التنقيب عن الذهب...حقائق وأسرار!

[عادل عسوم]

عدتُ بالأمس بعد قضائي ليومين بين اهلي في مسقط راسي كسلا الحبيبة...
الزيارة كانت لغرض لا يمت للعنوان بِصِلة الاّ انها اصطبغت به لونا وحراكا ومآلا.
اذ أني التقيتُ-مصادفة-بصديق لم أره منذ سنوات في سوق كسلا وقد تحلق الناس من حوله يهنئونه على نجاح ابنه البكر لحصوله على كمية كبيرة من الذهب في منطقة للتعدين العشوائي تقع في الجانب الغربي من الصحراء المتاخمة لكسلا...
لم أجد مناصا من تأخير عودتي الى الخرطوم الى اليوم التالي استجابة لالحاح صديقي ذاك لتناول طعام العشاء في بيته...
وهناك...
التقيت بابنه البكر محمد الطالب في كلية الهندسة والذي لم يتجاوز الحادية والعشرين من عمره...
جلس اليّ محمد وحكى لي عن رحلته الميمونة للبحث عن الذهب -هو وزميلا دراسة من أصدقائه-وكلُّ ما في ايديهم جهازٌ صغير الحجم ألماني الصنع مكتوب على ديباجته(GGP250)(وكارو) على راسها حمار ووعاء بلاستيكي كبير للماء وبعض المعاول للحفر وازاحة التراب وبوصلة لتحديد الاتجاهات وفُرشٌ وأغطية و(مصلاية).
لقد كانت رحلة مثيرة لشباب في مقتبل العمر ارتأيت أن أكتب عنها وأوثقها ليس احتفاء بال(5) كيلوجرامات التي تحصلوا عليها ...انما لاعجابي الشديد بقدرتهم المبدعة للتهيئة والترتيب وسلامة الاعداد وحسن التصرف الذي اكتنف مغامرتهم المثمرة تلك...
(يتبع)

[عادل عسوم]

لقد سمعت -من قبل-الكثير من ال(قصص) عن مكتشفي ومحظوظي الذهب...
لكني لم ألتق أحدا من أولئك...
لذلك فقد كنت من المكذبين لتلك القصص الى أن التقيت بمحمد خلال رحلتي هذه...
...
قال لي (مهندس الألكترونيات الشاب محمد):
لقد انشغلت بأمر الذهب منذ سنوات وذلك خلال المرحلة الثانوية عندما قرأت عن أسباب ارسال محمد علي باشا جيوشه لغزو السودان...
لقد وجدت الهدف الأول من ذاك ...الذهب!
ومن قبل ذلك قرأت في التأريخ النوبي عن الحُلي (المهيبة) التي كانت لدى الملكة أماني شخيتو في البجراوية ...موصولة بالقصص العديدة لأفراد ما فتئ الناس يحكون عنهم بأنهم وجدوا الكثير من الذهب في العديد من المواطن في صحارينا الممتدة هذه...
فقلت لنفسي لماذا لا أخوض هذه التجربة؟!
وكم كنت محظوظا عندما أتى الوالد بهذا الجهاز-الذي كان معطوبا-وقد باعه له أحد الرشايدة بعد أن يئس من أصلاحه...
عكفت على الجهاز لاصلاحه مستعينا بالشبكة العنكبوتية والعديد من فنيي اصلاح الأجهزة الكهربائية وقد سافرت لاجل ذلك لمرتين الى الخرطوم الى أن وفقني الله لاصلاحه...
وأضاف هذا الجهاز الكثير من العنفوان لرغبتي في مغامرة البحث عن الذهب...
فما كان مني الاّ أن ابلغت صديقا عمري وزميلا دراستي وشرعنا نعدُّ عدتنا للرحلة...
(يتبع)

[أمين]

سلام أستاذ عادل
لقد كنت من أوائل الباحثين عن هذا الأصفر العجيب إذ إن بدايته كانت في مناطق تتاخم منطقتنا وكانت لنا صولات وجولات في وادي قبقبة وجبل النقارة ونمرة ستة وأم فتفت وووو وأطلال العنج الذين بهم عُرف
في انتظار استكمالك لسردك
تقديري وشكري

[عادل عسوم]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمين

سلام أستاذ عادل
لقد كنت من أوائل الباحثين عن هذا الأصفر العجيب إذ إن بدايته كانت في مناطق تتاخم منطقتنا وكانت لنا صولات وجولات في وادي قبقبة وجبل النقارة ونمرة ستة وأم فتفت وووو وأطلال العنج الذين بهم عُرف
في انتظار استكمالك لسردك
تقديري وشكري

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته عزيزي أمين
مرحبا بك مثريا ومضيفا ياحبيب
لقد حركت رحلتي هذه ولقائي بمحمد الكثير مما اكتنف حياتي الجامعية أثناء دراستي لل(كيمياء التطبيقية والهندسية) في جامعة أم القرى بمكة المكرمة الحالية والملك عبدالعزيز فرع مكة سابقا...
اذ معامل ومختبرات الكيمياء في تلك الجامعة كانت بها العديد من الأجهزة الحديثة والمعينة على البحث والتقصي والتحقق عن العديد من الأفكار التي راودت العديد منا حينها...
تتمثل تلك الأجهزة في ال(spectrophotometers) و (gas chromatography) و (Mass Spectroscopy ) وأجهزة ال(NDT) والأجهزة التي تعمل على الموجات فوق الصوتية (Ultrasonics) وغيرها مما كان موفرا لنا كطلبة في تلك الجامعة...
كنا ثلاثة...زميل عماني وآخر فلسطيني وشخصي انشغلنا كثيرا بأمر (ذهب قارون) الذي كانت تنوء العصبة أولي القوة من الرجال بحمل مفاتيح خزائنه!
شرعنا في القراءة عن كل مابين يدينا من كتب ومراجع -اذ الشبكة العنكبوتية يومها لم تكن متاحة بعد-عن كيف تحصل على هذا الكم الهائل من الذهب...
وجدنا العديد من الكتابات تفيد بأن قارون كان له مختبر في دره نجح فيه على تحويل النحاس الى ذهب بطريقة كيميائية!
ما اكن منا الاّ أن فاتحنا أحد أساتذتنا وهو المسئول عن المعمل في أمرنا هذا وطلبنا منه أن يسمح لنا بالتواجد في المعمل في الفترات المسائية بعد انصراف الطلبة فسمح لنا بل وقد سعى الرجل مشكورا الى مساعدتنا كثيرا خلال بحثنا ذلك...
وقد اثمرت جهودنا تلك الى بعض خلاصات أجمع كل من اطّلع عليها بايجابها وفائدتها لكل من يريد أن يصل بهذا الأمر الى غاياته...
ولعلي أرود شيئا من ذلك خلال نول خيطي هذا...
مرحبا بك عزيزي أمين ولك أن تعود متى ما وددت ياحبيب
مودتي

[عادل عسوم]

قال محمد:
شرعنا نمسح الارض مستعينين بالجهاز طوال بقية نهار اليوم الأول دون أن يصدر عنه صوت يدل على شئ...
فخشينا في أن يكون الجهاز معطوبا لايعمل...
لكنا تأكدنا من عمله عندما وجدنا مجموعة من الباحثين عن الذهب ينقبون وقد تحصلوا على قطعة صغيرة منه قد كانت كافية لاختبار الجهاز...
لكن...طلب منا أولئك بأن نبحث لنا عن مكان آخر للتنقيب (اذ من المتعارف عليه أن الذي يسبق الى مكان ...فهو له لايشاركه فيه شخص أو مجموعة أخرى)!
فاتجهنا الى مرتفع يبعد عن أولئك بحوالي الثلاثة كيلومترات...
قال محمد:
وقفت أنظر الى التل فوجدته مُشربٌ بحمرة وشئ من اصفرار مخالفا للون ما حوله من الارض!
فقلت لرفيقيّ لنبحث هنا...
شرعنا نمسح المكان الى أن أرخى علينا الليل سدوله...
فخلدنا الى النوم بعد ان طعمنا مما نحمل ...ولم ننس أن نصلي صلاة الحاجة قبيل الوتر...
واستلقيت على ظهري أتأمل النجوم وقد بدت أكثر توهجا ولمعانا عن ايما يوم رايتها فيه!
بدت احداها أكثر بريقا وابهر ضوءا فجعلت أنظر اليها والنوم يغالبني...
لكأنّي أتصعّدُ الى السماء!
ولم ألبث الاّ وأنا على سطح ذاك النجم...
فاذا بسطحه من الذهب الخالص...
وثمة ينابيع من أمواه تسيل داخل قنوات شفافة ترى من خلالها الماء ينساب تلتمع النجوم على سطحه...
التفتُّ يمنة فاذا بشجرة (طُندب) تقف وحيدة لا خُضرة هناك سواها...
فاقتربت منها ...فاذا بوالدتي رحمها الله تجلس باسمة وهي تُعِد القهوة!
قالت لي:
هاك يامحمد الفنجال دا اشربو وابقا عشرة علي شدرة الطندب دي...ثم تلاشت الوالدة...
فلم البث الاّ وصوت اذان يطرق اذني فنهضت فاذا بأحد رفاقي يشرع في الأذان لصلاة الفجر...
صلينا ثم جلس رفيقي الآخر يُعِدّ كوبا من الشاي ...فانبرى الى خاطري طيف المرحومة وفنجان القهوة...
بحثت في متاعنا فلم أجد (بُنّا) كي أصنع منه قهوة فاستأذنت من رفيقيّ وذهبت مستعينا بال(كارو) في اتجاه من وجدناهم بالأمس لعلي أجد لديهم قهوة...
وبعد انتصاف الطريق اذا بي بذات شجرة الطندب أجدها بين يدي!!
أقشعرّ بدني وأنا أنظر الى ذات المكان الذي رايت الوالدة تجلس عليه بجوار الشجرة...
دُرت حولها فلم أجد أحدا...
وفجأة عنّ لي خاطر:
لماذا لاننقب بجوار هذه الشجرة؟!
فقفلت عائدا ورجوت من صديقيّ مرافقتي فحملنا الجهاز وعدنا الى الشجرة وشرعنا في المسح...
انتصف النهار والجهاز صامت لايكاد ينبس بنغمة...
فانتابني ذات الشعور السابق بأنه لايعمل...
ولم يلبث رفيقاي وقد بدأوا في التندر عليّ وقد أنباتهم ب(رؤياي)...
قال أحدهم:
ياابوحميد المنام بيقول شجرة الطندب قايمة فوق نجمة فووووق في السما دا فخلينا نرجع حتتنا ديك ياخي...
لم التفت اليه اذ أن أذني قد التقط بصيص صوت بدأ صدره الجهاز!
اتجهت يسارا ...فانقطع الصوت...
ثم اتجهت يمينا وعلى بعد مترين من المكان الذي رايت أمي تجلس فيه فاذا بالصوت يعلو ويعلو!
فذهل رفيقاي وأتينا بمعاولنا وشرعنا في الحفر...
ولم يأت العصر الاّ وبين يدينا (أحجار) الذهب تلك...
...