:: كــاتب نشــط::
|
محنة النبى لوط
ستيغما (2)
محنة النبى لوط
تاج السر الملك
ذهبن الى غير رجعة الأيام الزاهيات المذهبات لبقالات ( سفن-الفن) , فحتى اوائل التسعينات , و فتيات (هيو هفنر) صاحب ( البلاى بوى) , يقدمن البارد و الساخن , و المشوى و المقلى, على طبق من ابتسامات عذاب و تبهكن يملأ القلب حبورا و بلهنية , و يتمنين لك فوق كل ذلك ( نايس داى) , و جاءت على اعقابهن حسان اثيوبيا اللواتى يتقن كلمة ( نكست) , و الأصرار على الحديث باللغة ( النماستية) استدرارا للأعجاب , أو حياء من الأكسنت الكثيف , حتى انزوين جميعا فى ( قراشات) تحت الأرض, يقول الخبثاء ان المال فيها جزيل , أجزل من وظيفة فى ( ناسا) , ثم اتى عصر المحرمات المحجبات , من أرض الباكستان و الأفغان, و اولاء يكثرن من الأستغفار كلما مرت بين اياديهن علب البيرة الباردة , او ( حصان طروادة) المطاطى !!! اما عهد الهنود , فهو عهد الشك , فكل زبون حرامى حتى و لو كان قاضى المديرية , و الأنجليزية عندهم كما يقول صديقنا ( الرشيد) ( زول بتكلم و فى خشمو بلى).
و جاء اليوم الذى دخلت فى صباحه البهى , كعادتى لشراء القهوة, حتى فوجئت بتحية الجالس خلف الكاونتر
- سنو
- -سنو آفيا_ اجبت دون وعى
- آفيا كلو أنا زاكا أنا كجيا ...و حانت منى التفاتة فرايت لدهشتى الصاعقة , كورة ( القودوقودو) , و عليها صورة هلال رمضان , قابعة , ( مطرقعة ) فى صمت بجانب الميكرويف , وفم الرجل محمر , مصفر , من اثر مضغ ( القورو) , ...أمريكا رحلت مشت وين؟؟.. صرخت فى سرى يائسا ..بينما الرجل ( الكزو) يحدق فى وجهى , و كأنى بسيل افكاره الهادر , يلطمنى على وجهى ( الحبشى المعفن ده داير شنو)..وددت ان اجيبه ..انا سودانى اول حاجة..و لكنه لم يسألنى, فعملت على مجاهدة النفس كاتما رغبة ملحة فى الصياح.....كيس!!
- حز فى نفسى هذا المنولوغ الشرير لبرهة قليلة, قضى عليه شعور بالحسرة على ايام زمان , ايام كانت ( مانهاتن) مبنية بالجالوص, تمنيت حيث لا يجدى التمنى, عودة فتيات الغلاف الى مباشرة اعمالهن فى ( سفن-الفن) , و فتيات ( ايبونى) السمراوات , و على اسوأ الفروض , شباب أديس ابابا الباسل , او الكاريبيات اللائى ينشرح الفؤاد لخطى السالسا التى يمشين على ايقاعها. و اصابنى الأكتئاب العضوى الفورى , وانا اصطلى بالنظرات المكوة لعاملنا الجديد, و الذى اكاد اجزم بأنه لم يسمع فى حياته بكلمة ( كستمر سيرفيس) أما ( اليونيفورم), الأخضر المزوق بالأحمر فكأنى به يصيح من غربة ووحشة و حسرة لاعنا اللوترى و سنسفيله.
- عكفت فى الأيام التى تلت , مجدا فى البحث عن الأمريكيون , فما وقعت لهم على اثر, فكأنما انشقت الأرض و ابتلعتهم , وتخيلت كم من الناس احرجوا , حينما صرحوا بكثير من الفلهمة ( جيرانا بيض) , حتى افاقوا من النوم على رحيل البيض فى الصباح التالى, فكأنما حملتهم مركبة فضائية الى خارج المجرة, ثم سرعان ما تمتلىء المنطقة بمزيد من ( البنى كجة) , يفدون كاللعنة التى لا فكاك منها, و علمت فى بحثى , بهجرة الأفروامريكان الى الجنوب, حين لم يستقم لهم ود مع اى من المهاجرين , و خاصة اهل آسيا, حصدوا منهم ما حصدوا , و حينما اشتد عزم الشرطة و غرامهم الأزلى مع القهوة المجانية و ( الدونت) و الدفاع عن تلك المزايا حتى آخر رمق, هاجروا الى الجنوب بخيرهم و شرهم.
- و انتبذ البيض الأماكن القصية العصية, كتلك التى تصل فيها قامة الجليدعشرة اقدام او يزيد ,و الأربعون تحت الصفرتلك لا تجامل احدا من جنس غير ساكسونى مهما عظمت هامته , محولة اياه الى دندرمة, و قد علمت بعد جدى و جهدى فى البحث , اننا جميعا , اسايلاب , لوتراب و مزارعين , لابد و ( مصطكون) فى سوق واشنطون الشعبى الأكبر , فأسفرت البقالات الحلال عن مكنوناتها , زيت السمسم , و روائح ( الفرير دمور) و جنائن السيد على و الكافن كافن و عرق المحبة و سعوط الوطنية بحرى , و غير ذلك , شاشات الجزيرة الضخمة فى المقاهى و صورالمجازر المنقولة عبرها بصدق و تفان و انت تتناول طعام العشاء بلذة و شغف.
- نمت و فى خاطرى سؤال..هل هذه هى امريكا التى غنت لها البنات فى الستينات( الروك اندروك..والقمر الروسى) ؟؟؟
- ثم بدأ الأمريكيون فى زيارتنا من وقت لأخر, كانوا سواحا من الرسميين , جلهم من المفتشين و الجباة والمحامين ..صحة, ضرائب, و مخابراتية , فى المقاهى و المساجد وبينهم ( بنى كجة ) ايضا , و قد تداعت الخواطر المزعجة فى عقلى الى حد خفت فيه من اليوم الذى أفتح فيه ابواب منزلى فى صباح العيد لأفاجأ باهازيج ( ايدو مبارا الينا اليكم ..كل سنا مكو تايبين) , مثلما يفجئنا الساسة السودانيون , الذين تركنا البلاد لاجلهم ,و ملاحقتنا بمحاضراتهم الفجة اللزجة , التى لا تسمن او تغنى من جوع , ملتصقون على اعقابنا انى حللنا!!!حتى اصابنا ما اصاب صاحبنا الذى هاجر الى اقصى حدود ( السكا) , ظنا منه بأنه بعيد عن ايدى ( بنى كجة) , حتى سمع من وراء باب كابينة موارب صيحة ترعد منها الأفئدة....خمسين!!
- حكى لى صديق آخر خبر ادائه لقسم الجواز , بكثير من الزهو و النشامة , و كيف انه كان يردد نشيد السلام الجمهورى السودانى فى سره اثناء اداء القسم , فاعجبت ايما أعجاب بهذه العبقرية النادرة , , اجبت على قوسى عينيه الفارغتين بمزيد من الأطراء و انا كاذب حتى العظم , أشدت داخل القوس بما فعل , و اثنيت على الشطارة التى (فاتت) على اهل الجوازات و الهجرة , و ذكرته بأن قلوب و خواطر الأمريكان لا بد و ان تنشق ان علموا , فكم من ليال قضوها فى انتظارك, لتحل ضيفا عليهم , تعمل ليل نهار , لتستأجر منهم الغرفة التى تنام فيها , و تكترى السيارة التى تمتطيها , و حتى الهواء الذى تتنفسه, تدفع فى سبيله ضريبة ( الأيميشن), فأن (تمنتشت) عليهم , ارسلوك اهلك عاريا كما ولدتك امك!!!فأنبسط الصديق لقولى و همس فى اذنى ( الأمريكان ديل بلداء...ما تشوفن كدا) , و كنت ( اشوف) فى تلك اللحظة , المختصر المفيد , من قبائل العالم الثالث , متكدسون ما بين ( سمنارى رود) , و ( ليزبيرغ بايك) ..لا حلم و لا قدرة على الحلم , اقرب قليلا الى قول احدهم ( كاسرين ركبة)!!! و جال بخاطرى انشاد صديقى للسلام الجمهورى , ويده مرفوعة فى فضاء الغرفة , تمنيت لو انه تلاه بصورته الصحيحة , و ليس كما انشده احد لاعبى الفريق القومى لكرة القدم , حين قال ( يا بنى السودان..هذا جيشكم..يحمل العلبة..) الخ الخ..هى محنة اشبه بمحنة نبى الله ( لوط), الذى أرتبط اسمه بسلوك , قاتل ضده حتى النهاية , فما سمى حرم او شارع واحد بأسمه , و لا ادعى النسبة اليه احد.
ـاج السر الملك
-
|