المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحوش 3


شوقي بدري
02-11-2008, 02:08 PM
الحوش 3
في المواضيع السابقة تكلمت عن الحيشان وقلت ان سكن الحوش هي طريقة للعيش وسط مجموعات, لها حسناتها وسيئاتها وان كانت الحسنات تغطي علي السيئات . فاالانسان يتعلم ان يتعيش مع مجموعة كبيرة من البشر ويبتعد الانسان عن الانانية ويتعلم ان يشارك الاخرين كل شئ الا ان البعض يكفر بسياسة الاشتراكية وعندما يرحل عن الحوش يحاول ان يعيش لنفسه.
عندما كانت منطقة تقاطع العرضة بشارع الاربعين خلاء في الاربعينات . اشتري ابراهي م بدري وصديقه محمد علي شوقي فدانا من الارض. وقام عم ابراهيم بدري المهندس خضر بدري بتشييد منزلين متشابهين وهما المنزلان الذان يواجها الركن الجنوبي الغربي لمستشفي التجاني الماحي. وكنا نعرف ان والدنا ابراهيم بدري قد طلب بيع المنزل ونحن في الجنوب لان احد اصدقائه قد دخل في مشكلة و وبيع الحوش وحلت المشكلة والمنزل وقتها كان من افخر منازل امدرمان. (ولكن الولاء وقتها كان اهم من الحوش والناس في امدرمان قديما تقول البني ادم اهم من الطين والطوب ) ومساحته نصف فدان. وكانت الوالدة منقلا عمر مرجان ابنة سلطان بحر الغزال ووالدة عمر ابراهيم بدري تصف لي الحوش في نهاية الثمانينات عندما كانت سيدته في الاربعينات.
والان وانا اقرأ كتاب الاستاذ محمد خير البدوي (قطار العمر) عرفت لاول مرة ان سبب بيع البيت هو دخول الاستاذ مكي عباس في ديون بسبب جريدة الرئد التي كانت لسان حال الاشتراكيين وافكار الحزب الجمهوري الاشتراكي . وبكل بساطة ضحي ابراهيم بدري بحوشه بسبب العمل الوطني وكان هذا نعمة بالنسبة لي لاننا كنا نسكن بالايجار في امدرمان ونختار الحيشان الكبيرة وفي اغلب الاحيان نقوم بفتحهم علي بعض او حوش واحد كبير .وتنقلت وعرفت كل احياء امدرمان.
فلقد استأجرنا منزل ود زيدان في فريق السيد علي علي بعد خطوات من منزل السيد علي ولقد شاهدته في نهاية الاربعينيات بصحبة ولديه في الحولية. ثم استأجرنا حوش ود الجندي في جنوب العرضة. كما سكنا في منزل الياس دفع الله في حي الملازمين. وفي حوش الاستاذ محمد احمد عبدالقادر عندما انتقل كنائب ناظر لمدرسة خور طقت الثانوية وهو والد زين العابدين عضو مجلس الثورة المايوي . ثم منزل احمد زين العابدين في زريبة الكاشف في امدرمان والد الفريق محمد احمد زين العابدين. ثم حوشين متجاورين في حي السردارية باامدرمان احدهم للقائم مقام محمد مصطفي الكمالي والاخر لعديله والد الدكتور (معني) احمد عزالدين الحافظ. وهذا الحوش عرف بحوش الاولاد. ثم حوش البروفسيرمكي شبيكة وكنا نستأجر البيوت الكبيرة(قبل ان تشتري والدتي منزلنا الحاضر) لان بعض اهلنا منالاقاليم كانوا يسكنوا معنا وهؤلئ من اثروا حياتي كثيرا احدهم عبدالمجيد محمد سعيد العباسي ابن الشاعر محمد سعيد العباسي واخ الشاعر الطيب محمد سعيد العباسي الذي غادرنا قبل اسابيع طيب الله ثراه.
في نهاية الخمسينات وانا اتحدث مع سائق اللوري عبدالمتعال والمساعد زكي وفي انتظار خالي اسماعيل خليل اللذي كان يريد ان يوصل رسالة للدويم عن طريق البنطون ونحن في طريقنا الي امدرمان من ملكال. تقدم مني صبي في عمري وتعرف علي بسبب صورتي المعلقة في منزلنا بامدرمان وطمأنني عن اهلي وكان عنده تفاصيل عن كل شيء . وعندما احس باستغرابي قدم نفسه كبدر الدين احمد الحاج ووالده ابن خال والدي كان مساعد حكيم في الهشابة. وعرفت انه بعد وفاة الناظر محمد شبيكة ناظر مدرسة النهضة انتقلوا عبر شارع الموردة الي حوش خالهم ابراهيم بدري مع شقيقه معتصم احمد الحاج. ثم انتقلنا جميعا الي العباسية شمال ميدان الربيع واستأجرنا منزلين متجاورين يخصان علي عثمان الرباطابي. وصار المنزلان يشملان مالا يقل عن ثلاثين شخص , وعرف الحوش الجنوبي بحوش الجنون او الصبيان. وانضم الينا لفترة اثنان من اولاد المسلمية احدهم سليمان الذي انضم للقوات المسلحة فيما بعد وصديقه الطيب, وسليمان كان صديقا لاخي الشنقيطي. الذي درس في مدرسة المسلمية مع شقيقي ايمان ابراهيم بدري فلقد اخذهم كمال ابراهيم بدري الذي كان مفتش غيط للسكن للجزيرة ليكتسبا خبرة جديدة. كما انضم الينا شيخ العرب حمودة ابو سن ابن الوزير ابو سن في الديمقراطية الاولي ولا يزال شيخ العرب حمودة يعاملني كالولد الصغير واسعد لهذا. كما انضم الينا صلاح محمد التجاني سلوم شقيق الكاتب الصحفي الفاتح التجاني طيب الله ثراه ثم اتي لفترة للسكن معنا شقيقه التجاني اللذي حضر من انزارا حيث كان يعمل عمنا محمد النجاني سلوم وفي الباخرة تعرف باثنين من الهنود المسلمون من يوغندا وهما زاهر وامير وسكنوا معنا لفترة.
وكان حوش الصبيان يمتلئ بمن يأتي لقضاء ايام او اسابيع او شهور من اخوتنا الاخ سلمون ميخائل بخيت وابن عمتي عثمان عبد المجيد علي طه(كوارع) وطه امام عبدالله وصديقنا محمد بشير الطيب واحد سكان المنزل كان اخي الطيب سعد الفكي اللذي كان مليونير المنزل لانه يعمل كترزي ويتحمل اعباء العشاء والسينما بدون تزمر. وارتباطه بحوش ابراهيم بدري جعل رأيه يؤخذ في اغلب الاشياء. وحمل ثلاثة من ابنائه اسم شوقي والشنقيطي واسعد بدري ولي ابن يحمل اسم الطيب.
ولفترة سكن معنا استاذنا وابن عمتى في الثانوية الطيب ميرغني شكاك الذي مر بظروف نفسية سيئة بعد طلاقه, ونصح الطبيب بتواجده وسط مجموعة من الناس واتي بركوردرقرندق الذي كان يعتبر ترفا في تلك الفترة وعشقنا الكابلي وعرفنا كل شيء عن الفنان ابراهيم عبد الجليل فلقد كان الطيب من المعجبين بفنه وعضو لجنة كانت تسعي لتخليصه من ادمان الخمر واعادته للغناء.
كان لكل هؤلاء السكان اصدقاء ومعارف ياتون لهم, نتداخل ونتعارف بهم بعضهم يكبرنا سنا , اذكر ان ضابط البوليس صلاح التجاني قد حضر للمقيل معنا وكنا فخورين بطلعته البهية وزي البوليس الجميل كان صديقا لمعتصم احمد الحاج وكان ابن خالي احمد اسماعيل ابتر واللذي يسكن في الخرطوم 2 يحضر مع صديقه صلاح كنجي لقضاء فترات قد تمتد لاسبوع كان يقول ان حياة الحيشان في امدرمان تختلف عن الخرطوم 2 . وفي بعض الاحيان كان يحضر معه للمقيل مجموعة من اولاد الخرطوم2 احدهم كان ابيض الذي صار فيما بعد من مشاهير السودان, كدسك جوكي, في كافتيريا النيل الازرق . بعض اولاد الخرطوم2 كانوا يستمتعون بحياة امدرمان والتداخال لأنهم يعتبرون الذهاب للحمام كعقوبة لهم لم يتعودوا عليها لم يكن نظام الصرف الصحي قد انتشر في امدرمان .
عندما انضم الينا خالي وابن عم والدتي ميرغني ابتر وهو من سكان كسلا صارت القعدات متواترة لانه كان يعزف علي العود ولانه كان يعمل في النقل الميكانيكي بحري لقد كان زميلا لرفيق دربي عثمان ناصر بلال .كما انضم الينا خالي حسن محمد صالح ابتر وهو رجل مطلع ومثقف وصاحب نكتة جعل لحياة الحوش متعة . وانضم الينا ابن خالي من لقاوة صلاح محمد احمد صلاح الذي تزوج شقيقتي الهام فيما بعد طيب الله ثراه وكذلك الباقر ابتر ابن نائب وسر تجار كادقلي الاسطورة محمد عبد الرحمن ابتر وعشرات النساء والرجال الذين عبروا تلك البوابة
السكن في الحيشان يعلم الانسان الابتعاد عن الانانية فكل شيء مشترك. القميص المكوي قد يختفي والصابون والمعجون مشترك حتي امواس الحلاقة . والمال مال الجميع, ومن يتقوقع ويحاول ان يحتفظ بأشيائه لنفسه يجد نفسه معزولا. وكما كنا نقول قديما تنومو خمسة وتصحوا خمسة عشر ولقد نمت علي طربيزة المكوة عدة مرات والترديف شيء عادي . وفي صباح باكر اكتشفنا ان كل الشماعات والحمار كانت خالية من الهدوم . فعندما حضر التجاني في الليل حل مشكلة الفراش بأن صنع فراشا من ملابسنا, الشخص الوحيد اللذي كنا لانقرب سريره ونعتبر ا شيائه محرمة ولانطالبه بالدفع للعشاء هو اسماعيل الذي كان يسكن معنا وكان خادما مع شقيقتي امال ابراهيم بدري وزوجها محمد صالح عبد اللطيف وقيع الله قاضي جنايات امدرمان .وان كنا قد اجرمنا في حق اسماعيل فلقد تعلم وصار يدمن الوست والكونكان.
احد السيدات اتت لتعمل معنا وبعد اسبوع استقالت بالرغم من الونسة والاندماج مع اخواتي وامي قالت ,(لمن قالو لي اشتغلي مع ناس بدري بس تغسلي العدة فرحت ,قلت ناس بدري متعلمين وزي الخواجات فنجانين شاي وكم صحن وبعد داك اتكل ارتاح, اسي انا من الصباح اغسل في العدة وماخلصت ,تمانية صواني غداء انت ياختي ماكلمتيني انتو ناس شيخ منو؟) وصارت تأتي بعد ذلك للونسة فقط.
في التسعينات اتصلت بمنزلنا بامدرمان , وقبل ثورة الاتصالات الاخيرة كان الامر في حكم المستحيل وقد اسبوعا كاملا في محاولة الاتصال وعندما رن جرس التلفون فرحت الا انني لم اتعرف علي صوت السيدة التي رفعت السماعة وسألت مستفسرا(ده بيت ابراهيم بدري) وكان الرد شن خبرني , وبالسؤال انتي منو ؟ قالت لي انا من ناس العرس . وعندما سألت عرس منو؟ قالت عرس الصادق نحنا ناس بحرابيض . وعرفت من اختي نضيفة ان الصادق هو الاخ الاصغر لمعتصم وبدر الدين وعصام ابناء عمومتنا من الدويم وهكذا كانت حيشان امدرمان مفتوحة للجميع . ونحن سعداء وفخورون بأهلنا وعشيرتنا من حولنا ونحس ان التكاتف الذي نجده حولنا يساعدنا علي مواجهة الدنيا اننا اقوياء وسط اهلنا واصدقائنا وعشيرتنا .

شوقي,,,,,,,,