خاطرة ....(27)....!
حبك أكبر مما في وسعي ...!
هل تحمل الطير في قلبها أكثر مما في وسعها ؟؟
(ريشها والحنين ...!
وحبة قمح ضرورية للغناء ...) كما يقول "درويش " ؟
كم تمنيت لو يحمل عقلي هوى قلبي
أو...
يبلغ قلبي حكمة عقلي ..
إذن،
لكنت فعلت بالوقت والانتظار ما فعلته الريح بالشمس...
....
كنت ظننت أن حدود الحب هي عيناك ... وان الملح في دمي ينضح بوجودك الحارق قبل بدء الخليقة فيّ ...!
مدريد القديمة ...
بين الازقة تحلق فيها ارواح الشعراء والكتاب والفنانين كنت اري .. ابتسامتك تبرق حينا وحين ... سمعت بابلو نيرودا يقرأني قصيدتك التي تحب .. " لو لم يكن لعينيك لون القمر" ..
جاءني صوتك من شفتيه يقول ..
( لا احبكِ كما لو انكِ وردة من ملح.
او حجر ياقوت، او سهم من قرنفلات تشيع النار:
احبكِ مثلما تحَبّ بعض الامور الغامضة،
سرا، بين الظل والروح.
احبكِ مثل النبتة التي لا تزهر
وتخبىء في داخلها ضوء تلك الزهور
وبفضل حبكِ يعيش معتماً في جسدي
العطر المكثّف الطالع من الارض.
احبكِ دون ان اعرف كيف، او متى او اين،
احبكِ بلا مواربة، بلا عُقد وبلا غرور:
هكذا احبكِ لأني لا اعرف طريقة اخرى)
اه كم عشقته لاجلك وعشقت "أسبانيا في القلب" أيقنت حينها أن " لا شيء هناك سوي الشعر او الكلمات”
قرطبة ...
مدينة ملآى بالتاريخ والحسرات المنهمرة من انسراب أحلام المساجد العتيقة في ليل الكنائس ..
أسير بها وأتلفت، أنى غنّى الطير أجدك ريحا تهب عن يميني وعن شمالي وفوقي، فأطرب، ثم لا أجد غير الصمت..
في توليدو ... او لعلها طليطلة، بعد انكسار حلم الفتوحات العربية عند بوابات العيون الخضراء..وقلاع الأجساد المسجاة على قارعة الطريق .
انتظرتك قرب بحيرة للبجع، يستحم فيها الضياء.. وتنتشر زهر البنفسج فواّحةً في الأرجاء ..
انتظرتك .. بصبر لا أعرفه، حاولت استعارته من نهر التاج يسكن فوق البلاءات المستمرة ...
أركض خلف أسراب وجوه الذين ينحدرون صوب البحر .. يلفني خوفي من انتظارك .. ولهفتي لانتظارك وهربي من، وفي انتظارك ...!
في حديقة الذكري باشبيلية انتظرتك .. حيث كانت العصافير تجدل ضفائر الشمس وتسكب ألحانها غيمة إثر غيمة، ... في قلبي!! ..
كنت اتكئ على كتبي ، مظلتي ووجهك!!
أحدق في الندي وانتظرك ..
قرانادا (غرناطة) مدينة عازفي الكمنجات حيث ترقص الحسناوات بإيقاع الخيول العربية وحيث يتدفق الحسن شلالا من الألوان المتجددة .. لا ينقصها سوى قمرك، يشرق مع بزوغ ليل الحنان!!
يتمايل النخيل حزنا ينفض عنه غبار الزمن، وينتظرك معي قرب الساحة الكبري ...
أقرأ .. أقرأ... وأقرأ، ... علك تخرج من بين السطور وتقول لي:
ماذا سنفعل بالحب؟
(قلت : ونحن ندسّ ملابسنا في الحقائب،
نأخذه معنا، أم نعلقه في الخزانة ؟
قلت: ليذهب إلي حيث شاء
فقد شبّ عن طوقنا ، وانتشر ....)
"محمود درويش"
|