو في ذاته الكلية انتماء لغير مطروق ،،، او كما قال كانط ....
. ليس ثمة شيء
كريشنا مورتي

رغم أني وجدك هذا اتفقنا في أنه (ليس ثمة شيء) إلا أني من المُسلِّمين وسأظل


تحياتي ومحبتي لك يا ابن ابن كريشنا
ونتابع باهتمام بالغ
فمن جعبة جدك نترقب مطراً ظليلا

imported_مهند الخطيب
30-11-2011, 10:46 AM
رغم أني وجدك هذا اتفقنا في أنه (ليس ثمة شيء) إلا أني من المُسلِّمين وسأظل


تحياتي ومحبتي لك يا ابن ابن كريشنا
ونتابع باهتمام بالغ
فمن جعبة جدك نترقب مطراً ظليلا

العزيز بلة ....

الرجل مغدق بحق ، ومابين تسليمك المطلق وممر النور يوسف المحاط بالألغام عوالم ا نكنهها مالم نشعل هذا الذهن....

سأتركك أنت والنور لتقرءا حواريته الثُمانيّة وأعود ببعض تعليقات ....

imported_مهند الخطيب
30-11-2011, 10:51 AM
الحوارات الثمانية:

السائل: ليتني أجد نفسي، فجأة، في عالم مختلف تمامًا، رفيع الذكاء، سعيد، ذي حسٍّ عظيم بالمحبة. أود أن أكون على الشاطئ الآخر من النهر، لا أن أضطر إلى قطع طريقي جاهدًا، سائلاً الخبراء أن يدلوني على الطريق. لقد جُبْتُ العديد من أنحاء العالم المختلفة، ونظرت إلى مساعي الإنسان في مختلف مجالات الحياة. لا شيء جذبني إلا الدين. وإني مستعد لأن أفعل أي شيء للوصول إلى الشاطئ الآخر، للدخول إلى بُعد جديد ورؤية كل شيء كما لو للمرة الأولى بعينين صافيتين. أشعر شعورًا قويًّا جدًّا بأنه لا بدَّ من وجود اختراق مفاجئ لكل بهرجة الحياة هذه – لا بدَّ من وجوده!
حين كنتُ في الهند مؤخرًا، سمعتُ جرس معبد يرن، وكان له أثرٌ عجيب علي. شعرت فجأة بإحساس خارق بالوحدة والجمال كما لم أشعر به من قبل. كان حدوث الأمر من المفاجأة بحيث إنه أصابني بالدوار؛ وكان حقًّا، وليس من قبيل الشطح أو الوهم. ثم جاءني دليلٌ وسألني إنْ كان يستطيع أن يريني المعابد، وفي تلك اللحظة عدت إلى عالم الضجيج والابتذال من جديد. أريد أن أقبض عليه مرة أخرى، لكنه بالطبع، كما تقول، مجرد ذاكرة ميتة، ومن ثَمَّ لا قيمة له. فماذا أستطيع أن أفعل، أو لا أفعل، كي أصل إلى الشاطئ الآخر؟

كريشنامورتي: ما من طريق إلى الشاطئ الآخر. ما من عمل، ما من سلوك، ما من وصفة جاهزة تفتح الباب إلى الآخر. ليس الأمر سيرورة تطورية؛ إنه ليس نهاية طريقة؛ مُحالٌ شراؤه أو منحُه أو دعوتُه. إذا كان هذا واضحًا، إذا نسي الذهن نفسه ولم يعد يقول “الضفة الأخرى” أو “هذه الضفة”، إذا توقف الذهن عن تلمُّس طريقه والتفتيش، إذا كان هناك فراغ ومساحة تامَّان في الذهن نفسه، إذ ذاك، وإذ ذاك فقط، يكون هناك.

السائل: أفهم ما تقول لفظيًّا، لكني لا أستطيع الكف عن التلمُّس والحنين، لأني في أعماق سريرتي لا أؤمن بأنه ما من طريق، ما من طريقة، ما من عمل سوف ينقلني إلى الشاطئ الآخر.

كريشنامورتي: ماذا تعني بقولك “لا أؤمن بأنه ما من طريق؟” هل تعني أن معلِّمًا سوف يأخذ بيدك ويحملك إلى هناك؟

السائل: لا. غير أني آمل بأن أحدهم ممن يفهمون سوف يدل عليه مباشرة، لأنه لا بدَّ أن يكون موجودًا فعليًّا طوال الوقت، بما أنه حق.

كريشنامورتي: هذا كله قطعًا من قبيل الافتراض. لقد حصل لك ذاك الشعور المفاجئ بالحق حين سمعتَ جرس المعبد، لكن تلك ذاكرة، كما قلتَ، ومنها أنت تستنتج بأنه لا بدَّ أن يكون موجودًا دومًا لأنه حق. الحق شيء عجيب؛ إنه يكون موجودًا حين لا تنظر؛ لكنك حين تنظر جَشِعًا فإن ما تقبض عليه هو نفاية جشعك، وليس الحق. الحق شيء حي ولا يمكن القبض عليه، ولا يمكن لك أن تقول إنه دومًا موجود. هناك درب فقط إلى ما هو مستتب، إلى نقطة ثابتة، ساكنة. أما الشيء الحي، المتحرك على الدوام، الشيء الذي ليس له مكان يستقر فيه، فكيف يمكن أن يوجد دليل أو درب إليه؟ الذهن من التلهف إلى بلوغه، إلى القبض عليه، بحيث إنه يجعله شيئًا ميتًا. وإذن، هل تستطيع أن تنحِّي ذاكرة تلك الحالة التي حصلت لك؟ هل تستطيع أن تنحِّي المعلم، الدرب، الغاية، أن تنحِّيها تنحية تامة، بحيث يفرغ ذهنك من هذا السعي كله؟ إن ذهنك في الوقت الحاضر من الانشغال بهذا الطلب الغامر بحيث إن هذا الانشغال بالذات يصير عائقًا. أنت تطلب، تسأل، تتوق إلى السير على الشاطئ الآخر. الشاطئ الآخر يقتضي وجود هذا الشاطئ، ومن هذا الشاطئ، للوصول إلى الشاطئ الآخر، هناك مكان وزمن. وهذا ما يكبحك ويجلب عليك هذا التوق الموجع إلى الشاطئ الآخر. وتلك هي المشكلة الحقيقية – الزمن الذي يجزِّئ، المكان الذي يفصل، الزمن الضروري للوصول إلى هناك، والمكان الذي هو المسافة بين هذا وذاك. هذا يريد أن يصير ذاك، فيجده غير ممكن بسبب المسافة والزمن المطلوب لقطع تلك المسافة. وفي هذا لا توجد المقارنة وحسب، بل القياس أيضًا، وذهن قادر على القياس ذهن قادر على الوهم أيضًا. هذا التقسيم للمكان والزمن بين هذا وذاك هو طريق الذهن، الذي هو الفكر. حين توجد المحبة، كما تعلم، يختفي المكان ويختفي الزمن. فقط حين يتدخل الفكر والرغبة توجد هوة زمنية لا بدَّ من ردمها. حين ترى هذا، يكون هذا هو ذاك.

السائل: لكني لا أراه. أشعر بأن ما تقوله صحيح، لكنه يتملص مني.

كريشنامورتي: سيدي، أنت شديد نفاد الصبر، وفي نفاد صبرك هذا تكمن عدوانيته نفسها. أنت تهاجم، تجزم. لستَ هادئًا لتنظر، لتسمع، لتشعر بعمق. تريد الوصول إلى الشاطئ الآخر بأي ثمن، فتسبح سباحة مسعورة، غير عالم أين يوجد الشاطئ الآخر. الشاطئ الآخر قد يكون هذا الشاطئ، وإذن فأنت تسبح مبتعدًا عنه. إذا أجزت لي أن أقترح، كفَّ عن السباحة. وهذا لا يعني أنك يجب أن تصير بليدًا، فتعيش عيشة خاملة ولا تفعل شيئًا، بل بالحري أنك يجب أن تكون منفعل الإدراك من غير أي اختيار، مهما كان، ولا قياس. ثم انظر ما يحدث. قد لا يحدث شيء، لكنك إذا كنت تتوقع من ذلك الجرس أن يرن مرة أخرى، إذا كنت تتوقع عودة ذلك الشعور والبهجة كلهما، فأنت تسبح في الاتجاه المعاكس. الهدوء يتطلب طاقة عظيمة؛ والسباحة تبدِّد تلك الطاقة. وأنت في حاجة إلى طاقتك كلها لصمت الذهن، وفقط في الفراغ، في الفراغ التام، يمكن لشيء جديد أن يكون.


السائل: لدى الناس المتدينين المزعومين جميعًا شيءٌ ما يشتركون فيه، وأرى هذا الشيء نفسه عند معظم الناس القادمين للاستماع إليك. إنهم جميعًا يفتشون عن شيء ما يسمونه بأسماء متنوعة: نيرڤانا، التحرر، الاستنارة، تحقيق الذات، الأبدية، أو الله. هدفهم معين سلفًا، يضعونه نُصْبَ أعينهم في تعاليم مختلفة، ولكلٍّ من هذه التعاليم، من هذه الطرق، مجموعته من الكتب المقدسة، مناهجه، معلِّموه، أخلاقياته، فلسفته، وعوده ووعيده – درب مستقيم ضيق يستبعد باقي العالم ويَعِدُ عند آخره بفردوس ما أو سواه. غالبية هؤلاء الطالبين يتنقلون من طريقة لأخرى، مبدِّلين آخر تعليم بالتعليم الذي تخلوا عنه مؤخرًا؛ يتنقلون من عربدة عاطفية إلى أخرى، غير متبصرين بأن العملية نفسها جارية في هذا البحث كله. بعضهم يبقى ضمن طريقة واحدة مع مجموعة بعينها ويرفض التزحزح؛ وبعضهم الآخر يحسب في آخر المطاف أنه حقق ما كان يريد تحقيقه، ومن ثم يصرف أيامه في غبطة منقطعة ما، مستدرجًا بدوره مجموعة تلامذة يبدءون الدورة برمتها من جديد. وفي هذا كله، نجد الجشع القسري لبلوغ تحقيق ما، وغالبًا، خيبة الإخفاق وإحباطه المريرين. هذا كله يبدو لي غير صحي للغاية. هؤلاء الناس يضحُّون بالعيش العادي في سبيل هدف متخيَّل ما، وهناك شعور كريه للغاية ينبعث من هذا النوع من الأوساط: تعصُّب، هستيريا، عنف، وغباء. ويندهش المرء حين يجد بينهم بعض الكتاب الجيدين الذين يبدون فيما عدا ذلك سليمي العقل نسبيًّا. هذا كله يسمى دينًا؛ والأمر كله يفوح منه النتن حتى السماء العليا! هذا هو بخور التقوى؛ ولقد رصدته في كل مكان. هذا البحث عن الاستنارة يسبب خرابًا هائلاً، والناس يضحَّى بهم في أعقابه. والآن أود أن أسألك: هل يوجد في الواقع شيء ما كالاستنارة، وإذا كان يوجد، ما هو؟

كريشنامورتي: إذا كان هروبًا من العيش اليومي – العيش اليومي بوصفه الحركة الخارقة للعلاقة – عندئذ فإن هذا التحقيق المزعوم، هذه الاستنارة المزعومة، أو أي اسم تود أن تطلقه عليه، هو وهم ونفاق. كل ما ينفي المحبة وفهم الحياة والعمل يؤدي لا محالة إلى إيقاع قدر كبير من الأذى. إنه يشوِّه الذهن، والحياة تغدو قضية مروِّعة. فإذا اتخذنا ذلك كمسلَّمة عندئذ قد نستطيع، ربما، أن نتابع لنكتشف فيما إذا كان يمكن للاستنارة – مهما يكن معناها – أن توجد في فعل العيش بذاته. فالعيش، في النهاية، أهم من أي فكرة أو هدف مثالي أو مبدأ. فلأننا لا نعرف ما هو العيش ترانا نخترع هذه المفاهيم الرؤيوية وغير الواقعية التي تتيح لنا الفرار. المسألة الحقيقية هي: هل يستطيع المرء أن يجد الاستنارة في العيش، في نشاطات الحياة اليومية، أم أن الأمر مخصص فقط للقلة الموهوبين قدرةً ما خارقةً على اكتشاف هذه الغبطة؟ الاستنارة تعني أن يكون المرء نورًا لذاته، لكنه نور ليس ذاتيَّ الإسقاط ولا متخيَّلاً، ليس مزاجيةً شخصيةً ما. ثم إن هذا مافتئ أبدًا تعليم الدين الصحيح، وإنْ لم يكن تعليم الاعتقاد والخوف المنظَّمين.

السائل: تقول تعليم الدين الصحيح! هذا على الفور يخلق معسكر المحترفين والاختصاصيين في مقابل باقي العالم. فهل تعني، إذن، أن الدين منفصل عن الحياة؟
كريشنامورتي: الدين ليس منفصلاً عن الحياة؛ إنه، بالعكس، الحياة ذاتها. إن هذا التفريق بين الدين والحياة هو الذي ولَّد هذا البؤس كله الذي تتحدث عنه. وهذا يعيدنا، إذن، إلى السؤال الأساسي حول إمكانية العيش في الحياة اليومية في حالة دعنا نسمِّها، مؤقتًا، الاستنارة.

السائل: مازلت لا أعلم ما تعنيه بالاستنارة.

كريشنامورتي: حالة نفي. النفي هو الفعل الأكثر إيجابية، لا الجزم الإيجابي. هذا أمر هام للغاية لا بدَّ من فهمه. أغلبنا يقبل العقيدة الإيجابية، يقبل معتقَدًا إيجابيًّا بسهولة بالغة، لأننا نريد أن نكون آمنين، أن ننتمي، أن نتعلق، أن نتكل. الموقف الإيجابي يجزِّئ ويجلب الثنائية. وعندئذ يبدأ النزاع بين هذا الموقف وبين الآخرين. لكن نفي جميع القيم، جميع الأخلاقيات، جميع المعتقدات، بما أنه من غير حدود، فهو لا يمكن له أن يتعارض مع أي شيء. العبارة الإيجابية، من حيث تعريفها نفسه، تفصل، والفصل مقاومة. ونحن معتادون على هذا؛ هذا هو إشراطنا. إنكار هذا كله ليس منافيًا للأخلاق، بل إنكار كل تجزئة ومقاومة هو، بالعكس، ذروة الأخلاق. نفي كل ما اخترعه الإنسان، نفي قيمه وأخلاقه وآلهته جميعًا، هو أن تكون في حالة ذهنية لا ثنائية فيها، وبالتالي، لا مقاومة ولا نزاع بين الأضداد. ففي هذه الحالة لا توجد أضداد، وهذه الحالة ليست نقيض أي شيء آخر.

السائل: فكيف لنا أن نعرف ما هو الخير وما هو الشر؟ أم أنه لا يوجد خير وشر أصلاً؟ ماذا يحول بيني وبين الجريمة أو حتى القتل؟ إذا لم تكن عندي معايير، ماذا يحول بيني وبين يعلم الله أية ضلالات؟
كريشنامورتي: نفي هذا كله هو نفي المرء ذاتَه، والذات هي الكيان المشروط الذي يسعى سعيًا مستمرًّا إلى خير مشروط. يبدو النفي بنظر غالبيتنا وكأنه خواء لأننا لا نعرف النشاط إلا في سجن إشراطنا وخوفنا وبؤسنا. وانطلاقًا من ذلك، ننظر إلى النفي ونتخيل أنه حالة رهيبة ما من النسيان أو الفراغ. فبنظر الإنسان الذي نفى جميع إثباتات المجتمع والدين والثقافة والأخلاقيات، الإنسانُ الذي لا يزال قابعًا في سجن التبعية الاجتماعية هو إنسان شقي. النفي هو حالة استنارة فاعلة في جميع نشاطات إنسان قد تحرَّر من الماضي. فالماضي، بتقليده ومرجعيته، هو الذي يجب نفيُه. النفي حرية، والإنسان الحر هو الذي يحيا ويحب ويعرف ما معنى أن يموت.

السائل: هذا القدر واضح؛ لكنك لا تقول شيئًا عن أي إشعار بالمتعالي، بالإلهي، أو ما تشاء أن تطلق عليه من الأسماء.

كريشنامورتي: الإشعار بذاك لا يمكن له أن يوجد إلا في الحرية، وأي تصريح عنه إنما هو إنكار للحرية؛ أي تصريح عنه يصير تبليغًا لفظيًّا عديم المعنى. إنه موجود، لكنْ لا يمكن العثور عليه أو دعوته، ولا بالأحرى حبسه في أية طريقة، أو الإيقاع به بأية حيلة ذكية من حيل الذهن. إنه ليس في الكنائس ولا في المعابد ولا في المساجد. ما من درب إليه، ولا معلم، ولا طريقة تستطيع أن تكشف عن جماله؛ وَجْدُه يأتي فقط حين توجد المحبة. هذه هي الاستنارة.

السائل: فهل يجلب أي فهم جديد لطبيعة الكون أو الوعي أو الوجود؟ جميع النصوص الدينية تغص بهذا النوع من الأشياء.

كريشنامورتي: هذا أشبه ما يكون بسؤال المرء عن الضفة الأخرى بينما هو يعيش ويشقى على هذه الضفة. عندما تكون على الضفة الأخرى فأنت كل شيء ولاشيء، ولا تسأل أسئلة كهذه أبدًا. جميع الأسئلة المشابهة مصدرها هذه الضفة وحقًّا لا معنى لها بتاتًا. ابدأ بالعيش، وستجد نفسك هناك من غير سؤال، من غير سعي، من غير خوف.