عرض مشاركة واحدة
قديم 22-07-2015, 11:08 AM   #[1]
عبدالله الشقليني
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي وما الناسُ بالناس الذين عرفتهم

وما الناسُ بالناس الذين عرفتهم



... ولا الدارُ بالدار التي كنتُ أعهدُ


(1)


زي ما النيل طبق مَركوبو

مارِق للبحر مُدّبي

أدخلي في الجسد مَحمومة
بالمرض البحيِّر طِبي
وافتحي باب ضَريحِك
يدخل الدرويش مُغبي
وادبُغي جلدي
بي قطران مهيج لُبي
زي أتر النِعال فوق الرمال مُتربّي
كان بَهل الجمُر مُنقَدْ سماي
شِن ذنبي ؟
مادام الرماد وسط الشرار مُتخبي

الشاعر : عاطف خيري


(2)

عندما تسير في طرقات المدن الرئيسة في السودان أو المدن الطرفية الآن ، وسطها وأطرافها ، تتفاجأ بأن الأغلبية من البشر، ليسوا من أبناء المنطقة، بل ولم يكونوا من أصول سودانية ! . فتُدرك التغير الديمغرافي الذي أحدثته الهجرة غير المقننة من خارج السودان إلى داخله وتُدرِك أيضاً كذِب الادعاء بأن هناك سُلطة أو دولة . تدرك أنت الكم الهائل من الهرج على السلطة ، بينما بقيت الأرض فسحة لمن يشاء ، لا أمن ولا أمان . ابتعدتْ السلطة عن الأطراف والحدود ، وانفتحت الهجرة بلا ضوابط . ليس الأمر نزوح سودانيين من الأرياف إلى المدن ، بل نزوح أجانب دخلوا السودان من خلال حدوده المفتوحة ، ولا سيما عن طريق غرب السودان . باسم القبائل المشتركة تارة وباسم الحرب والنزوح تارة أخرى . حدث تغيرٌ سكاني ولم يزل يتكون ، ولا نهاية للأمر في مُقبل الأيام . وصار تدريجياً وطناً يسكنه غير السودانيين ، وليست هنالك مقاييس أو أسس للهجرة ، مثل كل دول العالم .

(3)

عندما بدأ مشروع القطن أوله بشركة أمريكية عام 1913 ثم عام 1926 في الجزيرة بعد اكتمال تشييد " خزان سنار "، كانت أفكار المستثمرين تدور حول استيراد عمالة من الهند أو من زنوج أمريكا أو من مصر، وانتهى الأمر بعمالة غرب إفريقيا لأنها الأرخص .
ذكر الصحافي " عبدالله رجب " أنه كتب عدة مقالات في صحيفة " السودان " وكان موضوع أحد المقالات " السودان في طريقه إلى التكرنة " عام 1936 ،والمقالة تحاول تحليل ظاهرة الهجرة من غرب أفريقيا إلى السودان دون ضابط .
و الآن ما تبقى من السودان ، تآكل من أطرافه البعيدة . أخذت منه أريتريا وأثيوبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى وليبيا ومصر ما شاءت وأخذت جنوب السودان " أبيي ". ولما تزل حدوده الشرقية والغربية عرضة لهجرات بلا ضابط . جاءت الحروب في دول شرق إفريقيا وتدفق المهاجرون ، و منذ نزاع ليبيا وتشاد ،تدفق المقاتلون إلى السودان الغربي ، وتدفق معهم السلاح . وجد الغرباء الأرض فسيحة فاستوطنوا.
لما تزل حدودنا مفتوحة للوافدين والرائحين ، وأهل السودان الحقيقيون يعانون من ويلات المهاجر وجمارها المتقدة .خمس سنوات وكل قاطن في السودان له حق التجنس، ولا سياسة للمِثل أبداً .لا أحد يراقب ولا أحد يسأل . انتهى زمن جنود الهجَّانة الذين يحرسون الحدود . أين جهاز الأمن الذي يدافع عن أمن الوطن والمواطن؟! . وهو سؤال مشروع لأصحاب السلطة .
(4)
نما الجهاز الأمني منذ طفولته عام 1989 وصار شاباً ، يمتلئ فتوة . وصار من المنطقي أن تبقى الملفات الرقمية وخاماتها في منطقة معزولة بعيدة عن بيئة العمل اليومي ، خارج ولاية الخرطوم . تم هدم كل أجهزة الدولة الأخرى ، ونما الجهاز ليصبح جهاز الدولة الأوحد . واكتملت أركانه كقوة نظامية ، مثل سائر القوات النظامية منذ تعديل الدستور الأخير أوائل العام 2015 ، ولكن ليس مثل القوات النظامية المعروفة ، فهو قوة مميزة بشرياً وتقنياً ولها آليات قتالية ، ولها مصانع أسلحة متفرقة ، ولها سجون ومكاتب إدارية وتمويهية ، ولها أياد خبرة أجنبية مُدربة . والجهاز يشمل أمن النظام ، ووزارة المالية الحقيقية ، والجيش ،و قوات الدفاع الشعبي ،و قوات الجمارك ، وقوات الشرطة ، ووزارة التجارة والصناعة والتصدير والاستيراد ، الصحافة والإعلام والتلفزيون والإذاعة والاتصالات والمحال التجارية والخدمية المنتشرة في البلاد . تتبع معظمها للجهاز، .منظومة مؤسسات ليست لها من سقوف . لا سلطة عليها ولا ضرائب ولا رقابة إلا من داخل " الجهاز " نفسه. يتم متابعة كل التنظيمات المدنية والعسكرية داخل السودان وخارجها .للجهاز أذرع داخل الدولة وخارجها . قوى بشرية يتم تمويلها تخدم الجهاز ، بعلمها أو بدونه . جيوش صامتة مبثوثة في كل دول العالم . بينها خيوط رفيعة ، لا تُرى بالعين المُجردة ، ولكنها قوية لاستحضار المعلومات عن السودانيين ورصد حركاتهم وسكناتهم. كمٌ هائل من المعلومات المتدفقة، يتم جمعها ، وإعادة تنظيمها ، والانتفاع بها . بل صار للجهاز محكمة خاصة به !!
أيمكننا أن نسأل: أين هذا الجهاز من قضية الهجرة غير الشرعية التي تدخل السودان من أطرافها كل يوم وليلة !؟
(5)
لا تجد أحد في زحام الطريق إلا ويقول لك أنا سوداني وهجَّرتني الحرب ؟!، وأهل السودان الحقيقيون يهاجرون ويتعذبون لتكن هجرتهم بإقامة شرعية ، بعد أن طردتهم دولتهم قصداً ، في حين ساد فيها الأجانب بلا ضوابط . يقولون صار في ولاية العاصمة أكثر من عشرة ملايين فرد ، وبحساب بسيط ، صار ما يقارب ثلث السودان في 4 % من أرضه . تقلصت الأرض الزراعية ، وازدهرت التجارة الهامشية . وصارت العاصمة موبوءة بالأمراض وتراكم القاذورات مع انعدام مياه الشرب النقية وغير النقية وانقطاع تام للكهرباء وعدم توفر نظام صرف صحي أو صرف مياه الأمطار . والجهالة السياسية تقول : سوف نستورد الكهرباء من أثيوبيا ؟. أيعلم أصحاب النفوذ السياسي في السودان أن خلف الخزان الأثيوبي سوف تكون بحيرة جديدة بها من المياه ضعفي ما تحتويه بحيرة " تانا "! ، وسوف تَسِع ستين مليار متر مكعب من المياه ، وهي بلا قسمة سوف تستحوذ عليها أثيوبيا !.


عبدالله الشقليني
20 يوليو 2015


*



التوقيع: من هُنا يبدأ العالم الجميل
عبدالله الشقليني غير متصل   رد مع اقتباس