عرض مشاركة واحدة
قديم 06-04-2010, 01:09 PM   #[42]
مدثر ياسين
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

الأخ الجيلي
تحياتي وتقديري لهذا البوست المتميز الذي يقوم مقام مشروع قراءة في عوالم إدوارد سعيد ، المفكر .. الفنان .. الفيلسوف .. صاحب العقل الضَّاج بالأفكار الخلاقة ..
مثلك أنا أمضيت سنوات في محاولة التوغل في عوالم هذا الرجل الفذ، وقفتُ مشدوها أمام تجربةالاستشراق .. ومتواليات .. ومشاريع فكرية أخرى، ومع كل تلك السنوات إلا أنني أشعر بالفشل في تجاوزأمواج أفكاره الرفيعة ولغته الساطعة للوصول إلى أقرب جزيرة في بحر تجربته.
لغته وعرة وشاقة وتوصيفه لمدن التاريخ وبشاعة الأساليب المتحجرة للكثير من المستشرقين والمهتمين بحضارات الشرق والتي فوتت أمامهم الفرصة لاقتباس الدلالات المثمرة بفهم تلك الحضارات، وطوافه الشاق للتواصل مع عالم النظريات المترحلة .. وكتابة البورتوريه الموسيقى، ومقارعة خصومه الأكاديميين بالجامعات الأمريكية.
وقد فجعت لرحيله ، وزاد من فجيعتي رحيل الشاعر محمود درويش الذي كان الأكثر اهتماما بتجربة إدوارد سعيد، فقد غابت (الكرمل) بغياب درويش وكانت الأكثر احتواءً لمهمة إعادة قراءة أدبيات إدوارد سعيد، بما قيض لها من مترجمين محترفين، كان أبرزهم (د. إحسان عباس).. لكنه أيضاً رحل دون أن يحقق لإدوارد سعيد أمنيته بأن يترجم له (الاستشراق) .. وأظن أن الأمنية ولدت في قلب وعقل (إدوارد) منذ أن رأى الزخم الأدبي الذي رافق تجربة ترجمة (إحسان) لرواية (موبي دك) .. إذ تحولت بفضل ثقافته الواسعة وقدرته اللغوية العالية من مجرد رواية متميزة إلى ملحمة أدبية رفيعة استخدم فيها المترجم جيشاً عرمرما من اللغة والبصيرة والاقتدار على التماهي في خيال الراوي..
إذن لم تكن فجيعتنا فقط في رحيل (إدوارد) فثمرات عقله ماثلة بين يدي قراءه جيلا بعد جيل ، ولا في الغياب الكبير الذي خلفه محمود درويش الذي ستبقى قصائده حاضرة في الذاكرة الجمعية العربية ، لكنها في (اندثار الكرمل) .. و (رحيل د. إحسان عباس) .. الرجل الأكثر كفاءة واقتداراً لإتاحة الفرصة أمام القارئ العربي لتجربة (إدوارد) الفكرية الخلاقة .. بل إن (إدوارد) رحل في ذلك الصباح الشتائي الحزين وهاجسه الأكبر أمر (المسافة) الفاصلة ما بين نصوصه وقدرة القارئ العربي على تفكيك طلاسمها وألغازها .. إن الصعوبة الكامنة في كل سطر كتبه (إدوارد) بفعل الكثافة الفكرية والمعرفية تقوم مقام جدار شاهق يستحيل أن نتسلق مائة متر منه دون أن يردينا لسفحه رهابُ المرتفعات.
أذكر أنني عقب رحيله كتبت مقالة متواضعة نُشرت في مدارات ثقافية بصحيفة الخرطوم، وكذلك في جريدة الصحافة.. كانت عبارة عن إضاءات متواضعة حول عوالم ذلك الرجل.
مرة أخرى أحييك أخي الجيلي على هذا المشروع للتوغل مسافة في عوالم (إدوارد) الشاسعة.



مدثر ياسين غير متصل   رد مع اقتباس