imported_عبدالله الشقليني
01-07-2020, 11:11 AM
معركة كرري - و دعوة لاستنهاض الوثائق التاريخية.
قال المؤرخ الفرنسي " جاك بانفيل " :
" بغير الحاسة التاريخية لا وجود للسياسة أو أنها تقتصر على مركبات لا مستقبل ولا أهمية لها "
قال المفكر بول فاليري :
" إن الماضي يفعل في المستقبل بقوة توازي قوة الحاضر ، والمستقبل لا صورة له لأن التاريخ وحده كفيل بإعطائه الوسائل التي تساعد على تصوره "
يقول تولستوي في ( الحرب والسلم ) :
" الإنسان يحيا عن وعي من أجل نفسه بيد أنه أداة غير واعية في تحقيق الأهداف التاريخية الشاملة للبشرية "
قيل :
"إن السياسة هي بنت التاريخ والتاريخ هو ابن الجغرافيا والجغرافيا لا تتغير في الزمن المنظور إلا نسبياً رغم تسارع تخريب البشر لبيئة الأرض التي نعيش عليها "
يُقال :
إن الأنانية والحب والبغض والخوف ... وهي طباع غريزية ، وهي المحركات الرئيسة للنشاطات البشرية .
يقولون إن الفرد لن يستطيع القيام بما يتوجب القيام به إن لم يسترشد بماضيه وماضي البشرية عامة ، بمحاولة جليلة من الذين أسسوا لعلم التاريخ يسهُل النفاذ للُب حياة الأجداد فندرِك قوانينها ونفهم الروابط التي تشُدنا للماضي وتشد الماضي إلينا لنتمكن من مواجهة المستقبل بثقة وعزم وللتهيؤ العلمي والنفسي برؤية .
يقال إن التاريخ لا يصل إلينا بصورة ( خالصة ) لأنها لا تُوجَد ، بل تنعكس من خلال ذهن المُدون ، ويترتب على ذلك صب الاهتمام على المؤرِخ الذي كتب العمل التاريخي أكثر من الحقائق التي يتضمنها العمل .
يكتب المؤرِخ بعد أن يُحقق درجة من الاتصال مع أذهان أولئك الذين يكتب عنهم ، ويمكن النظر إلى الماضي وتحقيق فهمه من خلال عيون الحاضر فالمؤرِخ ابن عصره وهو مُقيد به بحكم وجوده الإنساني ، و وظيفته ليست صُحبة الماضي أو تحرير نفسه منه ، إنما في استيعاب ذلك الماضي كمفتاح لفهم الحاضر .
برنامج قراءة التاريخ وتوسعة صحائفه في الأذهان :
معركة كرري :
مقدمة :
كانت البلاد منفتحة على العديد من دول غرب إفريقيا الحالية ، وحاول محمد أحمد المهدي بث رؤى دينية موحِدة للجماعات والقبائل مع خلق توازن بينها في ظل تآكل نظام الحكم التركي الذي جثم على أهلنا يأخذ مالهم بسياط القهر . جاءت حروباً مُتقطعة من الأطراف وسارت إلى الخرطوم مركز الحكم التركي وهزمته . بقي محمد المهدي بضعة أشهر قبل وفاته ، ومن بعده حكم الخليفة " عبدالله ود تورشين ."
. كان مقتل غردون باشا ليلة استرداد الخرطوم في سراي الحاكم العام في 25 يناير 1885 م هي صفعة لكل المستعمرين في ذلك الزمان ، صفعة للحكم التركي القادم من مصر منذ محمد علي الذي استعمر بلادنا عام 1821 م . وصفعة لإمبراطورية لم تغرب شمسها.
معركة كرري بأم درمان هي المعركة الحاسمة بلا مُنازع ، قامت انجلترا سيدة العالم في أواخر القرن التاسع عشر برد الصفعة بمقتل أكثر من عشرة آلاف في بضع ساعات !!!
أ لهذا غضبت " الملكة فيكتوريا " من دعوة الخليفة عبدالله لها أن تُسلم ليتزوجها أحد قواد المهدية ، فتم استدعاء اللورد كتشنر ( السردار ) من الهند لمهَمة تأديب " الدراويش " كما كانت تسميهم ؟
أ كانت الصفعة قد مست الكبرياء واستدعت الصلف بذاك الغرور ؟
.أن للدُنيا في ذلك الزمان سادة في البر والبحر ولا يقبلون صفعات الصغار وإن نأوا عن قلب المملكة بآلاف الكيلومترات ، فلم يشفع بعدهم للإفلات من الانتقام في كرري .
نعود للخليفة ولن نلبس لبوس الحياد :
كانت هنالك مظالم أيام المهدية ، وكانت قبضة الحديد السلطوية بائنة أيام حكم الخليفة عبد الله والحروب التي انتشرت لبسط السلطة في الداخل أو حروب الخارج التي لم يكن لها من مُبرر . هجر الزراعة للجهاد . كان المُهاجرين من الأطراف إلى مركز حكم الدولة وحظوتهم وتملكم قسراً ممتلكات الذين يقطنون العاصمة وما حولها ، والقساوة على المخالفين قد ألبت كثير من القبائل الجماعات لنُصر جيش المستعمر الفاتح فجاء السردار بقيادة انجليزية وجيش مصري غالب تدعمه بعض فصائل من" الشايقية " و" الجعليين " و" البطاحين" و"الشكرية "وغيرهم من أصحاب الثارات .
يقولون :
ما أسهل اعتلاء السلطة رغم قسوة الصراع عندما نُقارن بالذي حدث من بعد ذلك من انعدام البوصلة والرؤية . تلك التجربة لم يفد منها الوطنيين في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين من بعد الاستقلال ، فعلوا فعلهم حتى الاستقلال ثم انعدمت البوصلة والرؤية .
نكرر ما كتبناه في مقدمة حديثنا عن معركة" الشكابة " .تظل الرواية التاريخية تسبحُ في أذهان كاتبيها ، تراوح مكانها بين عدة محاور : منها الرواية الشفهية ومنها المكتوب الذي يرويه صاحبه بما يحمل في نفسه من أغراض تندس وسط السرد ، ومنها الرواية الإستخبارية التي تجمع كل شيء وهي في مكنونها التدقيق ، وتنشَر وفق خُطط مرسومة ، ومنها وجه اجتماعي ، أو اقتصادي أو جغرافي أو إنساني أو فلكلوري أو ثقافي ، و أوجه أصحاب المصالح ، أو رواية طرف شريك أو مُناوئ أو مُعادي وكلها أوجه من الوجوه التي تؤثر في الحدث وتاريخه . جميعها كُرة متضخمة يتعين تجميع أشتاتها ، ومن ثم إتباع أكثر المناهج دقة لمعرفة ما الذي حدث .
رواية الكاتب : نعوم شُقير :
سِفر ( جغرافية وتاريخ السودان ) بقلم اللبناني ( نعوم شُقير ) الذي عمِل في مصلحة المخابرات المصرية ، يحتوى (1403 ) صفحة من القطع المتوسط ، وهو كتاب باللغة العربية صدر عام 1903 في القاهرة أول مرة ، وأعيدت طباعته في العام 1967 م ، وأعادت نشره دار عزة عام
2007 م ، وقدمت للكتاب الباحثة الدكتورة :
فدوى عبد الرحمن علي طه .
أوردت الدكتورة فدوى في المقدمة أن الكاتب نعوم شُقير قد اعتمد على الكم الروائي من المشاركين الأحداث ومعاصريهم وما سمعه من الأبناء والأحفاد وكان جُل اعتماده على روايات الضباط والأعيان ، وأوضحت الدكتورة أن الجغرافيا مُرتبطة بالتاريخ ، ويحتوي السفر على قدر كبير من السرد التاريخي وفق الأسس المتبعة أكاديمياً ، ويأخذ عليه كثير من المؤرخين أن النص هو نص رجل استخبارات له ما له من الأغراض ، لكنه يعتبر مصدراً هاماً من مصادر التاريخ رغم اختلاف المؤرخين حوله فقد ظل هذا السفر المرجع الأساس حتى ظهور كتابات أكاديمية عن المهدية مثل كتابات بيتر هولت ومكي شبيكة ومحمد إبراهيم أبو سليم وهم رواد الدراسات الأكاديمية عن المهدية ، ومن اللاحقين الدكتور عبد الله علي إبراهيم وغيره .
هدف الدراسة :
إن الكثير من تاريخ موطننا وأحداثه الجسام لم تتم كتابته أو تدوينه كاملاً لتعقيد الحياة وضعف التقنية عند أهلنا . ونذكر هنا أسفار الشيخ بابكر بدري وقد دون فيها التاريخ منذ طفولته ، وقد شارك في المهدية وحارب في معركة توشكي بمصر وأُسر وقتل في توشكي بعض أقربائه ، وعاد من بعد للسودان ومن بعد بداية الحكم الثنائي دون أسفاره التي نأمل من يمدنا بما كتب عن ( معركة كرري ) .
نأمل من الأفاضل والفضليات مدنا بأية نصوص من مصادر متوفرة ، إذا نهدف الوعي بالتاريخ ، ولملمة أشتاته التي كُتبت في الأسفار ، و حُفِظت في الصدور ، لتكن المادة كاملة مساهمة لنقل المعرفة بتاريخنا أولاً وتنوير من هم في مقتبل العُمر ، والذين لم تسهم المناهج المدرسية في تعميق معرفتهم بمفاصل تاريخهم .
حسرة التجربة الأولى :
كان اختيارنا ( معركة كرري ) نتبع بها الملف الذي تحدثنا فيه عن ( معركة الشُكابة ) حيث كنتُ آمل أن يمدنا الأحباء هنا بروافد وقصصاً لم تدونها الكتب والصحائف ، أو تفرقت في كتب الأدب أو الصحافة أو ذكريات البعض ولم نحظ في معركتنا في سبيل المعرفة بكثير شيء عن ( معركة الشكابة ) وأصبت بحسرة !!!!
ربما أحجمت الأقلام التي تعرِف عن التاريخ ، ولديها تصور عن أجندة خفية ربما تكون لكاتب مثلي يستسهل الكتابة على البلور في الشبكة العنكبوتية ، و ربما يلفه الكثير من الغموض . ولمن يتوجس نقول إن البنان الذي أكتُب به بنان حُرٍ يقف على مسافة متساوية من الأحزاب والطوائف ، ولا أرضى الظلم ولديَّ إيمان بالعدالة والمساواة وإن عزَّت في هذا الزمان وأحب الفقراء وأتوجس من غنى كجزرٍ تقف وسط بحر من البؤس ، ولدي موقف من الحياة والإنسانية ولا يحملني التيار .
أمل :
نأمل أن يتوفر الزمان ليصل المشروع كل أركان الوطن جنوبه وشماله وغربه وشرقه و أن يكون الملف فُسحة في التاريخ وكهوفه وطرقاته الوعرة ، ونأمل أن يكون الملف زاخراً بالتاريخ كعلم مع ذكر المصادر .
**
بدأنا مسيرة الحديث
الإنسان و التاريخ :
أ الإنسان مادة وروح أم هو عقل مُخطط أم كائن حُر أم هو نتاج علاقات اقتصادية أم هو نتاج علاقات اجتماعية أم هو نتاج سيكلوجية الفرد ؟
أ هو فاعلٌ أم مُنفهل ؟
أ هو صانع للتاريخ أم مِن صُنعه ؟
أ هو كائن ميّال للخير أو هو منبع الشرور ؟
إن الأنانية والحب والبغض والخوف ... وهي طباع غريزية ، وهي المحركات الرئيسة للنشاطات البشرية .
ونواصل
**
قال المؤرخ الفرنسي " جاك بانفيل " :
" بغير الحاسة التاريخية لا وجود للسياسة أو أنها تقتصر على مركبات لا مستقبل ولا أهمية لها "
قال المفكر بول فاليري :
" إن الماضي يفعل في المستقبل بقوة توازي قوة الحاضر ، والمستقبل لا صورة له لأن التاريخ وحده كفيل بإعطائه الوسائل التي تساعد على تصوره "
يقول تولستوي في ( الحرب والسلم ) :
" الإنسان يحيا عن وعي من أجل نفسه بيد أنه أداة غير واعية في تحقيق الأهداف التاريخية الشاملة للبشرية "
قيل :
"إن السياسة هي بنت التاريخ والتاريخ هو ابن الجغرافيا والجغرافيا لا تتغير في الزمن المنظور إلا نسبياً رغم تسارع تخريب البشر لبيئة الأرض التي نعيش عليها "
يُقال :
إن الأنانية والحب والبغض والخوف ... وهي طباع غريزية ، وهي المحركات الرئيسة للنشاطات البشرية .
يقولون إن الفرد لن يستطيع القيام بما يتوجب القيام به إن لم يسترشد بماضيه وماضي البشرية عامة ، بمحاولة جليلة من الذين أسسوا لعلم التاريخ يسهُل النفاذ للُب حياة الأجداد فندرِك قوانينها ونفهم الروابط التي تشُدنا للماضي وتشد الماضي إلينا لنتمكن من مواجهة المستقبل بثقة وعزم وللتهيؤ العلمي والنفسي برؤية .
يقال إن التاريخ لا يصل إلينا بصورة ( خالصة ) لأنها لا تُوجَد ، بل تنعكس من خلال ذهن المُدون ، ويترتب على ذلك صب الاهتمام على المؤرِخ الذي كتب العمل التاريخي أكثر من الحقائق التي يتضمنها العمل .
يكتب المؤرِخ بعد أن يُحقق درجة من الاتصال مع أذهان أولئك الذين يكتب عنهم ، ويمكن النظر إلى الماضي وتحقيق فهمه من خلال عيون الحاضر فالمؤرِخ ابن عصره وهو مُقيد به بحكم وجوده الإنساني ، و وظيفته ليست صُحبة الماضي أو تحرير نفسه منه ، إنما في استيعاب ذلك الماضي كمفتاح لفهم الحاضر .
برنامج قراءة التاريخ وتوسعة صحائفه في الأذهان :
معركة كرري :
مقدمة :
كانت البلاد منفتحة على العديد من دول غرب إفريقيا الحالية ، وحاول محمد أحمد المهدي بث رؤى دينية موحِدة للجماعات والقبائل مع خلق توازن بينها في ظل تآكل نظام الحكم التركي الذي جثم على أهلنا يأخذ مالهم بسياط القهر . جاءت حروباً مُتقطعة من الأطراف وسارت إلى الخرطوم مركز الحكم التركي وهزمته . بقي محمد المهدي بضعة أشهر قبل وفاته ، ومن بعده حكم الخليفة " عبدالله ود تورشين ."
. كان مقتل غردون باشا ليلة استرداد الخرطوم في سراي الحاكم العام في 25 يناير 1885 م هي صفعة لكل المستعمرين في ذلك الزمان ، صفعة للحكم التركي القادم من مصر منذ محمد علي الذي استعمر بلادنا عام 1821 م . وصفعة لإمبراطورية لم تغرب شمسها.
معركة كرري بأم درمان هي المعركة الحاسمة بلا مُنازع ، قامت انجلترا سيدة العالم في أواخر القرن التاسع عشر برد الصفعة بمقتل أكثر من عشرة آلاف في بضع ساعات !!!
أ لهذا غضبت " الملكة فيكتوريا " من دعوة الخليفة عبدالله لها أن تُسلم ليتزوجها أحد قواد المهدية ، فتم استدعاء اللورد كتشنر ( السردار ) من الهند لمهَمة تأديب " الدراويش " كما كانت تسميهم ؟
أ كانت الصفعة قد مست الكبرياء واستدعت الصلف بذاك الغرور ؟
.أن للدُنيا في ذلك الزمان سادة في البر والبحر ولا يقبلون صفعات الصغار وإن نأوا عن قلب المملكة بآلاف الكيلومترات ، فلم يشفع بعدهم للإفلات من الانتقام في كرري .
نعود للخليفة ولن نلبس لبوس الحياد :
كانت هنالك مظالم أيام المهدية ، وكانت قبضة الحديد السلطوية بائنة أيام حكم الخليفة عبد الله والحروب التي انتشرت لبسط السلطة في الداخل أو حروب الخارج التي لم يكن لها من مُبرر . هجر الزراعة للجهاد . كان المُهاجرين من الأطراف إلى مركز حكم الدولة وحظوتهم وتملكم قسراً ممتلكات الذين يقطنون العاصمة وما حولها ، والقساوة على المخالفين قد ألبت كثير من القبائل الجماعات لنُصر جيش المستعمر الفاتح فجاء السردار بقيادة انجليزية وجيش مصري غالب تدعمه بعض فصائل من" الشايقية " و" الجعليين " و" البطاحين" و"الشكرية "وغيرهم من أصحاب الثارات .
يقولون :
ما أسهل اعتلاء السلطة رغم قسوة الصراع عندما نُقارن بالذي حدث من بعد ذلك من انعدام البوصلة والرؤية . تلك التجربة لم يفد منها الوطنيين في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين من بعد الاستقلال ، فعلوا فعلهم حتى الاستقلال ثم انعدمت البوصلة والرؤية .
نكرر ما كتبناه في مقدمة حديثنا عن معركة" الشكابة " .تظل الرواية التاريخية تسبحُ في أذهان كاتبيها ، تراوح مكانها بين عدة محاور : منها الرواية الشفهية ومنها المكتوب الذي يرويه صاحبه بما يحمل في نفسه من أغراض تندس وسط السرد ، ومنها الرواية الإستخبارية التي تجمع كل شيء وهي في مكنونها التدقيق ، وتنشَر وفق خُطط مرسومة ، ومنها وجه اجتماعي ، أو اقتصادي أو جغرافي أو إنساني أو فلكلوري أو ثقافي ، و أوجه أصحاب المصالح ، أو رواية طرف شريك أو مُناوئ أو مُعادي وكلها أوجه من الوجوه التي تؤثر في الحدث وتاريخه . جميعها كُرة متضخمة يتعين تجميع أشتاتها ، ومن ثم إتباع أكثر المناهج دقة لمعرفة ما الذي حدث .
رواية الكاتب : نعوم شُقير :
سِفر ( جغرافية وتاريخ السودان ) بقلم اللبناني ( نعوم شُقير ) الذي عمِل في مصلحة المخابرات المصرية ، يحتوى (1403 ) صفحة من القطع المتوسط ، وهو كتاب باللغة العربية صدر عام 1903 في القاهرة أول مرة ، وأعيدت طباعته في العام 1967 م ، وأعادت نشره دار عزة عام
2007 م ، وقدمت للكتاب الباحثة الدكتورة :
فدوى عبد الرحمن علي طه .
أوردت الدكتورة فدوى في المقدمة أن الكاتب نعوم شُقير قد اعتمد على الكم الروائي من المشاركين الأحداث ومعاصريهم وما سمعه من الأبناء والأحفاد وكان جُل اعتماده على روايات الضباط والأعيان ، وأوضحت الدكتورة أن الجغرافيا مُرتبطة بالتاريخ ، ويحتوي السفر على قدر كبير من السرد التاريخي وفق الأسس المتبعة أكاديمياً ، ويأخذ عليه كثير من المؤرخين أن النص هو نص رجل استخبارات له ما له من الأغراض ، لكنه يعتبر مصدراً هاماً من مصادر التاريخ رغم اختلاف المؤرخين حوله فقد ظل هذا السفر المرجع الأساس حتى ظهور كتابات أكاديمية عن المهدية مثل كتابات بيتر هولت ومكي شبيكة ومحمد إبراهيم أبو سليم وهم رواد الدراسات الأكاديمية عن المهدية ، ومن اللاحقين الدكتور عبد الله علي إبراهيم وغيره .
هدف الدراسة :
إن الكثير من تاريخ موطننا وأحداثه الجسام لم تتم كتابته أو تدوينه كاملاً لتعقيد الحياة وضعف التقنية عند أهلنا . ونذكر هنا أسفار الشيخ بابكر بدري وقد دون فيها التاريخ منذ طفولته ، وقد شارك في المهدية وحارب في معركة توشكي بمصر وأُسر وقتل في توشكي بعض أقربائه ، وعاد من بعد للسودان ومن بعد بداية الحكم الثنائي دون أسفاره التي نأمل من يمدنا بما كتب عن ( معركة كرري ) .
نأمل من الأفاضل والفضليات مدنا بأية نصوص من مصادر متوفرة ، إذا نهدف الوعي بالتاريخ ، ولملمة أشتاته التي كُتبت في الأسفار ، و حُفِظت في الصدور ، لتكن المادة كاملة مساهمة لنقل المعرفة بتاريخنا أولاً وتنوير من هم في مقتبل العُمر ، والذين لم تسهم المناهج المدرسية في تعميق معرفتهم بمفاصل تاريخهم .
حسرة التجربة الأولى :
كان اختيارنا ( معركة كرري ) نتبع بها الملف الذي تحدثنا فيه عن ( معركة الشُكابة ) حيث كنتُ آمل أن يمدنا الأحباء هنا بروافد وقصصاً لم تدونها الكتب والصحائف ، أو تفرقت في كتب الأدب أو الصحافة أو ذكريات البعض ولم نحظ في معركتنا في سبيل المعرفة بكثير شيء عن ( معركة الشكابة ) وأصبت بحسرة !!!!
ربما أحجمت الأقلام التي تعرِف عن التاريخ ، ولديها تصور عن أجندة خفية ربما تكون لكاتب مثلي يستسهل الكتابة على البلور في الشبكة العنكبوتية ، و ربما يلفه الكثير من الغموض . ولمن يتوجس نقول إن البنان الذي أكتُب به بنان حُرٍ يقف على مسافة متساوية من الأحزاب والطوائف ، ولا أرضى الظلم ولديَّ إيمان بالعدالة والمساواة وإن عزَّت في هذا الزمان وأحب الفقراء وأتوجس من غنى كجزرٍ تقف وسط بحر من البؤس ، ولدي موقف من الحياة والإنسانية ولا يحملني التيار .
أمل :
نأمل أن يتوفر الزمان ليصل المشروع كل أركان الوطن جنوبه وشماله وغربه وشرقه و أن يكون الملف فُسحة في التاريخ وكهوفه وطرقاته الوعرة ، ونأمل أن يكون الملف زاخراً بالتاريخ كعلم مع ذكر المصادر .
**
بدأنا مسيرة الحديث
الإنسان و التاريخ :
أ الإنسان مادة وروح أم هو عقل مُخطط أم كائن حُر أم هو نتاج علاقات اقتصادية أم هو نتاج علاقات اجتماعية أم هو نتاج سيكلوجية الفرد ؟
أ هو فاعلٌ أم مُنفهل ؟
أ هو صانع للتاريخ أم مِن صُنعه ؟
أ هو كائن ميّال للخير أو هو منبع الشرور ؟
إن الأنانية والحب والبغض والخوف ... وهي طباع غريزية ، وهي المحركات الرئيسة للنشاطات البشرية .
ونواصل
**