المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بروفيسور عبدالله الطيب


imported_عبدالله الشقليني
19-05-2020, 03:10 PM
https://www.youtube.com/watch?v=HYh9OpxfaIk&t=2657s

بروفيسور عبدالله الطيب

imported_عبدالله الشقليني
19-05-2020, 03:13 PM
https://www.youtube.com/watch?v=s4u4u4qkZHg

بروفيسور عبدالله الطيب 2

imported_عبدالله الشقليني
19-05-2020, 03:15 PM
https://www.youtube.com/watch?v=0JOFBYf6r9o

بروفيسور عبدالله الطيب 3

imported_عبدالله الشقليني
19-05-2020, 03:26 PM
في حضرة: عبد الله الطيب المجذوب ...

نشر بتاريخ: 16 كانون2/يناير 2010

أهي ( الكرامة الصوفية ) أم أنها محض الصدفة ؟

(1)
" لحظاتنا كلها كرامات ، و ليس هنالك كرامة أفضل من كرامة العلم "
تلك مقولة للشيخ محمد الطيب الحساني .

(2)
" لقد بات واضحاً في مجال المعرفة أن المنتج غير العقلاني يلعب دوراً كبيراً في صنع التاريخ"
تلك مقولة الدكتور محمد أبو الفضل بدران ، في مقدمة سِفره
" أدبيات الكرامة الصوفيةــ دراسة في الشكل و المضمون “.

أهي " الكرامة الصوفية " أم أنها محض الصدفة ؟ .
أدرت المفتاح وفق اتجاه عقارب الساعة ، السيارة من صناعة اليابان ، إنها من أول النماذج التي ارتأت بها منافسة العالم الأول في صناعة السيارات ، " كارينا 76 " .على يميني شمسٌ ،هي زوجتي . في المقعد الخلفي قمرٌ ، هي شقيقتها . هممت بمغادرة الإدارة الهندسية- جامعة الخرطوم ، حيث كنت أعمل أوائل التسعينات . الوقت قبل الثانية و النصف بقليل من بعد الظهيرة . أراه من البُعد يُهرول رافعاً يده : ـ
ـــ عبد الله ... انتظر .


توقفت عن القرار ، فالقادم إلي ، فوق كل القادمين في منزلة الأب و سيد من سادات اللغة ، أحنت البطحاء ظهرها للريح ، و له إكراماً و عرفاناً . انه الذي ساد نفسه ، و سيَّده علمه على غيره : عبد الله الطيب المجذوب .
ــ أهلاً بالبروفيسور .
هممت بإدارة المقبض ، و من ثم النزول .
رد السلام ، وأردف :
ــ لن تتأخر ، دقيقتان ثم ينتهي الأمر، أعدُك بذلك .
ضحكت ، و حسبت الأمر من المزاح ، و قلت في نفسي ساعة أو أقل . إن الزمن يتراخى من تلقاء نفسه ، فقد هجرنا ضبط المواقيت منذ رحيل المستعمر، خطوة بعد خطوة حتى غلب الطبع التطبع . نحنُ نقدر المُربِي حق قدره ، نُلبي النداء، و نسترخص كل غالٍ . إنه معلم الأجيال ، و المبجّل الذي لن نُحصي محاسنه ولا فضله ولا طيب أريحيته . الزمن دون شك بضاعة رخيصة في حضرته المتألقة .
ــ كلها دقيقتان ، سيبقى الجميع في السيارة .
أردف مؤكداً مقالته تلك . قلت لنفسي ، سنطيب خاطره ، ونعمل بالنصيحة . تركت من بالسيارة كما طلب ، و رافقته إلى داخل مباني الإدارة الهندسية . نحنُ نُطّل في ذلك الزمان على شارع الجمهورية ، و هو يجاورنا رئيساً لمجمع اللغة العربية في السودان .
قال :
ــ نرغب أن يحضر رأس الدولة افتتاح مجمع اللغة ، و عند صياغة الدعوة لم أتذكر رقم قطعة الأرض الممنوحة لنا بالقرار الجمهوري ، فقلت في نفسي ، أنتم المصممون و المشرفون على التنفيذ ، عندكم القول الفصل .

الصوت المفخّم ، و النبرة الفريدة . ضحكت ، و دخلنا سوياً مكتب السكرتارية : السيدة فاطمة ، و الآنسة عوضيه ، ثم الباشكاتب . عبرت إلى قائمـة الأرفف حيث الأرشيف. هنا رقــم الملـــف المختـــص " ـ 52 ـ مجمع اللغة العربية ". إنه بسُمك بوصتين ، لكثرة الأوراق و وثائق المناقصة و المواصفات العامة والخاصة و ما يشبه من المستندات الرسمية و الكتب المتبادلة.


حملت الملف، قبل الجلوس على مقعد الباشكاتب ، و أنزلته بعجلة على سطح المكتب ، و تركت الثِقل يفعل فعله ، كمن يريد أن يبدأ البحث من مُطلق الصدفة ، ربما. وقف هو قُبالتي ، وانفتح الملف ، وذهلتْ .....، فالدفتين فُتحتا . كفان يقرآن الفاتحة . وجدتُ عينيّ إلى منتصف الكتاب مُتجهة و أنا أقرأ رقم قطعة الأرض المدون رغما عني و بصوتٍ مسموع ! . أمنيته وقد تحققت.... .لحظة سحرية بحق . لم أتمالك نفسي ، تصببت عرقاً ، و حاولت الوقوف و أنا في سكرة الفجاءة ، ووجدته يهُم الانطــلاق ، فخاطبته مرتبكاً :
ــ هل أكتب لك الرقم ...؟
ــ لا ، لقد حفظته شُكراً لك .
عندها غادر مُسرعاً كمن صُعِق . قبل الصحو من تلك الغيبوبة المدهشة ، كنت قد وصلت السيارة ، منحدراً من علو المدخل ، و كان هو قد اختفى عن الأنظار. الوعـد الذي قطعه على نفسه و قد استوفـــــــــــاه ، " دقيقتين " لا غير . لم أنبس ببنت شفة ، و استغرقني الحدث . أهي الكرامة الصوفية أم أنها محض الصُدفة ؟ . نحن في احتمال واحد في وجه اثني عشر ألف احتمال . أين العلة وأين أحرفها، بل مَنْ العليل و مَنْ الصحيح ؟.
أين البداية وقد صرت إلى الخاتمة ؟ .
أين اللُب من خلف تلك القشرة السميكة ؟ .


حاولت صياغة الحدث ، و إلباسه لباس الواقع ، و لم أجد مفراً من الركض سريعاً إلي الذاكرة المدجّجة بأسلحة الخُرافة . فأنا ابن الزمن القديم و النشأة التي تستنجد بحكاوي التراث وأعاجيب الغيبيات عند الملمات . تختلط عندنا الخُرافة دائماً بالواقع الملموس . تمسح برفق على صفحة الذاكرة ، فتقفز في وجهك النبوءات القديمة ، عندها تستريح فقـــــد و جدت ضالتك . انفتحت الأرض ومن أثقالها خرج رجل من بئر التاريخ ، بدأت كمن لا أعرفه .
من يا ترى هذا الرجل ؟
من يحرك المزلاج عند بوابة المجد العتيقة ؟ .
. من يتجرع كأس الوجود، داني القطوف حتى الثمالة ؟ .
أهذا هو الشيخ العملاق الذي يسكن هذا الجسد الذي أرى ! .
أهذه هي المِشية ، التي يتخفى في جلدتها " التمُساح العُشاري ". كأني به ، يلتحِف بُردة من شَعر الماعز ، و نِعالاً من جلدها . طيفٌ من الزمن الغابر ، يعبُر أمامك ، و تهُمّ الإمساك به ولا تقبُض إلا الريح .
كان حفيد المجذوب جنة نعبُر رياحينها عند كل غروب ، مع الشيخ الصديق نتسمّع شروح الذكر الحكيم من المذياع . يغرف " سيدنا" من مائه العذب و يسقي العامة من الناس .... ألا قد نَعُم بمرقده الثرى..وكل النعيم . أضاءت ثُريّاته الأرض الفسيحة ، فضمّته إلى صدرها الأبدي عشقاً .
من يفلح الأرض من بعده و يزرعها ... يقطُف ثمرة " المجذوب" الدّانية ؟ .

imported_عبدالله الشقليني
19-05-2020, 03:35 PM
حلمٌ برفقة البروفيسور عبد الله الطيب


(1)
كنت في صحبة بعض الأصدقاء ، ومضى الليل بطوله وكان الغد عطلة عامة . شاهدت التلفزة ما وسعني من الليل. قرأت اثنتين من الموضوعات في المساء وكان أحداهما عن رؤى البروفيسور" عبد الله الطيب المجذوب "حول إعجاز القرآن ، قبل أن استسلم للنوم ، ثم جاء الحلم على غير ما كنت أنتظر . وما كنتُ أحسب أن البروفيسور سيصبح بطلاً لحلمي الجديد ، فقد انقضى ما يقارب العقدين من الزمان منذ آخر لقاء لي معه . ومضى الزمان إلى أن هزنا رحيله من الجذوع عام 2003م . تدثرنا حينها بحزن كثيف عندما تساقطت الأفلاك على كوننا الباكي . واغتسلت أعيننا بدمع الملح .وللرب رحماته لعباده و رفقته بالقلوب الحزينة والأكباد المفطورة ، إذ يأتي عليها الدهر يوماً وتعيد التواصل مع من رحلوا ويصبحوا مع بعضهم في السيرة و الصحو وفي الحلم أيضاً .
(2)
وجدت نفسي في الحلم بجواره جالساً بمكتبه. استطعمت ضيافته الودودة بأقل كُلفة ممكنة .قال إن بين يديه مخطوطة للشيخ" تقي الدين بن أحمد بن علي المقريزي" الذي رحل عام 845 هجرية ، وهي محفوظة عنده وأراد أن يكتب عنها بتوسع ويريد رأيي في أمر الإخراج. كانت المخطوطة عن( إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع ). قال لي أيضاً أنه بصدد أن يحقق كتاب " المقريزي" ، وأن يضيف رؤيته حول لغة الكتابة العربية عنده، ما لها وما عليها ، والفروق التي نحتها الزمان في استخدام المفردات . وتحاورنا كثيراً ، رغم أني أعلم أن جوارنا معه في حياته أيام رئاسته لمجمع اللغة العربية ، لم تزد كثيراً عن الحوار معه عن تشابه شعر أحد شعراء المعلقات بآية قرآنية أوضح لنا أمرها في حينه وبعض القضايا العامة الأخرى. فعلاقتنا الوثيقة رغم دفئها ، لا تُخوّل لنا أن نحاوره في علم اختص هو فيه قبل أن نُولَد ، وأشرف طوال حياته على مئات من رسائل الماجستير والدكتوراه في ذات اختصاصه! ، بل أوسع العربية لغة وشعراً وسيرة وتاريخ وقص ودراسات نقدية وكُتب وأسفار وتفاسير للقرآن منذ خمسينات القرن الماضي و محاضرات وبرامج لا يحصرها عدّ . وما كنت أحسب إلا أن أكون من المستمعين إلى البروفيسور " عبد الله الطيب " والمتأملين للروح المُبدعة التي لا يهزها قلق ، وأن أكون ضمن زمرة الشاربين من بحره. كلنا يعلم أن من المشاهدين والمستمعين له جمهرة تفرقت بين الأمم التي تتحدث العربية ، لم يحصها أحد .ولكني وجدت نفسي رغم كل المحاذير في مقام غير الذي عرفته عن نفسي، فالأحلام تصنع العجائب . ففي الحُلم أنه أراد أن يصطفي رأيي ضمن ما أراد ، فهو يتمتع ببراغماتية نيِّرة وتواضع ليس له مثيل . لحظتُها ذات يوم عابر كنت أجالسه لغرض آخر ، واستأنسنا بوجوده وهو يسترسل في السِيَّر. وكان بصحبته تلميذه الشيخ الدكتور " الحبر يوسف "، وكان حينها البروفيسور يستمع لتلميذه يذمّ الأجانب الذين أجملهم تلميذه بالأوروبيين وهو يتحدث عن مكرهم بالأمم المسلمة ، واختلف حينها معه البروفيسور برفق وعدد محاسن الذين سبقونا بالعلم والمعرفة ، وأنه من الصعب أن نكتفي بصفة الكفر لإلغاء تراثهم العلمي والحضاري والإنساني .
(3)
نعود للحلم الذي كنتُ أراه رأي العين ,وحديثي مع البروفيسور" عبد الله" ، ورأيي من أن تحقيق المخطوط عملٌ منفصل وفق المناهج التقليدية التي نعرف وأن الرؤية النقدية لا أظنها تجتمع مع منهاج التحقيق . وكان من رأيه أن الأمرين ممكنان لو قمنا بتجزئة الصفحة إلى ثلثين للنص مع التحقيق ، وثلث لرؤاه حول القضية اللغوية وتناوُلها النقدي. وكان له رأي مُبطن في اختلاف العربية المكتوبة خلال العصور ، رغم أنه يؤكد أن العربية ليست كالإنكليزية ، وليست لها لغة قديمة ولغة مستحدثة. واتفقنا آخر المطاف على وضع نظام وجدول يميّز القضيتين عن بعضهما ،و يكون النص مُحقَقَاً ، ويبدي هو رأيه النقدي اللغوي وتصب الأنهُر في وادٍ واحد .
وإنها لخاطرة لم تكُن في الحسبان أن نلقى الجُمان وكُنا نرغب جرعة ماء !.
(4)
ثم وجدتني في الحلم مرة أخرى في مكتبه وقد اكتمل الأمر بين يديه في سِفرٍ ضخم ، سطره بخط يديه ورقّم صفحاته وكان بسعة تفوق الخمسمائة صفحة وقد أسماه ( النبي محمد صلى الله عليه وسلم ) . كان المخطوط الجديد الذي دونه البروفيسور وفق الرؤى التي تحدث عنها ، بغلاف موشى بالزخارف والألوان الناعمة والرسوم النباتية التكوين على أطراف الصفحات .
وتحاورنا عن طرائق الطباعة الأجود .وكان أمر الحلم كله في تاريخ ومكان ماضٍ ، لم تكن الطباعة الرقمية في ذواكرنا أو في حياتنا . وقلت له إن السكرتارية ستقوم بالطباعة ، ولست أدري بشأن تنوين الحروف وتشكيلها، لأنها صناعة شاقة لا يقدر عليها إلا المختصون . واقترحت عليه أن يطبع وينشر الكتاب في مصر، وأن يقوم بتصوير نسخة من الكتاب وحفظ الأصل لديه وأن يختار هو من تلامذته مُدقق لغوي لمضاهاة الكتابة اليدوية مع المطبوع اللاحِق ، كي تخلو الكتابة من عيوب التصحيف أو الإملاء أو السهو، وألا يشغل نفسه إلا بمراجعة النسخة الأخيرة . واتفقنا . وكنتُ أكثر ما عجبت له هو مكانتي عنده في الحُلُم والود الذي غمرني به وصفاء نفسه، كأني تلميذه الأخَصّ أو صديق دربه، كأني جلستُ حلقة التلمذة الرفيقة التي يتوادد الطلاب فيها مع معلميهم ، ويتصاحبون في صداقة تمتد مدى الدهر ، ليست كتلك التي كانت بيننا أيام حياته .كان في حياته يتوقف كثيراً عند التفاصيل أيام كنا نلتقي معه في عمل ما ، وكان يتعجل التنفيذ ، فساعته دقيقة لا تتوافق مع الرخاوة التي هبت نسائمها منذ رحيل المُستعمِر. وحين وَجَدَنا نُلين حين يشتدّ هو في الطلب ، أصبح جليساً بيننا ، يقبلُ منا الحكاوي تتداعى ، ويستريح وهو يوجز لنا أطرافاً من قصص الدهر الذي أخنى على لُبدِ. ولولا جوار مكاتب عملنا قرب " مجمع اللغة العربية " حينذاك ،لما كنتُ اقترب من هذا النيزك اللامع . ولولا رغبة شقيقي الأصغر " خالد " في إعداد رسالة الماجستير في الإعراب، لما جلست معه ذات يوم ، ذلك المجلس العلمي مع تلميذه الآخر الدكتور " جعفر ميرغني " وتبارى الاثنان حول شيوخ الإعراب اللُغوي وصناديد العربية من علماء أجلاء من مدارس الإعراب التي تتفق في الكثير وتختلف في القليل ، وكنت الجالس إلى المائدة الدسمة أسمع ولا أشارك ، وشقيقي يدون الملاحظات .
(5)
أعادتني تلك لقصص كثيرة كنا نسمعها عن سيرة "عبد الله الطيب المجذوب" . ربما يتعجب كثيرون حين يعلموا أن الناس كانت تقول إن البروفيسور هو قطب من أقطاب المتصوفة. بل أننا قد سمعنا أثناء حياته أن زواجه من السيدة الفاضلة (جريزيلدا ) ،كانت ستراً له من أضواء التصوف المتوهجة وغطاءً له في حياته من نزوات الكرامة الصوفية حين تأتي بلا ميعاد . كل ذلك تجده في السيرة الشفهية المُتداولة بين الناس . كان للبروفيسور الحضور البهي والغموض الوضاء والتعليقات اللّماحة ، وكاريزما تمحو صورنا جميعاً عندما نتحلّق حوله نتسمّع أقاصيصه . وأذكر أننا عند إعدادنا التكلفة التفصيلية لإعادة تأهيل " مجمع اللغة العربية " وكان هو رئيسه في بداية تسعينات القرن الماضي ، أخذ المستندات بيديه وغادر ، ثم عاد بعد ساعتين ومعه تصديق " وزارة المالية " ، عندما كانت الوزارة هي الأم القابضة على أمر المال في الدولة . فأطلقنا عليه اللقب الذي نُسرّه بيننا في مكاتب الدولة عندما يحضر :
" حضر صاحب الخطوة "

عبد الله الشقليني
6/6/2013

*

imported_عبدالله الشقليني
19-05-2020, 03:42 PM
من رؤى عبد الله الطيب المجذوب ..

(النظم ليس من إعجاز القرآن)

( الكاتب يكتب نصه تحت " تأثير الهوس " الذي يمارسه النص السابق كعقدة أوديبية تدفع المبدع إلى السير على منوال النص الأول أو التمرد عليه )
"هارولد بلوم"
(1)
حول معاني " النظم " من القاموس المحيط للفيروز آبادي :
النَّظْمُ : التأليف ، وضَمُّ شيء إلى آخر . والمَنظُومُ ، والجماعةُ من الجَرَاد ، وثلاثةُ كواكب من الجَوزاء والثُّريا والدَّبَرَانُ ، ونظم اللؤلؤ يَنْظِمهُ نَظْماً ، ونِظاماً ونظَّمهُ : ألَّفَهُ ، وجمعه في سلكٍ ، فانتظم وتنظَّم، وانتظمه بالرُمحِ : اختلَّهُ . والنِّظام : كل خيطٍ يُنظَمُ به لُؤلُؤ ونحوه . أنْظِمة وأناظيم ونُظُم ، والسيرة والهديُ والعادةُ وأنْظومتاهُمَا بالضم : خَيطان منظُومان بَيضاً من الذنبِ إلى الأذن. والأنظام : نفس البيض المُنتظم ، ومن الرمل ما تعقَّدَ منه ، كنِظامه ، وكلَّ خيطٍ خرزاً . والتنظيم : الشِعْبُ فيه غُدُرٌ متواصلة قريبُ بعضها من بعضٍ ، ومن الرُكيَّ ما تناسق فِقَره .
(2)
مسرد المصطلحات :
الإعجاز : وهو ما يقصد به إعجاز القرآن الكريم الذي أعجز العرب وبلغاءهم وفصحاءهم عن أن يأتوا بمثله أو بسورة مثل سوره .
النظم : هو الذي وقف عنده متأنياً " عبد القاهر الجرجاني " ، ويقصد به بناء النص كاملاً ،دون الوقوف عند كل جزء منه معزولاً عن سائر النص كله ،لأن النظم كان يقتضي السياق العام للنص ، كما كان يقصد ترابط الأجزاء في كلٍ تام .
(3)
يقول الجرجاني في كتابه " الوساطة بين المتنبي وخصومه ": (إن السرقة داء قديم وعيب عتيق ، ومازال الشاعر يستعين بخاطر الآخر ، ويستمد من قريحته .ويعتد على معناه ولفظه وكان أكثره ظاهراً كالتوارد ، أن تجاوز ذلك قليلاً في الغموض لم يكن فيه غير اختلاف الألفاظ .

ويقول " الآمدي ": (إن من أدرك من أهل العلم بالشِعر لم يكونوا يرون سرقات المعاني من كبير مساوئ الشعراء ، وخاصة المتأخرين منهم إذ كان هذا باباً ما برئ منه متقدم ولا متأخر .)
ويقول الباقلّاني : (قد يتقارب سبك نفرٌ من شعراء عصرٍ ، وتتدانى رسائل كتاب دهرٍ حتى تشتبه اشتباهاً شديداً وتتماثل قريباً فيغمُض الفصل وقد يتشاكل الفرع والأصل وذلك فيما لا يتعذر إدراك أمده ، ولا يتعصب طلاب شأوه ولا يتمتع بلوغ غايته والوصول إلى نهايته ،لأن الذي يتفق من الفصل بين أهل الزمان إذا تفاضلوا وتقارنوا في مضمار فصل قريب وأمر يسير .) ويقولون إن البُحتري كان يغير على " أبي تمام " ويأخذ منه صريحاً وإشارة ويستأنس منه بخلاف ما يستأنس بالأخذ من غيره ويألف اتِّباعه كما لا يألف اتباع غيره .
سئل " أبوعمرو بن العلاء" :
- أرأيت الشاعرين يتفقان في المعنى ، ويتواردان في اللفظ ل،م يلق واحد منهما صاحبه ولم يسمع شعره ؟
قال :
- تلك عقول رجال توافت على ألسنتها .
(4)
أما القاضي " عياض " مثلاً فقد سار في ذات المسير والنهج ،إذ يرى أن من وجوه الإعجاز في القرآن "صورة نظمه "، والأسلوب الغريب المخالف لأساليب العرب ومناهج نظمها .( انظر الشفاء بالتعريف بحقوق المصطفى ، عياض بن موسى اليحصبي ، تحقيق علي محمد البجاوي ، دار الكتاب العربي ، بيروت 1984 ج 1 ص 358 )
ويرى "الراغب الأصبهاني" أيضاً أن وجه الإعجاز في القرآن يقع في "النظم" الذي تفرد به على نظام لم تألفه العرب في كلامها من شِعر ونثر وسجع ( أنظر الاتقان في علوم القرآن للسيوطي 1368 هـ ج 2 ص 120 ، المكتبة التجارية الكبرى بمصر لصاحبها مصطفى محمد ، ط مطبعة حجازي القاهرة)

أما أبو سليمان الخطابي (388) هـ حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي فيقول : ( وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة : لفظ حامل ومعنى قائم به ورباط لهما ناظم ، وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الصور منه في غاية الشرف والفضيلة ، حتى لا ترى شيئاً من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه ، ولا ترى نظماً أحسن تأليفاً وأشد تلاؤماً وتشاكلاً من نظمه . وأما المعاني فلا خفاء على ذي عقل أنها هي التي تشهد لها العقول بالتقدم في أبوابها ، والترقي إلى أعلى درجات الفضل في نعوتها وصفاتها .
(5)
في كتاب " أبوبكر محمد بن الطيب الباقلّاني " 403 هـ " صاحب كتاب " إعجاز القرآن" ، تحقيق السيد أحمد صقر ،نشر دار المعارف بمصر ،ص 48-71 ) :
أوضح " الباقلاني " في فصل في جملة وجوه إعجاز القرآن على حد تعبيره قال ( ذكر أصحابنا وغيرهم في ذلك ثلاثة أوجه من الإعجاز :

الوجه الأول : يتضمن الإخبار عن الغيوب .والوجه الثاني : أنه كان معلوماً من حال النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أمّياً لا يكتُب ، ولا يحسن أن يقرأ .والوجه الثالث : أنه بديع النظم ، عجيب التأليف ، متناه في البلاغة إلى الحد الذي يُعْلم عجز الخلق عنه .
ثم يقول : ( فالذي يشتمل عليه بديع نظمه ، المتضمن للإعجاز وجوه : منها يرجع إلى الجملة ، وذلك أن نظم القرآن على تصرف وجوهه ، وتباين مذاهبه خارج عن المعهود من نظام جميع كلامهم ، ومباين للمألوف في ترتيب خطابهم ، وله أسلوب يختص به ، ويتميز في تصرفه من أساليب الكلام المعتاد ، ومنها أنه ليس للعرب كلام مشتمل على هذه الفصاحة والغرابة والتصرف البديع والمعاني اللطيفة ، والفوائد الغزيرة والحكم الكثيرة ، والتناسب في البلاغة والتشابه في البراعة ، على هذا الطول وعلى هذا القدر .)
(6)
تحدث البروفيسور " عبد الله الطيب "، في محاضرة في دولة المغرب ضمن سلسلة " الدروس الحَسَنية " في حضرة مليكها " محمد السادس". وكان المُحاضر يجلس أعلى المنصة ،والملك جالس على البُسط الأرضية تبجيلاً لأهل العلم ، على غير ما عهدنا من أصحاب السلاطين والملوك، وتلك محمدة كبرى .
كانت المحاضرة عن ضرب من فنون المعارف اللغوية التي اعتاد البروفيسور فيها مدّ حبال الوصل لآذان مُستمعيه . فأفرط في الجاذبية ، وتحلق المستمعون حوله بآذانهم ومشاعرهم ، وقد أخذتهم جزالة لفظه وحلاوة منطقه ويُسر التوضيح والإبانة . وتقريبه البعيد ، وحفره في كنوز اللغة وقرآنها مسنوداً بآي الذكر الحكيم. نبأ فيها سهمه وأصاب من القلوب أوكار بيوتها الحصينة.

وأفاض البروفيسور قائلاً :
(لم يأت النقاد المحدثون بكثير شيء من ضروب وسائل النقد وأنواعه من الألفاظ والمعاني . فكل ما يتداوله النقاد الآن ، من أصلٍ قديم مؤسس . فالاصطلاحات مثل : "شاعر فحل" ، أو "لو جئت بأفحل من هذا ". أو وصفهم الحديث أو الشِعر " بوشي كلام محبب" . و هذا "سلسل " وذاك "يَنْحِت من صخر"و هذا "متكلَّف" ،وذاك "يأخذ من طيلسان طبري" وهذا "مطبوع ".لوم يذد المحدثون في مصطلحات النقد وأدواته عن الأقدمين كثير شيء .)
واستطرد البروفيسور " عبد الله ":

(كلمة النّظم غير موجودة في القرآن الكريم ، والنظم لفظ يوجد في العقود وليس في القرآن ، وقد أقبل البلاغيون يفكرون في النظام والترتيب الذي جاء به القرآن ، هذا العمل جيد للغاية من باب توضيحهم ،وهو عمل مجتهدين، أرانا أصنافاً من البديع ومن البيان والمحمود في ضروب البلاغة ، ولكنه لا يوصلنا لبلاغة القرآن وسرّ إعجازه ، لأن بلاغة الذكر الحكيم ليست بشيء آلي مُتكلَّف ، بل كلام يخرج من قلب النبي إلى قلوب المؤمنين :
{قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }البقرة97. لذلك القرآن علاج والقرآن دواء وشفاء . وأرى النظم لا يوصلنا لبلاغة القرآن ،فالقرآن هو روح الله يصل من قلب رسول الله إلى قلوب المؤمنين . وهذا أراه هو سر إعجازه )
ويرى البروفيسور "عبد الله الطيب المجذوب" أن القرآن من أسراره أن فيه روح من الله لأنه كلام الله وليس الترتيب والنظم هو سر إعجازه . وقبل أن يختلف مع أساطين علماء اللغة والنقد الأقدمين ، أثنى على انجازاتهم وفتوحاتهم في تحليل اللغة وموازينها ومقاييسها وأعاجيبها ، وقال :
( مع الاحترام الشديد" فأني أرى " ابن باقلّاني " و"عبد القاهر الجرجاني " قد أخطآ في اعتبارهما النظم من إعجاز القرآن .)
(7)
لقد اختلف البروفيسور " عبد الله الطيب " مع جملة من علماء اللغة والنقد من الأقدمين في مسألة النظم في إعجاز القرآن وليس " الباقلّاني " أو " الجرجاني" وحدهما. ونحن لا تعقيب لدينا على رؤى البروفيسور " عبد الله الطيب المجذوب " . فعبد الله الطيب صاحب فُسحة لن نصل أطرافها ولو صبرنا ، وبحره خطرٌ على غير الصناديد. والعلماء الذين اختلف معهم ، هم من المشهود لهم بالعلم وفتوحاته منذ ألف عام مضى . وتكتمل الرؤى التي أرانها البروفيسور " عبد الله " عند الاستماع لرابط المحاضرة موضوع المقال :
http://www.youtube.com/watch?v=1ESQUN4FsY8
(8)
لما نزل من وجد صنَّاجة العربية البروفيسور الراحل "عبد الله الطيب المجذوب". نعُب كؤوسنا ونشرب ولن نرتوي . ريحه أطيب ريح ، وصورته ريانة نضِرة ، وقوله أفصح من شوق أضواء القمر إلى الأرض في ليلها البهيم لتضيء .
لما تزل سيرتك العطرة سيدي مدونة في ورق الأرض وفي مدونات السماء الدنيا . سلسبيلٌ لن ينقضي نحبه . ؟

عبد الله الشقليني
13/5/2013

*

imported_عبدالله الشقليني
19-05-2020, 03:51 PM
البروفيسور عبد الله الطيب: أحاديث لما يزل أريجها باقياً

مضى الشهُداءُ الأولون وقُتِّلَتْ .. بُناةُ المعالي من لؤىِّ بن غالب
يَظَلوُّنَ في خَشْناءَ مِن شدَّةِ الأذى .. ويُمْسون صَرْعى تَحتَ ضوء الكواكِب
وما زالت الأقدارُ تَرْفعُ باطِلاً .. وتطمسُ ذا نور من الحقِّ ثاقب
وكَيفَ تَلَذِّينَ الحياة وما صَفَتْ .. بعلمِك إلاَّ للِّئام الأشائِب
من قصيدة للبروفيسور" عبد الله الطيب المجذوب "، نَظمها بعد سقوط ألمانيا سنة 1945 م . وكان العرب يُعلّقون آمالاً بهتلر ، وحُنقاً على إسرائيل . وقد أشار الدكتور "طه حسين " في الأدب المُعاصر إلى هذه القصيدة كاملة ، وقد نظمها البروفيسور" عبد الله الطيب" قبيل سفره الأول من السودان إلى الخارج ببضعة أشهُر .
واقتبس البروفيسور "عبد الله الطيب" من البيت الشِعري : (صَرْعى تَحتَ ضوء الكواكِب ) من إشارة إلى ما اشتُهر من قول الصحابي" علي بن أبي طالب "يوم معركة الجَمل ، حين رأى مصرع الصحابي " طلحة " :
( أعزز عليَّ بأن أرى قريشاً صَرْعى تَحتَ ضوء الكواكِب ) .
يا له من صنَّاجة العربية ، يُخرِج الدُرر من التراث، الذي فقدته أُمّم الناطقين بها !.
(1)
أول ما جمعني معه عام 1975 ، عندما كُنا نعمل في جمعية الفنون بجامعة الخرطوم ، بالتعاون مع جمعية طالبية أخرى ، من أجل استنفار كل منْ أسهم ويُسهم في أعمال الفنون التشكيلية . كان رئيسها من طلاب الجامعة آنذاك، هو الآن البروفيسور "صلاح حسن" من جامعة " كورنيل " بالولايات المتحدة الأمريكية ،وهو الذي تخصص في دراسة الفنون التي تسمى بالأفريقية ، و الذي استضاف لاحقاً، ذلك الفن العريق إلى حظوته الأكاديمية . فيه لمحات من حياة البشر الذين خرجوا من إفريقيا ، وانتشروا في العالم . والفن هو جزء من ذاكرة الإنسان القديم ، حين تتبَدَّى بغموضها الأثير في أعمال الفنون التشكيلية المنتشرة في عالم اليوم . وكان السودان ممثلاً في الفنانين التشكيليون والأجانب من أصول سودانية ، قد وَلَجوا دروب العالمية ، من بابها الواسع . وكان البروفيسور" صلاح حسن " من ضمن الذين أنجزوا دراسات مقاربة لقضية تمسّ الأوجاع الحقيقية المغروزة الآن في خاصرة الوطن .وأنجز مع مجموعة عشرة من الكتاب السودانيين وغيرهم ، السفر الموسوعي عن دارفور بالإنجليزية، نشرته جامعة "كورنيل ".
ذلك جزء من مآل الذين نمت بذرة الفنون التشكيلية فيهم منذ حياة الطلب ، حيث كُنا نستضيف الفنانين التشكيليين من خريجي وطلاب " كلية الفنون الجميلة " وهو اسمها السابق و أيضاً الهواة . وصار معظم هؤلاء طرفاً متميزاً في نهضة الفنون التشكيلية بأنواعها في العالم .
(2)
تأسيساً لما ذكرنا ، استضفنا في" جمعية الفنون بجامعة الخرطوم" الفنان التشكيلي " عبد الله عبد القادر " عام 1975 وكان حينها يعمل موظفاً في وزارة الزراعة في الخرطوم ، وهو من منطقة " مدني السُني " ، الحاضرة الثانية من حواضر سودان سبعينات القرن الماضي . كان الفنان التشكيلي" عبد الله عبد القادر " يرسم بالخيوط الملونة والمنسوجة على براغي صغيرة الحجم ، مثبتة على لوح خشبي . وكان يرسم على اللوح رسماً تشكيلياً، كخلفية تشكِّل جسداً فنياً مُكملِاً لتشكيلة الخيوط الملونة الغزيرة بأشكالها فوق اللوحة . هارمونية على خطى النهج الموسيقي . كان الكمبيوتر في زماننا ذاك طفلاً رضيعاً عندنا ، رغم أنه قد شبَّ عن الطَّوق خارج فضاء السودان . لأن العمل اليدوي الذي كان يعدّه الفنان التشكيلي " عبد الله عبد القادر "بمهارة وصبر ، أضحى اليوم في حاضرنا إنجاز يتم بالبرامج الرقمية .
(3)
من بعد الغروب ذات يوم من أيام العام 1975 ، زرنا مسكن البروفيسور" عبد الله الطيب " عندما كان مديراً لجامعة الخرطوم .وكان مجاوراً لمباني " كلية الهندسة والعمارة " بمجمّع وسط الجامعة . وهو مسكن تنقل قاطنيه تعاقبوا خلال الحقبة الاستعمارية ، حتى شغله مدير جامعة الخرطوم .
كنتُ برفقة الفنان التشكيلي " عبد الله عبد القادر " ، لأنه وعد زوج "عبد الله الطيب" الفنانة التشكيلية " جريزيلدا " بإعادة لوحة اشترتها من المعرض ، على وعدٍ بإعادتها بعد انتهاء العرض ، وكُنا قد أقمناه داخل كافتيريا " كلية الهندسة والعمارة " في ذات التاريخ .
تعرّفت على الرجل ، وصافحته أول مرة ، وكانت الفنانة التشكيلية " جريزيلدا " غائبة عن مسكنها . تجاذبنا معه أطراف الحديث دون أن يعرف أنني إذ ذاك طالب في جامعة الخرطوم . ودون أن أشعر وجدت في الرجل مسحة من حنين الآباء وقلوبهم الوَجِلة وتقوّاهم وتبّتلهم بقبس من الذكر الحكيم وفق ما يتيسر المقام والمقال ، يكاد أن يمسسك نوره وقد غالبُك الضياء .
صاحب الدار جالس يُلاطفنا . نسيج وحده ، ونحن نشهد سماحة تعليقه على اللوحة بأذان صاغية . وقال البروفيسور إن " جريزيلدا " لديها معرفة بهذا الضرب من الفنون ، أما هو فلم يزل ضمن ناشئة العارفين بهذا الفن . خرجنا من مسكنه بعد الضيافة المُعتادة ، وكانت تلوح في ذهني أسئلة عن الرجل وبنيانه العلمي، وتواضعه الجّم .
(4)
التقيته في المرة الثانية ، عند زيارته لمكاتبنا في الإدارة الهندسية بجامعة الخرطوم، أوائل تسعينات القرن الماضي ، بعد أن تمّ تعيينه رئيساً لمجمّع اللغة العربية في السودان ، وكان يتبع رئاسة الجمهورية حينذاك . وهو من القرارات النادرة التي تصبُّ في مصلحة اللغة العربية في السودان ، باختيار عيناً ذات معرفة ودراية باللغة العربية وآدابها .و له عمل نشط في مجامع اللغة العربية ، علماً بأن البروفيسور "عبد الله الطيب " قد دخل " مجمع اللغة العربية بالقاهرة " مُرشحاً من قبل الدكتور " طه حسين " عام 1961 ، وكان " طه حسين " أول من دوّن مقدمة لسفرٍ البروفيسور "عبدالله الطيب" ( مقدمة في فهم أشعار العرب وصناعتها – وهي خمس مُجلدات ) ولم يكتُب مقدمة لكاتب آخر خلال حياته ، لذا كان اختيار البروفيسور للمنصب وتأسيس " مجمع اللغة العربية في السودان" ،اختياراً صادف أهله على غير ما عهدنا من خيارات .
(5)
اجتمع البروفيسور" عبد الله الطيب " بالدكتور " عبد النبي علي أحمد " وكان الأخير يشغل منصب " مدير الإدارة الهندسية بجامعة الخرطوم " ، واستدعاني السيد مدير الإدارة وكُنت نائبه . وطلب البروفيسور " عبد الله الطيب "أن تقوم الإدارة الهندسية بجامعة الخرطوم ، بتصميم الإضافات التي تُناسب المرجلة الأولى من مبنى " مجمع اللغة العربية " ، وكانت قطعة الأرض التي وقع الاختيار عليها ، ملاصقة لمبنى الإدارة الهندسية بالجامعة ، ويطلان كلاهما على " شارع الجمهورية " . كانت قطعة الأرض المخصصة لمجمّع اللغة العربية بمساحة تبلغ 1200 متراً مربعاً. وكانت قطعة الأرض سابقاً تابعة لملكية جامعة الخرطوم . بها مبنى قديم من طابق أرضي ،شيدته "وزارة الأشغال" في زمن سابق ، بحوائط حاملة .
*
طلب الدكتور " والصديق " عبد النبي على أحمد " أثناء الاجتماع موافقة إدارة الجامعة على هذا التكليف ، لأن " مجمع اللغة لا يتبع " لجامعة الخرطوم ، وفق قرار التأسيس.وفي الختام تمّ للبروفيسور ما أراد ، وطلبنا احتياجات و النشاطات المطلوب إقامتها، لأننا بصدد المواءمة بين المتطلبات العصرية ذات البُعد الجمالي والهندسي ، ومتطلبات المرحلة الأولى من التأهيل بدأ بدراسة أساسات المباني القديمة وإن كانت جدران المبنى الحاملة ،تمكِّنها من تحمُّل طابق إضافي ،متَّبعين الموجهات المعتادة كتقليل الكلفة قدر المستطاع . كان التقدير الأولي ، يبلغ حوالى ستة عشر مليوناً من الجنيهات السودانية عام 1991.وكانت التقديرات قد أخذت في الحسبان الانخفاض المتواصل لسعر العُملة المحليّة ، و ضمور حجم العملات الأجنبية ، مع رفع شعار " نأكل مما نزرع " بعد الخصومة الاقتصادية والسياسية مع الآخرين ، والمعروفة بمحاولة نقل كل العالم في قاطرة قديمة تقود إلى المجهول !. وهو المشروع الذي يسير إلى حتفه ،في طريقٍ سدّ معه الأفق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وكافة متطلبات النهضة .حار في علاج مأساة الوطن كل أطباء السياسة ، فالتنظيم السياسي الكهل الممسك بالسلطة، يرفُض العلاج ولو أنه على أبواب الغيبوبة الكُبرى!!! .
(6)
في يوم من الأيام جاء البروفيسور لمكاتبنا في الإدارة الهندسية ، وكان تأهيل مبنى " مجمع اللغة العربية " همّه الشاغل . أخذ مجلسه بيننا . استضافه زميلنا وصديقنا " محمد البشير " لتناول الشاي الأحمر . وأصرَّ أن نُجيب مطالبه جميعاً قبل أن يتناول الضيافة المتواضعة. وكان له ما أراد .واستأنسنا بالحديث معه ، وكانت له خصال اللطف وكاريزما جاذبة تُزينها هيبة العلم والتواضع . خليط هو من كل أولئك ومن غيرها أيضاً .
سألتُه عن قضية تشابُه شعِر الشاعر " زهير بن أبي سُلمى " مع نص قرآني ، كان قد ذكره البروفيسور في حلقة تلفزيونية في القناة السودانية ، فقال لنا ساعتها تلك:
- كان الشاعر في جاهليته أقرب ما يكون إلى الإسلام ، إذ قال :
فلا تكْتُمُنَّ اللهَ ما في نفوسكم .. ليُخفى ، ومهما يُكتمِ اللهُ يَعلمِ
يؤخرْ فيوضع في كتابٍ فيُدّخرْ .. ليوم الحِساب أو يُعجَّل فيُنْقمِ
وتلك تشابه آية :إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ﴿١١٠ الأنبياء﴾ كمثال ،كما إني أزعُم أن الشاعر "زهير بن أبي سُلمى" كان يأتي للطّواف حول الكعبة كعادات العرب عند زيارتهم " مكة "، وأنه استمع إلى القرآن وقد تناقلته الألسن ، واقتبس عنه. وتداولنا الحديث مستفسرين عن أن نظمه الشعر كان في زمن الجاهلية ، والاقتباس المنسوب إليه تمّ من بعد الرسالة . كان حديثاً مُحفزاً لقراءة التاريخ ومقارنة النصوص ببعضها .
(7)
في جلسة عامرة بالود ، ضمَّت شخصي والدكتور " عبد النبي علي أحمد " والبروفيسور " عبد الله الطيب " . أغلق مدير الإدارة الهندسية الباب على مكتبه . وانفتح الحديث الخاص :
تحدث البروفيسور " عبد الله الطيب " عن أن " الدفاع الشعبي " قد طلب منه أن يقدم محاضرة في اللغة العربية للمُجندين في مُعسكر " القطينة "! . وقد ردَّ البروفيسور على الطلب رسمياً ، ذاكراً أن الطلاب منذ القِدَم يسعون وراء العلماء ودُور العلم ، ويشدّون إليهم الرِّحال ، لا أن يسافر لهم العلماء . وطلب أن يحددوا عدد الطلاب ، وسوف يقوم "مجمع اللغة العربية " بإعداد برنامج دراسي في مقره بالخرطوم ، ويقوم على المحاضرات نفرٌ كريم من متخصصي اللغة العربية ، إن كان هنالك من ضرورة .وعلق البروفيسور على الموضوع:
- يبغون لي الذِّلة آخر العُمر ! .
وفي سؤال عن قضية الحرب الجهادية المُعلنة آنذاك، ومشروعيتها :
تحدث البروفيسور حول الجهاد الحربي ،وقال إن أربعين من الصحابة والتابعين أفتوا بألا تُشن الحرب الجهادية على مناطق الهجرة الأولى ، ويُسمح بإنشاء المساجد والدعوة بالحُسنى . وهي تشمل في زمانهم : جنوب مصر وأثيوبيا الحالية وأريتيريا الحالية والصومال وتشمل مناطق جنوب السودان . وقال إن كثيرين من قادة الحُكم آنذاك في السودان ،كانوا يسألونه عن ذلك فُرادى، كأن الشّك يداخلهم في الأمر!.
وعند سؤال البروفيسور عن الرأي العام ، وأن هناك كثيرون يريدون أن يعرفوا هذا الرأي في العلن ، أجاب البروفيسور " عبد الله الطيب " :
- أنا أعلم في اللَّغة والدِّين ، ولكني لستُ سياسياً . كثيرون ممن سألوا فُرادي ،كان ردي عليهم بقدر السؤال .
(8)
في ضحى يومٍ من أيام العُمر ،أوائل التسعينات من القرن الماضي وقد اكتمل تشييد " مجمع اللغة العربية " . قدِمنا للبناء وقد اكتمل . رأينا نحن في الإدارة الهندسية إن يُشير البروفيسور " عبد الله الطيب " أحد المُختصّين في تجميل الحديقة الأمامية للمبنى ، وكان المدخل الرئيس يُقسِّم المكان المُقترح للحديقة نصفين . وكانت في الجانب الأيمن للمدخل شجرة " جوَّافة " ، نَمَتْ مُختلَّة القِوَام . قبيحة تُغطي واجهة المبنى ، فرأينا تقليمها أو اقتلاعها واستبدالها بتجميل طبيعي يُلائم المدخل والمبنى . كان رأي البروفيسور أن يُبقي على الشجرة كما هيّ وذكر أن " العَيْن حَق ". وذكر لنا الأسانيد من آي الذكر الحكيم ومن موثوق الأحاديث، حتى تراجعنا عن مشورتنا تلك .
*
وحدث لاحقاً بعد عدة سنوات أن عاد من المملكة العربية السعودية ، بعد أن نال جائزة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية ، مناصفة مع أحد تلامذته . زار سفارة السودان بلندن . و عند مقدمه ، التقاه السفير " جمال محمد إبراهيم " وكان حينها يعمل نائباً للسفير الدكتور " حسن عابدين " سفير السودان في المملكة المتحدة . وعند مغادرته السفارة ، رآه أحد القادمين . وسأل عنه ، فقيل له إنه البروفيسور" عبدالله الطيب "، فقال :
- لم يزل شاباً لا تبدو عليه الشيخوخة !؟
وفي ذات اليوم ،سقط البروفيسور في غيبوبة ، لازمته إلى رحيله ! .
نورد من الذكر الحكيم :
" قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ". التوبة 51.
ما أعظمها سيّرة ، وما تجمَّل اليراع إلا بذِكر الأبرار الذين أسهموا في نهضة الثقافة بكل رافعاتها الممكنة ،من الذين نحسبهم من أهل الباسقات التي لا عين رأت ولا أذن سمعت ، بإذن واحد أحد. نسأل مولانا أن يطعم البروفيسور " عبد الله الطيب " والدكتور " عبد النبي علي أحمد " من طعام أهل الجنة ، إنه نعم المولى ونعم النصير.
المراجع :
- مقابلات شخصية مع البروفيسور عبد الله الطيب
- عبد الله الطيب ، أصيل النيل ، دار جامعة الخرطوم للنشر ، الطبعة الخامسة ، ...
- زهير بن أبى سُلمى ، ديوان زهير بن أبى سُلمى ،..

عبدالله الشقليني
24 سبتمبر 2016

*