نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > منتـــــــــدى الحـــــوار

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-12-2021, 08:59 PM   #[1]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي للتوثيق : تاريخ الأجهزة الأمنية في السودان - مقالات وكتب وفيديو ... إلخ .

اقتباس:

الوطن - الخميس 22 ذوالقعدة 1429هـ الموافق - 20 نوفمبر 2008م

تاريخ الأجهزة الأمنية في السودان حتى انتفاضة أبريل 1985م
من قلم المخابرات والقسم المخصوص 1926م وحتى الأمن العام 1975م

بقلم : عميد أمن «م»/ محمد الفاتح عبد الملك
بدءاً لابد لي من أن أزجي الشكر لأخي وصديقي الأستاذ سيد أحمد خليفة صاحب جريدة (الوطن) والذي دوماً يذكرنا بالخير .. وقد فتح لنا قلبه ودارهـ والآن صحيفته .. وأقول له إن من زملائنا وقادتنا وأساتذتنا ممن جمعتنا بهم دروب العمل في الأجهزة الأمنية المختلفة ، منهم - إن لم يكن جميعهم - من هو أحق بالثناء والتقدير ، وقد رسموا الطريق ووضعوا الأسس الثابتة لأخلاق ومبادىء المهنة .
حفلت الفترة المايوية 1969م و1985م بالكثير من الأحداث المهمة والمؤثرة على النطاقين الداخلي والخارجي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً ، ولعل الكثير من المختصين قد تناولوها بالتوليف والتحليل .
عقب الانتفاضة «حظي» جهاز أمن الدولة بجل الاهتمام إن لم يكن كله ، وقد سعى كثير من المشتغلين بالشأن العام لسبر أغوارهـ ومعرفة أسرارهـ ، وللأسف الشديد فقد انصب التناول على إبراز السلبيات والنواقص ولم يخلُ من المساس بالأشخاص .
إن جهاز أمن الدولة كغيرهـ من مؤسسات مايو المدنية والعسكرية حفل بالإيجابيات والسلبيات ، وسنبرز ذلك بإذن الله خلال مجموعة من المقالات والبحوث التي وعدنا بها .
تجربة جهاز أمن الدولة وما خلفته دفعت بي للبحث في تاريخ الأجهزة الأمنية في السودان منذ عهد الاستعمار وحتى الآن ، وقد استعنت في ذلك بدار الوثائق المركزية ومجموعة من الإخوة القادة ممن عاصروا مختلف الفترات في مختلف العهود ، وممن قادوا تلك الأجهزة أو خدموا فيها . وددت بهذا أن أساهم بجهد ولو يسير في إبراز مفهوم الأمن القومي بمعناهـ الواسع ، والدور الذي تلعبه الأجهزة الأمنية في حماية الأمن القومي ، وأن نجتهد ما أمكن في نشر ثقافة الأمن في خدمة البلد والمجتمع .. فلتكن الأجهزة الأمنية لحماية الوطن والمواطن وليس الحاكم وبذلك نضعها في أعلى سلم مؤسسات الدولة ، وذلك يستوجب أن ننظر إليها نظرة قومية مجردة من تكوينها وقوانينها وممارساتها ، ويجب ألاّ تخضع لمزاج حزبي أو شخصي أو فئوي ..
لابد لي وقبل الكتابة عن تاريخ الأجهزة الأمنية أن أوضح أمرين مهمين:
أولاً: هناك لبس سائد حول مفهوم الأمن القومي .
ثانياً: التجسس والجواسيس وماورد من أحكام بشأنهم في الشريعة الإسلامية .
كفهمٍ عام عادة ما يتم الخلط بين الأمن القومي بمعناهـ الشامل السياسي والإستراتيجي الواسع الأبعاد ، وبين الأمن الذي يختص بذلك النطاق الكبير من الإجراءات والتدابير الوقائية ، التي تتخذ على مستوى الدولة والمؤسسات والأفراد للحماية من الأخطار الأمنية .
أيضاً ساد مفهوم أن أجهزة الأمن والمخابرات بالدولة هي المسؤول الأول عن الأمن القومي ، ولعل في ذلك الفهم تبسيط مخل بالمفهوم الشامل للأمن القومي .
فأجهزة الأمن والمخابرات لها دورها في تلك الجهود الهائلة التي تدعم الأمن القومي ، وإن كانت جهوداً حساسة وفاعلة وركينة ولها تأثيرها الحيوي ، إلا أنها لا تجعل تلك الأجهزة المسؤول الأول والرئيسي عن الأمن القومي للبلاد .
إن الأمن القومي هو بيئة شاملة بكل عناصرها الرئيسية ذات التأثير على الدولة في ازدهارها ونموها ، وامتلاكها للقوة الكافية والمناسبة لحماية حرية الحركة والتقدم ، وتحقيق المصالح القومية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والأمنية والعسكرية . وهي تلك البيئة التي تُعنى في جوهرها بمواجهة التحديات الكبرى أو الهجمات الاستراتيجية في تلك المجالات المذكورة . إذن فالأمن القومي منظومة متكاملة تتباين من دولة لأخرى وفق حجم ونوعية الموارد والنظم السياسية وأسلوب الحكم ومؤسساته والتهديدات القائمة والمتوقعة .
في أمرالتجسس والجواسيس والشريعة الإسلامية مما لا شك فيه أن الفرد المسلم بل والمجتمع المسلم ، تتنازعه تيارات متناقضة حول التجسس وأحكامه في الشريعة الإسلامية ، وقد شكل ذلك هاجساً مخيفاً للمسلمين بصفة عامة ولأولئك الذين يعملون في مجالات التجسس بصفة خاصة .
كيف ينظر الإسلام للتجسس .. ما حكم الشريعة فيه ؟؟
هذا أمر متخصص وفقهي وأورد هنا ما جاء في رسالة الماجستير للأستاذ محمد راكان الدغمي : «نهى الله سبحانه وتعالى عن التجسس نهياً عاماً ، ويدخل في ذلك أنواع التجسس سواء كان ذلك لحب الاستطلاع أو لكشف العورات أو لخدمة جهة من الجهات ، ويشمل الحاكم والمحكوم فالخطاب للجميع» .
قال تعالى : «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن أثم ، ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيجب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموهـ ، واتقوا الله إن الله تواب رحيم» الحجرات .
أخرج أبو داؤود عن أبي برزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه .. لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من اتبع عوراتهم اتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته».
فالتجسس المشروع يقع في :
- تجسس الدولة على الأفراد والجماعات والوقوف على طاقاتهم والاستفادة منها .
- تجسس الدولة على أهل الريب والمجرمين وتعقبهم .
- الوقوف على حال الرعية .
- التجسس على العدو .
أما التجسس غير المشروع والمنهي عنه فيقع في :
- التجسس المؤدي إلى الوقوف على العورات .
- التجسس لحساب العدو.
أكتفي بذلك من رسالة الأستاذ الدغمي ولعل المجال في هذا الأمر واسع للعلماء والمختصين في الشريعة والفقه .
سأتناول في المقال القادم بإذن الله الاجتماع الذي عقد بمكتب السكرتير المالي لحكومة السودان بتاريخ 9 فبراير 1926م ، والذي تم فيه دراسة المذكرة التي تقدم بها المستر J. M. Ewart الضابط في مهمة خاصة لإعادة تنظيم مكتب المخابرات ، والتي أعدت في الخرطوم بتاريخ 20 ديسمبر 1925م ولعلها تعتبر أول دراسة عملية لإنشاء جهاز مخابرات في السودان .

* تم نشرهذهـ المقالات في جريدة الوطن ما بين نوفمبر 2008م الي 2010م تقريبا . استطعت جمع بعضها وبعضها فات علي ان اتحصل عليها ...
نقلا عن جريدة الوطن



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 28-12-2021, 11:00 PM   #[2]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:



جريدة الوطن - الخميس 29 ذوالقعدة 1429هـ - الموافق 27 نوفمبر 2008م
تاريخ الأجهزة الأمنية في السودان حتى أبريل 1985م


بقلم/ عميد «م» محمد الفاتح عبد الملك
جهاز الأمن العام .. حتى 1975م
مما لا شك فيه أن ثورة 1924م قد لعبت دوراً كبيراً في احداث تغييرات جذرية في السياسة البريطانية تجاه حكم السودان .. بدأت ثورة 1924م بتكوين جمعية اللواء الأبيض في عام 1920م تحت قيادة علي عبد اللطيف وبشعار معارضة منظمة لوضعية السودان المنفصلة عن مصر تحت التاج البريطاني.. انطلقت جمعية اللواء الأبيض بنشاطها المعارض للسياسة البريطانية علناً في فبراير 1924م .. وعلى إثر مقتل السير لي ستاك في مصر في 20 نوفمبر 1924م وقع تمرد القوات السودانية في 27 نوفمبر 1924م والذي قادهـ أبطال ثورة 24 والذين حكم عليهم جميعاً بالاعدام ما عدا «م» ثاني علي محمد البنا والذي عدل حكم الاعدام له إلى خمس عشرة سنة سجناً .
ذكرنا أن تغييرات جذرية قد أجريت على السياسة البريطانية ولعل أهمها :
* تم إنهاء خدمات الحاكم العام Major G. Sir Lee oliver Fits وعين Sir Beoffrey Francis Archer حاكماً للسودان .
* تم اخلاء القوات المصرية من السودان كما نقل معظم الموظفين المصريين لمصر .
في السياسة الداخلية وكنتيجة لتداعيات ثورة 1924م رؤى إعادة النظر في تنظيم العمل الاستخباري في السودان ، وقد تم انتداب أحد خبراء الاستخبارات من البريطانيين العاملين في الهند وهو المستر J.M. Ewart لاعادة تنظيم مكتب المخابرات في السودان .
«المعروف ان النظام الاداري الجديد الذي يعتبر ونجت باشا مؤسسة قد استحدث وظيفة المفتش العام للسودان والذي يلي الحاكم العام في الهرم الوظيفي ، وقد شغله سلاطين باشا وكان يليه في الهرم وكيل حكومة السودان في القاهرة والذي كان يجمع مع وظيفته هذهـ منصب رئيس قلم المخابرات ويعمل حلقة وصل بين السودان ومصر وبين حكومة السودان ووكيل بريطانيا وقنصلها العام في القاهرة .. انشئ قلم المخابرات في الجيش المصري قبل سنوات عديدة من استرجاع السودان وكان يديرهـ ونجت باشا عند تعيينه حاكماً عاماً للسودان . في عام 1900م انتقل مركز نشاط المخابرات إلى السودان ونقل معظم موظفيه إلى السودان بينما ظل رئيسه في القاهرة بلقب وكيل حكومة السودان .. وكان يصرف المسؤولية في السودان نائبه تحت اشراف سلاطين باشا . «السودان من الحكم الثنائي إلى انتفاضة رجب .. بشير محمد سعيد».
قام المستر J.M. Ewart في 20 ديسمبر 1925م باعداد تقريرهـ حول اعادة تنظيم مكتب المخابرات في السودان وقد تركز مقترح الإدارة على الآتي :
* مدير المخابرات مسؤول عن :
فرع الأمن العام والذي ينقسم إلى : -
أ - قسم التحديات .
ب - السجلات .
* فرع المعلومات والتنظيم .
ذلك بالاضافة لملاحظاته وتوصياته والتي سنعرض لها عند الحديث عن الاجتماع الذي أجيز فيه التقرير .
بتاريخ 9 فبراير 1926م انعقد اجتماع بمكتب السكرتير المالي لحكومة السودان لمناقشة اجازة التقرير الخاص بادارة المخابرات وقد حضر الاجتماع كل من :
Sir G. Schuster
القائد العام Mojor G. Huddeston
L. Col. F. P. Nosworthy
مدير المخابرات Mr. R. Davies
Mr. J. D. Craig / Mr. H. A. Mocmichael
اتخذ في هذا الاجتماع وبناءً على التقرير المقدم القرارات الآتية :
أ- خطوات تنفذ فوراً
* نقل ادارة المخابرات للقصر .
* بقية أقسام الادارة تنقل للقسم الغربي لمكتب الحرب war office.
ب- خطوات لاحقة
* انشاء قسم للأمن العام تحت اشراف المستر Davies
ويقوم المستر Denny بادارة الأمن العام ويعين معه المستر Fouracre.
* بقية الادارة والتي تشمل الشؤون المحلية ، السجلات ، والعمل الاستخباري بصفة عامة بخلاف الأمن العام تدمج في ادارة السكرتير الاداري تحت اشراف مساعد السكرتير الاداري «مخابرات».
* التنظيم المقدم بصورته الكاملة يعتبر ادارة فرعية بمكتب السكرتير الاداري ويكون المستر Davies مديراً للمخابرات بالانابة «تم التصديق على ذلك بتاريخ 12 فبراير 1926م».
* واجبات المستر Davies تتكون من الآتي :
* الاشراف على وادارة عمل المخابرات سواء في فرع الأمن العام أو خلافه على ان يشمل ذلك جمع المعلومات ، توزيعها وتنسيق المعلومات المطلوبة بواسطة السلطات المدنية أو العسكرية .
* إنشاء قسم الأمن العام .
* وضع أسس متينة للاتصال مع سلطات المديريات .
ج - الموظفون
- المستر Hilleison مساعداً للسكرتير الاداري للمخابرات مسؤول عن فصل الأمن العام من بقية اقسام المخابرات .
- فريق التحري 4 إلى ستة اعضاء يتم اختيارهم على النحو الآتي :
- نائب مأمور من كشف السكرتير الاداري .
- ضابط سوداني من قوة دفاع السودان .
- 2 من رجال البوليس من مدرسة التدريب يتم اختيارهم بعناية.
- موظف المكاتب clerical
- صمويل بك عطية
لابد من ايجاد البديل له .. ولا مانع من التجديد له لأغراض الاستفادة منه في التدريب .
تمت الموافقة على ايجاد البديل له على ان يكون من اصل سوري .. ليس سودانياً أو مصرياً .
يعتبر اجتماع 9 فبراير 1926م والذي أعيد فيه تنظيم ادارة المخابرات في السودان أول تطوير علمي للعمل الاستخباري في السودان وفق معطيات ذلك العهد وبناءً على المهددات والأهداف التي حددتها حكومة السودان آنذاك .
في 22 فبراير 1926م قام المستر Davies بمخاطبة السكرتير الاداري طالباً انتداب كل من :
السيد وقيع الله أفندي الفيل نائب مأمور مديرية كردفان .
السيد حسن أفندي محمد عبدالقادر
مهندس ميكانيكي بقوة دفاع السودان .
للعمل بادارة المخابرات ، وبعد موافقة السكرتير المالي على التعيين وافق السكرتير الاداري على انتدابهم لادارة المخابرات في 27 فبراير 1926م .
ساد العمل بادارة المخابرات وفق ذلك التنظيم يقف في قمة هرمه السكرتير الاداري لحكومة السودان ، واخذت مسؤولياته تتزايد وفق تزايد المد الوطني والذي شمل قيام مؤتمر الخريجين ومن ثم تكوين الأحزاب والنقابات وانتفاضات المزارعين والعمال والتي افضت إلى اتفاقية الحكم الذاتي واستقلال السودان ، حيث تسلم ابناء الوطن مقاليد الأمور ومن ضمنها أمن البلاد واجهزته المختلفة .
سنواصل رصدنا بإذن الله لتاريخ الأجهزة الأمنية من بعد الاستقلال وحتى قيام انتفاضة رجب - أبريل 1985م .
نموذج لتقرير المخابرات الشهري .. «دار الوثائق المركزية».
تقرير المخابرات الشهري - السودان
رقم التقرير 538
مايو 1924م
عام
جمعية اللواء الأبيض The League of The White Flag
* جمعية باسم اللواء الأبيض جرى تكوينها منذ عدة سنوات ولكن لم تكن لها أهمية حتى وقعت تحت التأثير المصري منذ فبراير 1924م .
* رئيس الجمعية علي عبداللطيف «دينكاوي» كان ضابطاً بالجيش المصري وأحيل في عام 1922م .. سجن بتهمة الاثارة sedition وقادت الصحف المصرية حملة تأييد لقضيته حتى اكتشفت أنه غير مؤيد لمصر .
* بعد اطلاق سراحه عومل كبطل حتى أقتنع بأن مستقبل السودان مرتبط بمصر.
* جمعية اللواء الأبيض تحت السيطرة الكاملة لعلي عبداللطيف مكونة من خلايا كل خلية من 10 أفراد مستقلة عن الخلايا الأخرى .
* التجنيد للجمعية يتم بعد قراءة الأهداف ويحلف العضو على المصحف للعمل على تحقيقها وصيانتها .
* يدعم علي عبداللطيف مجموعة من الضباط المصريين والمسؤولين الذين يمدونه بالمال من الأحزاب الوطنية المصرية ويزودونه بالنصائح والتعليمات .
* فروع الجمعية بكل من :
مدني ، مكوار ، الأبيض ، فاشر وشندي .
نقلا عن جريدة الوطن



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 22-01-2022, 10:59 PM   #[3]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:

جريدة الوطن - الخميس 6 ذوالحجة 1429هـ - الموافق 04 ديسمبر 2008م

الحكم الوطني الأول حتى انقلاب 17 نوفمبر 1958(3)م
تاريخ الأجهزة الأمنية في السودان حتى أبريل 1985م

عميد «م» محمد الفاتح عبدالملك
في 14 فبراير 1955م ، ألقي السير روبرت هاو حاكم عام السودان خطاب الدورة أمام البرلمان وقد جاء فيه في شأن الإدارة والبوليس بعد اكتمال السودنة فيهما ...
«لينهض السودانيون وحدهم اليوم بمسئولية الادارة والأمن في سائر انحاء البلاد وتعتزم حكومتي التوسع في قوات البوليس وإعادة تجهيزهـ بالمعدات الحديثة كما ستعيد النظر في تدريب تلك القوات لتطبيق أحدث النظم والأساليب لكفالة مستوى رفيع من الكفاءة للحفاظ على القانون والنظام».
* ظل العمل الأمني الاستخباري تحت ادارة القسم المخصوص وفقاً للأسس التي وضعها الانجليز ، وقد سار عليها من تولوا المسئولية من قادة العمل الأمني من السودانيين وعلى رأسهم السيد بابكر الديب والذي أصبح فيما بعد وكيلاً لحكومة السودان بمصر .. وقد تولى من بعدهـ قيادة الأمن السيد احمد عبدالله أبارو وعدد من أبرز ضباط البوليس في تلك الفترة .
من المعروف أن مبادئ الأمن الأساسية تظل كما هي وإن اختلفت العهود والموجهات ، فالهدف الأساسي للأمن هو توفير المعلومة الصحيحة الصادقة والتي تمكّن صانع القرار من اتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب دفاعاً أو هجوماً deaensive - offensive ولعل المتتبع للتطور في أساليب عمل الأجهزة الأمنية يجد ان أساليب التدريب وأسسه في مختلف المدارس الغربية والشرقية مستمدة من نبع واحد وإن اختلفت الإمكانيات والأهداف .
ولعل فترة الحكم الوطني الأول وان اتسمت بغزارة النشاط وتعددهـ إلا أنها قد وفرت جواً معافاً وآمناً لأجهزة الأمن لممارسة نشاطها ، فقد كانت تمثل جزءاً حيوياً من المد الوطني وشاركت بفعالية في مسيرة استقلال البلاد وإرساء دعائمه وأيضا أتاحت للعددين من الضباط فرصة التدريب الميداني لتطبيق النظريات الأمنية في مختلف مجالات العمل الاستخباري .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن العهد الوطني الأول قد منح أبناء الوطن من الاداريين والبوليس ثقته الكاملة ودفع بهم لتحمل المسئوليات في مختلف مواقع المسئولية وفق قدراتهم وامكاناتهم ولم يرتفع صوت نشاز ينادي بالاقصاء أو الإبعاد ولم يتعرض أحد للمساءلة أو التحقيق في إجراء اتخذ إبان عهد الاستعمار وتلك لعمري قمة التعامل الحضاري في ذلك الزمن وحق لنا ان نفخر بأولئك القادة من السياسيين الأفذاذ الذين رعوا مصالح البلاد وسموا بأنفسهم عن الحقد والحسد وتصفية الحسابات .
القسم المخصوص كان يتبع لوزارة الداخلية رئاسة البوليس وجميع اعضائه من ضباط ورجال البوليس ولم تكن القوة المخصصة له تتعدى الخمسين (ضباطا ورتبا أخرى) وقد شغل مكاتب بوزارة الداخلية الحالية بعد ان انتقل إليها من مبنى البوستة والتلغراف .
يقف على رأس القسم مساعد مدير البوليس للأمن والمباحث يساعدهـ قومندان للأمن وآخر للمباحث «الجنايات» كما أوضحنا من قبل فإن السيد احمد عبدالله أبارو قد كان على رأس القسم ، وأبرز من عمل معه كل من السيد القومندان عبدالقادر محمد الأمين أبوشامه والسيد زيادة ساتي ..
الأقسام الرئيسية للقسم المخصوص كانت تتكون من
الميدان .. والمقصود به أمن المدن الثلاث .. ام درمان والخرطوم والخرطوم بحري وقد كانت كل مدينة تحت مسئولية حكمدار أو مساعد حكمدار يساعدهـ عدد من الضباط والرتب الأخرى ومن أبرز الذين عملوا في هذا الميدان .. حسن صديق عيسى ، نصر بري ، محجوب حسن درار، فيصل محمد خليل ، محمد مساعد ، علي عبدالرحمن ، مصطفى الكتيابي .
السجلات .. قسم السجلات يعتبر من أهم أقسام الأمن .. ففيه تخزن التقارير والملفات المختلفة للأشخاص والمواضيع وقد كانت سجلات القسم المخصوص تمثل رصداً أميناً لنشاط الوطنيين من أبناء السودان ولعلها قد حفظت لهم حقهم فيما قاموا به من جهاد ونضال وأرى من حقهم علينا ونحن مقبلين على الاحتفال بأعياد الاستقلال بأن نخصص معرضاً لملفات القادة من السياسيين والنقابيين لتعرفهم أجيال اليوم ولتقف على ما كتبه الأمن عنهم من تقارير .
أبرز من تولوا مسئولية السجلات في ذلك الزمن السيد عبدالملك الطاش وعمر علي حسن ومن أبرز صف الضباط يوسف كرار عيد والموظفة حليمة عبدالله مبروك .
تسجيل ومراقبة الأجانب .. وهو قسم استحدث وتوسع فيه بعد الاستقلال وكانت الحاجة إليه ماسة ومن أبرز من عمل في هذا القسم المرحوم علي الطاهر مخير والسيد الخير يوسف والعم ميرغني عبدالماجد عليه الرحمة .
* مسئوليات القسم
بصورة عامة كان القسم المخصوص مسئولاً عن توفير المعلومات عن مختلف الأنشطة السياسية والجنائية المؤثرة على الأمن ورفعها للمسئولين من خلال تقرير أمني يومي يرفع للسيد مدير عام البوليس بصورة للسيد الوكيل الدائم لوزارة الداخلية ولمحافظ الخرطوم وكان التقرير يشتمل على الأحداث المؤثرة في كل مديريات السودان والتي كان يبعث بها قومندانات البوليس في تقاريرهم للرئاسة .
ولابد من وقفة هنا فوجود القسم المخصوص مسئولاً عن الأمن في وزارة الداخلية تحت المسئولية المباشرة لمدير عام البوليس أتاح للقسم ان تصب فيه كل التقارير المتعلقة بالأمن والتي ترد إليه من قومندانات البوليس في كل مديريات السودان ولا يشمل ذلك تقارير عواصم المديريات فقط بل وكل التقارير التي ترد من أقسام البوليس المنتشرة في كل مديرية بل وفي كل نقطة بوليس حدودية أو خلافها وإذا عرفنا مدى انتشار الظل البوليسي في كافة أصقاع السودان لوقفنا على الكم الهائل من المعلومات التي تتوفر للقسم المخصوص .. وقد ساعد على ذلك وجود شبكة اتصالات فعّالة خاصة بالبوليس وتلك التي تتبع لمكاتب البوستة والتلغراف والتي كانت دوماً في خدمة الأمن .
أيضا كان يتم إعداد تقرير أمني شهري وآخر سنوي ملخصاً لأهم الأحداث والمعلومات التي توفرت .
* قانون البوليس كان منظماً لحقوق وواجبات أعضاء القسم المخصوص .. لم تكن لهم مخصصات أو حوافز ولم يتم تمييزهم عن بقية منسوبي القوة وكانوا جزءاً من الكشف العام يتم نقلهم لمختلف وحدات البوليس بما تمليه مصلحة العمل .. كما لم يكن للقسم ميزانية منفصلة أو حتى ميزانية ونثريات العمل الأمني كان يصدقّها المدير العام ويحفظ لها سجل يحدد بنود الصرف ويسجله .
انحصرت مهمة القسم المخصوص في توفير المعلوم واذا ترتب عليها أي إجراء من اعتقال أو تفتيش يتم ذلك عن طريق قسم المباحث الجنائية ووفقاً لقانون الإجراءات الجنائية .. كما لم تعرف تلك الفترة عملية الاعتقال التحفظي وأي اعتقال يجب ان يتم بموجب بلاغ مفتوح أو بأمر قضائي ولايتم التجديد لأي معتقل إلا بواسطة القضاء .
ظل قسم الأمن بوزارة الداخلية ينفذ كل قوانين السودان السارية المفعول وذلك بموجب السلطات الممنوحة له في قانون البوليس إلا أنه وبحكم التخصص فقد كان مناطاً على وجه الخصوص .
1 ـ بالجرائم تحت قانون العقوبات السودانية لسنة 1925م ، خاصة تلك المحددة في الباب العاشر من القانون وهو الباب الخاص بجرائم الإثارة من المادة 105 وحتى المادة 108 وهي تتحدث عن اثارة المعارضة غير القانونية والكراهية ضد الحكومة واثارة الكراهية بين الفئات ، اذاعة الشائعات بغرض التحريض ضد الدولة والطمأنينة العامة .
2 ـ الجرائم تحت الباب الثاني عشر من قانون عقوبات السودان المادتين 127 و127أ والخاصة بازعاج السلام العام والشغب .
3 ـ قانون النشاط الهدام والذي كان موجهاً بصفة خاصة ضد الحزب الشيوعي السوداني ونشاطاته وقد الغي بواسطة أول برلمان حينما تقدم السيد مبارك زروق زعيم المجلس باقتراح لإسقاط القانون وأيدهـ السيد محمد احمد محجوب زعيم المعارضة وسقط القانون في عام 1954م .
مما لاشك فيه ان تلك الفترة قد حفلت بنشاط حزبي محموم كما سادتها أحداث مأساوية مؤسفة في العاصمة الخرطوم وفي انزار بمنطقة الزاندي وتوريت بشرق الاستوائية وجودة بالنيل الأبيض لعل نتائجها وأثارها ظلت حتى يومنا هذا تفت في عضد هذا الوطن الحبيب .. سنتحدث عن تلك الأحداث وأثرها على أمننا القومي بما أفرزته من نتائج سالبة على مسيرة البلاد .

نقلا عن جريدة الوطن



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-02-2022, 08:38 PM   #[4]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

الحكم الوطني الأول حتى انقلاب 17 نوفمبر 1958(4)م


مفقود



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-02-2022, 09:12 PM   #[5]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:

الحكم الوطني الأول حتى انقلاب 17 نوفمبر 1958م (5)
تاريخ الأجهزة الأمنية في السودان حتى أبريل 1985م

بقلم : عميد أمن «م» / محمد الفاتح عبدالملك
كيف كتبت النهاية للحكم الوطني الأول
قامت أول انتخابات ديمقراطية في السودان في نهاية عام 1953م ، وقد حاز فيها الحزب الوطني الاتحادي على أغلبية الدوائر في البرلمان بمحلية النواب والشيوخ وبذلك كوّن أول حكومة وطنية في يناير 1954م برئاسة السيد اسماعيل الأزهري وقد قادت تلك الحكومة أهل السودان بجميع طوائفهم وأحزابهم إلى الاستقلال والذي أعلن رسمياً في الأول من يناير 1956م بضغوط سياسية وطائفية قادها كل من السيد علي الميرغني والسيد عبدالرحمن المهدي ، تم تكوين الحكومة القومية الأولى في فبراير1956م والتي ترأسها ايضا السيد اسماعيل الأزهري وضمت في عضويتها السيد عبدالله خليل وزيراً للدفاع .
لم تستمر الحكومة القومية طويلا في الحكم اذ تم اسقاطها في البرلمان في يوليو 1956م وتولي بعدها السيد عبدالله خليل رئاسة الحكومة الائتلافية الأولى بين أحزاب الأمة والشعب الديمقراطي الذي تكون حديثاً منشقاً عن الحزب الوطني الاتحادي برعاية السيد علي الميرغني زعيم الختمية .. وضمت الحكومة ايضاً بعض الأحزاب الجنوبية. استمرت الحكومة الائتلافية الأولى حتى قيام انتخابات فبراير 1958م والتي حاز فيها حزب الأمة أغلبية الدوائر 63 دائرة والحزب الوطني الاتحادي 44 دائرة والأحزاب الجنوبية 37 دائرة وحزب الشعب الديمقراطي نال 29 دائرة وشكلت تلك النتيجة هزيمة كبيرة لحزب الشعب الديمقراطي ، على أثر تلك النتيجة تم تكوين الحكومة الائتلافية الثانية ايضا بين حزبي الأمة والشعب الديمقراطي وبعض الأحزاب الجنوبية واستمرت تلك الحكومة حتى نوفمبر 1958م حين وقع اول انقلاب عسكري في السودان قادة جنرالات الجيش السوداني بقيادة القائد العام الفريق ابراهيم عبود ، لذلك كتبت النهاية لاول حكم مدني ديمقراطي عرفه السودان بعد الاستقلال والذي استمر لمدة 34 شهراً فقط اعتباراً من اول يناير 1956م وحتى17نوفمبر 1958م ..
* الأحداث المؤثرة على الأمن
حفلت تلك الفترة فترة الحكم الوطني الاول والتي تعتبر قصيرة في عمر وتاريخ الشعوب بأحداث جسام خطيرة وكبيرة البعض منها القى بظلال كثيفة على الأمن القومي السوداني ولازال .. وهناك ايضاً من الأحداث ما ترك أثراً واضحاً على مسيرة البلاد .. سياسياً واقتصادياً واجتماعياً .. وعلماء الأمن والمتخصصون لا يقيسون الأحداث المؤثرة على الأمن بحجمها وزمنها فقط بل بما تفرزهـ من نتائج مستقبلية سلباً او ايجاباً وهو أمر تحليلي واستقرائي يخضع لمعايير ونظريات علمية تشمل كافة مجالات اهتمام الأمن القومي بمعناه الواسع ..
أرجو أن أورد هنا ملخصاً لأهم الأحداث التي حوتها المقالات السابقة وتزامنت مع فترة الحكم الذاتي والاستقلال وحتى نهاية الحكم الوطني الاول مستبعداً كل المناورات السياسية والزخم الخطابي الذي ميز تلك الفترة .. تلك الأحداث التي لعبت فيها الأجهزة الأمنية بمختلف تخصصاتها دوراً بارزاً ورئيسياً .
أحداث الأول من مارس 1954م
صاحبت افتتاح أول برلمان سوداني .. قادها حزب الأمة .. وجماهير الأنصار بهدف اسماع صوت جبهة الاستقلال للرئيس المصري محمد نجيب عند زيارته للسودان ..
راح ضحية الأحداث 33 مواطناً من البوليس والأنصار وجرح حوالي المائة ..
من نتائجها الغاء حفل افتتاح البرلمان .. إعلان حالة طوارئ لمدة عشرة ايام .. تكوين لجنة قضائية للتحقيق في الأحداث .. استجواب بعض قادة حزب الأمة .
تمرد الفرقة الاستوائية توريت 1955م
وقع التمرد الاول في حامية توريت بتاريخ 18 اغسطس 1955م .. وقد ارتبط بالسياسة الاستعمارية التي اختطها الانجليز لذلك الجزء العزيز من الوطن متضافرة بعوامل عدم الثقة والكثير من الإشاعات والأكاذيب ..
ضحايا احداث الجنوب 236 من الشماليين رسميين ومدنيين و75 من الجنوبيين .
لازال السودان يدفع ثمن ذلك التمرد وما أفرزته سياسة المستعمر تجاهـ الجنوب في ذلك الزمن وما تطمح اليه أطماع الدول الغربية حالياً ..
عنبر حودة 1956م
وقعت الأحداث بمشروع حودة الزراعي من مشاريع النيل الابيض على اثر صدام بين المزارعين والبوليس لخلاف بين المزارعين وملاك المشاريع ..
تم اعتقال عدد كبير من المزارعين بعنبر مخصص لحفظ مواد الرش من المبيدات الزراعية مما أدى لوفاة 194 منهم .
4 ـ انقلاب كبيدة 1957م
يعتبر اول محاولة للقيام بانقلاب عسكري في السودان .. فشلت المحاولة لاكتشافها مبكراً وحوكم المشتركون فيها بالسجن والطرد ولم تصدر المحكمة العسكرية احكاماً بالإعدام ..
المعونة الأمريكية
عرضت على السودان بواسطة نائب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عند زيارته للسودان في عام 1957م خلال عهد الحكومة الائتلافية الاولى برئاسة السيد عبدالله خليل .. عرضها السيد ابراهيم احمد وزير المالية للبرلمان في منتصف عام 1958م موضحاً الأسباب التي دفعت الحكومة لقبولها .
لقيت معارضة شديدة من مختلف الأحزاب ومن بينهم الحزب المؤتلف حزب الشعب الديمقراطي برئاسة السيد علي عبدالرحمن الأمين .
مشكلة حلايب
برزت بصورة رسمية في بيان مجلس الوزراء السوداني في 17 فبراير 1958م .. تلخصت في إدعاء مصر سيادتها على منطقة حلايب بشرق السودان وعلى المناطق شمال خط 22 شمالاً من وادي حلفا .
وقفة الحكومة الصلبة بقيادة السيد عبدالله خليل رئيس مجلس الوزراء لقيت تجاوباً كبيراً من جميع فئات الشعب السوداني وأحزابه .
انتهت المشكلة بتجميد مصر لمطالبها .
تلك كانت أبرز الأحداث التي صاحبت فترة الحكم الوطني وبلا شك فان افرازاتها في الجانب الأمني قد تمثلت في العديد من الأحداث والقضايا الجانبية المؤثرة على الأمن والتي سنعرض لها خلال هذه الحلقة .
* أجهزة الأمن خلال فترة الحكم الوطني
مما لا شك فيه أن الأجهزة المسؤولة عن الأمن خلال فترة الحكم الذاتي وحتى نهاية الحكم الوطني الأول في نوفمبر 1958م قد كانت امتداداً لمنظومة الأجهزة خلال فترة الحكم الثنائي كغيرها من مؤسسات الدولة الأخرى والتي كانت قائمة حينئذ وحتى بعض القيادات الأجنبية استمرت خلال فترة الحكم الذاتي في تعريف مسؤولياتها إلى أن تمت السودنة .. استمر ذات النهج الإداري والهياكل الوظيفية والمسميات واسلوب العمل وان اختلفت الأهداف والعقيدة المهنية والإلتزام اذ اتجهت نحو خدمة الوطن وسيادته واستقلاله وهو أمر طبيعي اندفع إليه الجميع بحب وتلهف وتجرد تام .. وانعكس ذلك في الأداء المتميز الصادق الذي عم كل مؤسسات الدولة الوليدة ..
الأجهزة المسؤولة عن الأمن في البلاد في تلك الفترة جاء ترتيبها على النحو الآتي : -
- قوة دفاع السودان وقد حدد الدستور دورها في حماية الوطن حدوداً ومكتسبات وخلال الحروب وظروف الطوارئ الحرجة .. بل ونص القانون على ادماج اي قوات شبه عسكرية فيها في حالات الطوارئ التي تستوجب ذلك .. ولعل ذلك الدور قد برز بصورة واضحة خلال احداث التمرد في توريت 1955م .
قوات البوليس .. حدد قانون البوليس الصادر في 1925م واجبات واختصاصات قوات البوليس في الحفاظ على الأمن الداخلي .. في منع الجريمة واكتشافها والتحدي بها وتقديم المجرمين للعدالة ..
تتبع قوات البوليس لوزير الداخلية ويقف على رأس القوات مدير عام البوليس ويليه في القيادة مساعدين للمدير وقومندانات ثم بقية الرتب .. وظيفة نائب المدير استحدثت خلال عهد الفريق عبود في17 نوفمبر..
في رئاسة وزارة الداخلية كان هناك القسم المخصوص وهو المسؤول عن الأمن السياسي كما تعارف عليه وهو امتداد لمكتب الاتصال والبوليس السياسي وكما ذكرنا فان اول تنظيم تم بصورة علمية لقسم الأمن كان في فبراير 1926م .. ويعتبر السيد بابكر الديب اول ضابط بوليس يشرف على القسم المخصوص وتبعه العديد من ضباط البوليس إلا أن السيد الفريق احمد عبدالله ابارو يعتبر أشهرهم خاصة خلال فترة الحكم العسكري الأول 1958م ـ 1964م ..
مسؤوليات القسم المخصوص تركزت في متابعة ورصد النشاط السياسي للافراد والجماعات والأحزاب والهيئات المختلفة ورفع التقارير عنها للسيد مدير عام البوليس والذي يرفعها بدورهـ للسيد الوكيل الدائم للداخلية ..
ومن الأقسام المهمة داخل القسم المخصوص قسم السجلات الذي يحتفظ بملفات وكروت تحوي نشاط الأفراد والهيئات والأحزاب .. وكل ما له علاقة بالأمن .. وهناك ايضا ما عرف «بغرفة سليمان» وهي مكتب صغير كان يتم فيه تسجيل مكالمات التلفونات الخاضعة للمراقبة .
وسائل القسم المخصوص وامكاناته لتنفيذ مهامه كانت تعتمد أساساً على الجهد الشخصي في التحدي وتجنيد المصادر ولم يكن لأفرادهـ من الضباط والرتب الأخرى اي امتيازات او سلطات فوق التي يحددها القانون ..
بل وكانت كل الإجراءات التي تتخذ حيال اي مشبوهـ او متهم في نشاط سياسي يقيدها القانون ويجب الإلتزام فيها بقانون الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بالقبض والتفتيش والاحضار .. سنقف على ذلك عندما نورد بعض الأمثلة من القضايا التي قدمها القسم المخصوص .
أخذ القسم يتطور تدريجياً لتدريب الضباط وابتعاثهم للخارج للوقوف على الاساليب الحديثة في العمل الأمني .. كما انشأ قسم جديد برئاسة البوليس لمراقبة الأجانب في عام 1957م أشرف عليه القومندان احمد عبدالله ابارو ليعمل بالتنسيق مع القسم المخصوص وادارة الجوازات والمهاجرة والتي كان يشرف عليها القومندان احمد الوداعة ..
من أهم الأسباب التي دعمت القسم المخصوص وأسهمت في نجاحاته الإنتشار الكبير للبوليس في مختلف بقاع السودان مما مكن القسم من الوقوف على الأحوال الأمنية ساعة بساعة من خلال التقارير التي كانت ترد اليه .
مقولة إن الأحداث والمواقف تصقل الرجال وتعجم عودهم قد انطبقت تماماً على قوات البوليس مؤسسة وأفراداً ، ففي تلك الفترة وقعت تلك الأحداث الكبيرة والمؤثرة على الأمن والتي تصدى لها رجال البوليس على اختلاف رتبهم في كفاءة وصبر سجلها لهم تاريخ البلاد .
ـ الإدارة .. الحكومات المحلية ..
نظام الادارة في السودان في تلك الفترة كان يضع كل سلطات الحكومة المركزية في يد مدير المديرية وكان كل مدير يعتبر المسؤول الأول عن الأمن في مديريته وبالتالي تؤول سلطته لمفتشي المراكز وعلى هذا الأساس كانت قوات البوليس في المديريات تتبع للمدير وترفع له التقارير الأمنية جنائياً وأمنياً وكان مدير المديرية مسؤولا بدورهـ للوكيل الدائم لوزارة الداخلية والذي كان من حقه استدعاء مديري المديريات فيما يتعلق بشؤون الأمن بل وكانت تعقد مؤتمرات بوزارة الداخلية لمديري المديريات يترأسها الوكيل الدائم للوزارة ويحضرها كبار ضباط البوليس .
لعل ذلك الوضع قد أفرز صراعاً بين الادارة والبوليس فيما يتعلق بالاختصاصات والتبعية ولا أرى مجالا للتطرق اليه هنا .
هكذا تشكلت منظومة الأجهزة الأمنية خلال فترة الحكم الوطني الأولى وسنتابع تطورها خلال السرد التاريخي للفترات التي تعاقبت عليها مختلف الأنظمة والحكومات .
* قضايا شغلت الرأي العام
فترة الحكومة الائتلافية بين حزبي الأمة والشعب الديمقراطي الاولى والثانية وحتى قيام انقلاب 17 نوفمبر 1958م شهدت العديد من القضايا التي نظرت أمام المحاكم ومعظمها حوكمت تحت المواد 127أ ـ 105 من قانون العقوبات وهي خاصة بالإخلال بالأمن العام واثارة الكراهية ضد الحكومة وكان معظم المتهمين فيها من قيادات الحزب الوطني الاتحادي والجبهة المعادية للاستعمار والحزب الشيوعي . كما كانت هناك قضايا أخرى شغلت الرأي العام اجتماعياً واقتصادياً .. رأيت ان أسجل البعض منها اذ انها تعكس نشاط القسم المخصوص في ممارسة اختصاصاته تجاهـ مختلف الأنشطة .
قضية الخطاب المرسل من امريكا لاتحاد عمال الحكومة بتاريخ 12 /3/ 1957م قام السيد الجاك موسى سكرتير اتحاد عمال الحكومة بفتح بلاغ تحت المواد 353 عقوبات استلام المال المسروق والمادة 8 من قانون الصحافة يتهم فيه كل من : السيد حسن الطاهر زروق والسيد عبدالله الحسن رئيس تحرير الطليعة والسيد عبدالرحمن احمد فضل سكرتير تحرير الطليعة والسيد بابكر محمد علي رئيس تحرير الميدان متهم اول بسرقة خطاب مرسل باسمه وكل من حسين السيد رئيس اتحاد عمال الحكومة والامين حمد أمين الصندوق من هيئة امريكية تطلب منهم مقابلة المستر مورقان وهو صحفي أمريكي كان مرافقاً للمستر نيكسون عند زيارته للسودان ويعتقد الشاكي ان المذكورين قد سرقوا الخطاب ونشروهـ في الجريدتين المشار اليهما .
نظر القضية القاضي توفيق قطران قاضي جنايات الخرطوم ومثل الدفاع عن المتهمين كل من الأستاذ عابدين اسماعيل والأستاذ هنري رياض والأستاذ عبدالله النجيب . برأت المحكمة المتهمين ما عدا المتهم الاول بابكر محمد علي رئيس تحرير جريدة الميدان بالإنابة فقد أدانته وحكمت عليه بالسجن لمدة ثلاثة اشهر تحت المادة 353 عقوبات والغرامة عشرون جنيهاً او السجن لمدة شهر تحت المادة 8 من قانون الصحافة .
الوزراء الجنوبيون ضد عبدالله رجب
قدم الأستاذ منصور خالد المحامي بلاغاً ضد السيد عبدالله رجب رئيس تحرير جريدة الصراحة نيابة عن السادة الوزراء بنجامين لوكي ، قوردون ايوم والفريد برجوك .. البلاغ تحت المادة 437 من قانون العقوبات القذف ، ملخص البلاغ ان المتهم نشر مقالا بعنوان «الوزراء الجنوبيون ومشروع ايزنصاور» ، جاء فيه . «... انهم خونة ويجب ضربهم بالرصاص وانهم ليسو وطنيين بدليل ارتمائهم في أحضان الأجانب وإن صلتهم انقطعت لدوائرهم».
نظرت القضية أمام القاضي توفيق قطران قاضي جنايات الخرطوم ودافع عن المتهم الأستاذ الرشيد نايل المحامي ، قضت المحكمة بإدانة المتهم وحكمت عليه بالغرامة 70 جنيهاً ..
قضية الحكومة ضد نصر الدين السيد
نصر الدين السيد ضابط مجلس بلدية بحري من قادة الحزب الوطني الاتحادي .. اكتسح دائرة بحري وفاز فيها على منافسه السيد علي عبدالرحمن الأمين رئيس حزب الشعب الديمقراطي في آخر انتخابات جرت وبفارق كبير من الأصوات .
يعتبر السيد نصر الدين من صناع نهضة مدينة الخرطوم بحري الحديثة ويدين له معظم سكانها بانه منحهم السكن ويحفظ له انه لم يمنح نفسه سكناً حتى وفاته . في ليلة الاحتفال باول عيد لاستقلال السودان في الاول من يناير1957م تم اختيار السيد نصر الدين ليلقي خطاب الاحتفال نيابة عن الأحزاب السياسية والهيئات الرياضية والاجتماعية وذلك بنادي الخريجين بالخرطوم بحري .. بتاريخ 11 يناير 1957م قام الملاحظ ببوليس الأمن علي محمد صديق وبتعليمات من قومندان الأمن وبناءً على تقارير أمنية وتقرير من مفتش مركز بحري لوزارة الداخلية بفتح بلاغ تحت المادة 105 من قانون العقوبات اثارة الكراهية ضد الدولة ضد السيد نصر الدين السيد وملخص البلاغ ما جاء بخطاب الاحتفال .
وصف الحكومة بالخيانة والمتعاونة مع المستعمر ودعا إلى ثورة شعبية ضدها مثل الإتهام في القضية السيد صلاح الدين شبيكة عن المدعي العام ..
شهود الإدعاء كل من : سر الختم الخضر جاويش بوليس المباحث عوض محمد نصر «مصري» أمباشي بوليس المباحث عمر حمزة ومصطفى يوسف تكونه مفتش مركز بحري والضواحي ، دافع المتهم عن نفسه أمام المحكمة التي ترأسها القاضي عبدالرحمن العاقب قاضي جنايات بحري والذي قرر احالة المتهم لمحكمة كبرى تقرر أن يرأسها القاضي يحي عمران .
قضية التهريب الكبرى
تعتبر اول قضية تخريب اقتصادي بمفهوم اليوم وقد حقق فيها القسم المخصوص آنذاك إنجازاً ونصراً كبيراً .. الم فيه بخيوط القضية وكشف كل من شارك فيها وكلهم من الأجانب ..
تتلخص القضية في أن المتهم كرودينا رئيس قسم النقد ببنك الكريدي ليونية الفرنسي بالخرطوم وبمساعدة الخواجة نوبار صاحب ورشة اختام بالخرطوم وعن طريق التزوير في مستندات رسمية قد ساعد في تمكين عدد من المتهمين الأجانب في تهريب أموالهم لخارج السودان وبلغت المبالغ المهربة أكثر من 250 الف جنيه وذلك خلال النصف الاول من عام1957م ..
تم فتح بلاغ للمتهمين تحت المواد 410 /411 /408 و415 من قانون العقوبات والمادة 22 من قانون العملة ، نظرت القضية أمام القاضي توفيق قطران قاضي جنايات الخرطوم والذي أحالها لمحكمة كبرى تقرر أن يترأسها القاضي عثمان الطيب .. مثل الإتهام في القضية الحكمدار زيادة ساتي من قسم الأمن والملاحظ على محمد صديق .. دافع عن المتهمين كل من الأستاذ مبارك زروق المحامي والأستاذ احمد جمعة المحامي ..
تفرعت عن القضية بعد أدانة المتهم عشرون قضية تهريب أخرى أبرزها قضية المقاول الايطالي ارتيز الذي هرّب مائة الف جنيه .. في الجانب الآخر المتعلق بالعمل الجنائي فقد سجلت احصائيات البوليس في ذلك الزمن ارتفاعاً في قضايا سرقة خدم المنازل واستلام المال المسروق خاصة المصوغات الذهبية .. كما تعددت بلاغات اغتصاب الاطفال ومن أشهر قضايا تلك الفترة ما أطلقت عليه الصحف قضية «الدعارة الكبرى» وهي تتعلق بأحد القوادين المشهودين في الخرطوم والذي تبني فتاتين قاصرتين من مصر وأحضرهما للسودان متاجراً بهما ..
كان معتادي الإجرام في ذلك الزمن معروفين لدى البوليس وكانت معظم جرائم القتل والسرقة يتم كشفها بسرعة كبيرة ولم يتسم ذلك العهد بالجرائم الغامضة ..
إن المتتبع لذلك العهد الاول من الحكم الوطني من خلال المعايشة والمذكرات وما كتب عنه يدرك أن من صنعوا ذلك التاريخ كانوا رجالا تشربوا الوطنية وأحبوا السودان .. لم تفت الخصومة السياسية أبداً في حياتهم الاجتــماعية ولم تكن لهم مطبة للحقد والتشفي ..
ولابد لي من ان اختتم هذهـ الحلقات عن تلك الفترة بما جاء في مذكرات الزعيم الازهري من تقدير لرجال البوليس عن دورهم في أبرز الأحداث التي مرت على السودان .. قال الزعيم الازهري «أود اليوم وقد مضى على هذهـ المأساة الدامية أكثر من ثلاث سنوات ان أفصح عن عظيم تقديري لرجال الأمن والبوليس .. فقد احتملوا ما لحقهم من أذى في صبر وشجاعة ورباطة جأش .. ولم يثنهم ذلك عن أداء واجبهم العظيم في غير حقد او تحيذ .. وسوف لا ينسى السودان ابد الدهر لرجال أمنه وموقفهم الخالدة في ذلك اليوم الدامي ولا في الايام التي تلته فقد كان موقفاً عظيماً ولعله لولا صبرهم على المكارهـ وشجاعتهم لوقعت بالسودان يومذاك كارثة محققة ولعادت البلاد القهقري اجيالاً كثيرة .. ولكن رجال الأمن رغم ما لحق بهم من أذى صبروا وصابروا وتفانوا في أداء الواجب ..
مراجع :
كتاب الديمقراطية في الميزان: محمد احمد محجوب
كتاب الزعيم الازهري وعصرهـ : بشير محمد سعيد
مجلدات صحيفة الايام 1957م .
نقلا عن جريدة الوطن



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 27-03-2022, 10:25 PM   #[6]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:

الحكم الوطني الأول حتى انقلاب 17 نوفمبر 1958(6)
م

مفقودة



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 27-03-2022, 10:54 PM   #[7]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:

تاريخ الأجهزة الأمنية في السودان حتى أبريل 1985م
الحكم الوطني الأول حتى انقلاب 17 نوفمبر 1958م (7)

عميد أمن «م» محمد الفاتح عبدالملك
أحداث ومواقف
تمرد توريت
البلك الثاني من الفرقة الإستوائية بتوريت يتمرد
توريت يا وكر الدسائس والخديعة والدم
قد طال صمتك في الدجى هل آن أن تتكلمي؟؟
يا قطة أكلت بنيها وهي ظامئة الفم!!!

«من قصيدة للشاعر الأستاذ الهادي آدم عليه رحمة الله»..
في 18 أغسطس 1955م وصلت برقية للسيد اسماعيل الأزهري رئيس مجلس الوزراء تحمل خبراً يفيد بتمرد حامية توريت ومقتل الضابط بانقا عبدالحفيظ .. ولتفصيل ما حدث نعود لتقرير لجنة التحقيق في أحداث الجنوب والتي ترأسها القاضي قطران وضمت في عضويتها كل من السيدان خليفة محجوب ولوليك لادو .. جاء في مقدمة التقرير :
لقد حدثت أشد الاضطرابات خطورة في المديرية الاستوائية وتأثرت بها كل المدن والقرى وسادت حالة من الفوضى التامة وعدم النظام لمدة أربعة عشر يوماً .. فتعطلت الخدمات العامة وقطعت طرق المواصلات وأغلقت دواوين الحكومة .. وفي يوم 20 أغسطس أعلنت حالة الطواري في المديريات الجنوبية الثلاث وكان لقوات الفوضى وعدم النظام اليد العليا لمدة أسبوعين وقد كان الهجوم موجهاً على أوراح وممتلكات الشماليين دون سواهم وارتكبت جرائم القتل وحرق المنازل والممتلكات والنهب والسلب وقد اشترك في ارتكاب هذهـ الجرائم الجنود ورجال البوليس والسجانة والأهالي الجنوبيين .
لنعود لبداية الأحداث التي شهدتها توريت فجر 18 من أغسطس 1955م فقد كان مقرراً وحسب ترتيبات الاحتفالات بجلاء القوات الأجنبية عن السودان أن يشترك البلك الثاني بحامية توريت في الاحتفالات بالخرطوم ولما كانت المعلومات متوفرة عن احتمال تمرد البلك الثاني فقد كان الاميرلاي اسماعيل بك سالم قائد الفرقة الاستوائية متواجداً في ميدان الطابور للاشراف على ترحيل البلك لجوبا ومنها للخرطوم .. وتحوطاً فقد أصدر قائد الفرقة تعليماته على النحو الآتي :
1- ان تصرف للبلك الأسلحة فقط دون الذخيرة .
2- يتم صرف الأسلحة على دفع لكل بلتون منفصل وبعد رحيله يصرف للبلتون الذي يليه .
بعد أن صرف البلتون الأول أسلحته رفض التعليمات بركوب العربات وعاد لميدان الطابور وبدأ عند ذلك حدوث اضطراب كبير في صفوف البلك مما حدا بقائد الفرقة الاميرلاي اسماعيل سالم باصدار أوامر بالغاء السفر ، ولكن كان الأوان قد فات فقد هجم أفراد البلك على مخازن السلاح والذخيرة وتم كسرها والاستيلاء على ما فيها من أسلحة وذخائر وهكذا عمت الفوضى وأطلقت النار على القائد نفسه إلا أنه نجا وأصيب البكباشي بانقا عبدالحفيظ وأستشهد في الحال وقد أفلح الاميرلاي اسماعيل سالم والبكباشي محجوب طه من الخروج بسلام .. وهكذا عمت الفوضى شرق الاستوائية وأمتدت إلى كتري وكبويتا وتركاكا ثم انتقلت إلى غرب الاستوائية وشملت مدن ياي ولوكا ولانيا ثم مريدي ويامبيو وأنزارا ..
وكما وضح في مقدمة تقرير لجنة التحقيق فقد استهدفت الأحداث الشماليين على وجه الخصوص من عسكريين وموظفين وتجار وشملت النساء والأطفال .
بلغ الضحايا في أحداث الجنوب 336 شمالياً و75 من الجنوبيين .. كل ذلك العدد دفع ثمن سياسة المستعمر تجاهـ الجنوب والتي بدأت مع بدايات القرن التاسع عشر .. وقد كانت الشرارة التي أشعلت الفتيل سريان اشاعة وسط جنود الفرقة الاستوائية ان من سيذهبون للشمال لن يعودوا مرة أخرى للجنوب .. وان الجنود الشماليين سيحلون محلهم ولن يعرف ما سيحل بأسرهم وأطفالهم .
إعلان حالة الطواريء في المديرات الجنوبية الثلاث نتيجة لوقوع التمرد والحالة الأمنية الحرجة التي سادت وضعت قوة دفاع السودان أمام مسؤوليتها المحددة دستورياً في انهاء حالة التمرد واستعادة السيطرة على الأوضاع في كل المراكز والمدن والقرى التي شملها التمرد ومن ثم الأشراف على استتباب الأمن واشاعة الطمأنينة وسط المواطنين خاصة في المديريات الجنوبية الثلاث ..
أوكلت مهمة قيادة العمليات في الجنوب للواء احمد عبدالوهاب عليه رحمة الله وكان آنذاك قائداً لمدرسة المشاة وحامية أم درمان ..
اللواء احمد عبدالوهاب أشتهر بالصرامة والانضباط وقد لعب ادواراً تاريخية في مسيرة الوطن والقوات المسلحة وتقلد منصب نائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة في حكومة 17 نوفمبر .
أشرف اللواء احمد عبدالوهاب على ترحيل القوات إلى جوبا ومن ثم لحق بها .. وهناك انضم لقيادته كل من القائمقام آنذاك حسن بشير نصر والطاهر عبدالرحمن وقد شكلت القوة في جوبا مجموعة «لواء كامل».. كبداية لتنفيذ العمليات عقد اجتماع بمنزل المرحوم السيد عبدالعزيز عمر الأمين مدير المديرية ضم كل من السيد مبارك زروق والقائد العام الفريق احمد محمد والمستر لوس مستشار الحاكم العام .. ناقش الاجتماع الخطة التي وضعها اللواء احمد عبدالوهاب وأركان حربه وتمت الموافقة عليها وقد ارتكزت الخطة على :
* الغرض : استرجاع كل المدن التي سيطر عليها المتمردون توطئة لجمع الأسلحة والذخائر التي أصبحت بحوزتهم وبعض الأهالي واعادة الأمن والنظام إلى المنطقة .
* القوات : لدينا القوة الكافية للحفاظ على جوبا كقاعدة كما اننا نتفوق كثيراً على المتمردين المشتتين بالغابة .
* الروح المعنوية : كانت الروح المعنوية عالية بالنسبة لجنودنا بينما روح المتمردين تنهار بسرعة وسادهم الرعب والفزع .
* عامل الزمن : بعد اكتمال القوة بجوبا واستعدادها فقد كان أهم العوامل هو عامل الزمن فليس هنالك ما يدعو للتأخير خصوصاً وان هناك كثيراً من المدنيين في كل المراكز يهدرون كل يوم بالقتل كما أن التحرك يجب أن يتم في وقت واحد نحو الضفتين الشرقية والغربية وخصوصاً نحو مريدي التي مازالت بها عدد كبير من المعلمين والمعلمات الشماليين .
* الخطة: تنقسم القوة إلى ثلاثة طوابير :
1- طابور يتحرك لتوريت تحت قيادة اللواء احمد عبدالوهاب .
2- طابور يتحرك للضفة الغربية بقيادة المقبول الأمين .
3- الثالث يبقى للحفاظ على الأمن بجوبا تحت قيادة حسن بشير نصر .
تم تنفيذ الخطة كما وضعت وعند دخول قوة توريت إلى المدينة وجدتها خالية تماماً وقد اعتذر قائدهم آنذاك رولاندو من أنه لم يتمكن من اقناع زملائه وفروا جميعاً إلى الغابة .
أوضح اللواء احمد عبدالوهاب أنه قد قام بوضع خطة مؤقتة حول المنطقة لتأمينها كما استعان ببعض السلاطين ورجال البوليس للعمل على جمع الأسلحة والذخائر واقناع المتمردين بالعودة وبالفعل فقد لعب بعض السلاطين دوراً بارزاً في ارجاع العديد منهم إلا أن معظمهم قد فر إلى يوغندا ..
رافق قوة توريت السيد عربي عبدالباسط مفتش توريت والذي بدأ ادارياً في المنطقة مكوناً فرق لجمع الجثث من المنازل ودفنها .
من الفظائع التي ذكرها السيد اللواء احمد عبدالوهاب ان قام المتمردين بحرق أكثر من «65» رجلاً وأمرأة وطفلاً بعد أن جمعهم البوليس وأستلم أسلحتهم ثم وضعهم في عنبرين بدعوى حمايتهم فكانت الحماية ان سمحوا للمتمردين بالاعتداء عليهم وقتلهم جميعاً ثم حملوهم إلى شجرة كبيرة وصبوا عليهم الغاز وحرقوهم فلم تجد لهم أثر غير العظام وذرات الرماد .. فجمعناهـ ودفناها هناك .
ضحايا أحداث التمرد من المعسكريين والمدنيين تم حصرهم ونذكر منهم .. البكباشية بانقا عبدالحفيظ وإبراهيم محمد مصطفى وإبراهيم الياس حسن محمود والملازمين اسماعيل علي خير الله ومحمد عبدالقادر وبحيري وخليفة .
الذين نجوا من الموت من العسكريين كل من مزمل غندور وصلاح عبدالماجد وعبدالرحيم سعيد وفضل الله حماد والاميرلاي اسماعيل سالم والبكباشي محجوب طه .
ومما يجدر ذكرهـ أن من الناجين الملازم الجنوبي مادي من فرقة المهندسين وهو الوحيدة الذي لم يتمرد بل وكان له الفضل في حماية جنودهـ ومساعدتهم في الخلاص من الموت المحقق .. من الاداريين أستشهد المفتش محمد عمر بمريدي والمفتش الفاضل الشفيع بياي والذي قتلت زوجته وأطفاله خارج مدينة ياي ..
هذا ولم يقتل من الأجانب المقيمين في جنوب السودان سوى رجل أو اثنين وعن طريق الخطأ كما لم يمس بأذى أي من المبشرين المسيحيين ..
في الخامس من سبتمبر 1955م عقد السيد اسماعيل الأزهري رئيس الوزراء ووزير الداخلية مؤتمراً صحفياً أوضح فيه السيطرة على الموقف مشيداً باسهام الصحافة في تعبئة الرأي العام والشعور القومي وذكر أن السودان بروح القومية قد تخطى حوادث مارس وكل الأزمات التي احاطت بالسودنة والجلاء ، وذكر أن معالجة حوادث الجنوب أملتها دقة الموقف وما يتطلبه من رباطة جأش وحكمة ومعالجته بما تمليه المصلحة العامة والحفاظ على وحدة البلاد وسد جميع الثغرات أمام المغرضين والمتربصين بحرية السودان.
خلص السيد اسماعيل الأزهري في حديثه إلى أن الحوادث التي وقعت في الجنوب كانت متوقعة منذ زمن بعيد لما أحاط بالجنوب من ظروف شاذة في الماضي على نحو ما حدث في بلاد أخرى عند خلاصها من الاستعمار وقبيل استقلالها ، وذكر من تلك الدول الهند وباكستان واندونيسيا .. وما حدث في الجنوب الآن هو نتيجة حتمية لمخلفات الماضي والمؤامرات التي حيكت طوال السنين .
لقد رأيت أن أفراد مساحة كافية لتفاصيل أحداث الجنوب أغسطس 1955م والتي قادت إلى «مشكلة الجنوب» بمفهومها الكبير الواسع والتي ظللنا ومنذ الاستقلال وخلال تعاقب مختلفة أنظمة الحكم نسعى لايجاد الحلول لها وردم الهوة السحيفة بين الشمال والجنوب والتي أفرزتها الاستعمار مستغلاً نفوذهـ والتباين الثقافي والعرقي والاجتماعي ..
إن كان لأحداث الأول من مارس 1954م كبير الأثر على الأمن القومي للبلاد داخلياً فان أحداث 18من أغسطس 1955م بالجنوب قد لعبت دوراً مهماً وتركت آثاراً وأضحة على خريطة الأمن القومي للسودان داخلياً وخارجياً .. تأثرنا ولازلنا نتأثر بها .. وهذا ما سنتناوله أيضاً بالتفصيل ان شاء الله مستصحبين تقارير اللجان حول أسباب أحداث الجنوب والدور الذي لعبته أجهزة الأمن وعلى رأسها القوات المسلحة قبل وأثناء وبعد الأحداث وما صاحب ذلك من ايجابيات وسلبيات .

* مراجع
- الزعيم الأزهري وعصرهـ - بشير محمد سعيد
- الأحزاب السودانية والتجربة الديمقراطية - محمد محمد احمد كرار

نقلا عن جريدة الوطن



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15-03-2024, 12:26 AM   #[8]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:

تاريخ الأجهزة الأمنية في السودان حتى أبريل 1985م (8)


الحكم الوطني الأول حتى إنقلاب 17 نوفمبر 1958م

عميد أمن «م»/ محمد الفاتح عبدالملك

أحداث ومواقف تمرد توريت أغسطس 1955م
أوردنا في المقال السابق تفاصيل الأحداث التي وقعت بحامية توريت وامتدت لتشمل كل مراكز المديرية الإستوائية .. والتي شكّلت في مجملها ما عُرف حتى يومنا هذا بمشكلة جنوب السودان .
للوقوف على أسباب ما حدث ودوافعه لابدّ من العودة للتقرير الرسمي الذي أعدته لجنة التحقيق الإداري في حوادث الجنوب والتي ذكرنا أنها كانت برئاسة القاضي قطران .
قدّمت اللجنة لتقريرها بخلفية تاريخية وجغرافية لجنوب السودان .. ومن المهم أن نقتطف من تلك المقدمة ملخصاً يعين أبناءنا من الأجيال الحديثة على فهم حقائق قضايا بلادهم خاصة الكبيرة منها والمؤثرة على تنمية الوطن وتقدمه .
تبلغ مساحة السودان الجنوبي حوالى ربع مليون ميل مربع ، يحدهـ من الجهة الجنوبية زائير ويوغندا وكينيا ومن الجهة الشرقية أثيوبيا ومن الجهة الغربية أفريقيا الوسطى .. وتقطن الجنوب قبائل شتى من الزنوج ، ففي أعالي النيل وجزء كبير من بحر الغزال ينتمي أغلبية السكان إلى إحدى القبائل الثلاث الشهيرة - الدينكا والنوير والشلك - ويطلق عليها علماء الأجناس اسم القبائل النيلية ، أما في المديرية الإستوائية نجد ما لا يقل عن أربعين قبلية لكل منها عاداتها وتقاليدها ومعتقداتها الخاصة وأكثرها عدداً الزاندي والباريا .. تتحدّث قبائل الجنوب لغات ولهجات مختلفة إلاَّ أنهم يتفاهمون مع بعضهم بلغة عربية ركيكة .. ولقد باءت بالفشل محاولات الإستعمار الإنجليزي لجعل اللغة الإنجليزية أو اللغات الأخرى غير العربية وسيلة للتفاهم بين تلك القبائل مع ذلك نجد أنّ أثر الحضارة عربية كانت أو أوروبية ضئيل جداً على سكان جنوب السودان .. خاصة على القبائل النيلية التي اشتهرت بقدرتها القتالية العالية ، وهي تمتلك ثروات كبيرة من الأبقار وفي غرب الإستوائية يعمل السكان بالزراعة إذ ليس في مقدورهم تربية الأبقار لتواجد ذبابة مرض النوم في مناطقهم "التسي تسي" .
تاريخ جنوب السودان لا يعرف عنه إلاَّ القليل قبل عام 1820م .. وبدأ كثير من الأوروبيين رحلاتهم لاكتشاف منابع النيل بعد عام 1850م .. خلال فترة الحكم التركي قبل عام 1885م عيّن الخديوي «حاكم مصر» بعض الأوروبيين كمديرين للإستوائية لخدمة أغراضه ومد نفوذه وقد اشتهرت فترة الحكم التركي وفترة حكم المهدية 1885م - 1899م بغارات جلب الرقيق التي قام بها بعض الأوروبيين والمصريين وأهل شمال السودان مما نجم عنه شعور زائد بالكراهية وولّد خوفاً شديداً تجاه الشماليين .. بالطبع فقد حُرِّمت تجارة الرقيق بعد الفتح المصري الإنجليزي عام 1899م .
من ناحية الدين والمعتقدات فأغلبية سكان شمال السودان يعتنقون الدين الإسلامي أما معظم سكان الجنوب فلا دينيين وقد بدأت الارساليات المسيحية عملها في الجنوب منذ عام 1848م وتم زيادة نشاطها وتنظيمه بعد الفتح في عام 1899م وقد سمح لكل من الإرسالية الكاثوليكية والإرسالية البروتستانية بالعمل التبشيري في جنوب السودان مع تكليفها بمسؤولية نشر التعليم بين أبناء وبنات الجنوب بل وقدّمت لها اعانات مالية من الحكومة بدءاً من عام 1927م .
في عام 1949م نظّمت الحكومة نشاط الإرساليات التعليمي والزمتها باتباع سياسة الحكومة التعليمية ومناهجها وأخذت المدارس الحكومية في الجنوب تزداد منذ عام 1948م وعند وقوع أحداث التمرد في عام 1955م كانت المدارس الحكومية بالجنوب .. مدرسة ثانوية برمبيك وست مدارس وسطى للبنين وثماني مدارس أولية ومدرسة وسطى للبنات بالإضافة لذلك توجد مدرستين للحرف ومدرسة صناعية وثلاثة مراكز لتدريب مدرسي مدارس القرى .
يلقي البعض مسؤولية التحريض على التمرد على الجمعيات التبشيرية التي كانت ترمي الدين الإسلامي بالسوء ويطلقون على أهل الشمال تجار الرقيق وكان تاريخ تجارة الرقيق يُدرّس في مدارسهم مدعماً بكتيبات ونشرات يصدرونها وفقاً لتصورهم ومخططاتهم .
** منشور السكرتير الإداري 1930م
يعتبر منشور السكرتير الإداري هارولد ماكمايكل والذي أصدرهـ في 25 يناير 1930م موجهاً لمديري المديريات الجنوبية الثلاث «أعالي النيل ومنقلا وبحر الغزال» يعتبر المخطط الرئيسي لسياسة الإنجليز الخاصة تجاهـ الجنوب والتي هدفت لخلق الكراهية وعدم الثقة في نفوس الجنوبيين تجاهـ مواطنيهم الشماليين .. ولقد لعبت تلك السياسة دوراً لازالت آثارهـ باقية في تكريس الإنفصال سياسياً وإجتماعياً وثقافياً وإقتصادياً .
لأهمية ذلك المنشور فقد أوردته لجنة التحقيق في حوادث الجنوب مفصلاً .. وأهم ما جاء فيه :
«إنَّ سياسة الحكومة في جنوب السودان هي إنشاء سلسلة من الوحدات القبلية أو العنصرية القائمة بذاتها ، على أن يكون النظام فيها مرتكزاً على العادات المحلية والتقاليد والمعتقدات بقدر ما تسمح ظروف العدالة والحكم الصالح» .
اشتمل المنشور على خطوط عامة توضح الإجراءات التي تتخذ لتنفيذ هذهـ السياسة ومنها :
* امداد الجنوب بموظفين لا يتكلمون اللغة العربية من إداريين وكتبة وفنيين .
* إحكام الرقابة على هجرة التجار من الشمال .
* استعمال اللهجات المحلية عندما يكون التفاهم باللغة الإنجليزية مستحيلاً .
بدأ في تنفيذ السياسة التي خططها منشور السكرتير الإداري فوراً وقد ترتب عليها :
* نقل جميع الموظفين الشماليين من إداريين وفنيين وكتبة للشمال .
* عدم منح التجار من الشمال رخصاً لمزاولة تجارتهم في الجنوب وتشجيع التجار الإغريق والشوام لا الجلابة .
* إخلاء المسلمين الشماليين وترحيلهم للشمال .
* محاربة الدين الإسلامي .
* الغاء تدريس اللغة العربية كمادة في المدارس .
ومن الإجراءات التي اتسمت بالتطرف نحو تطبيق السياسة الخاصة بالجنوب .. أنْ تمَّ هجر قرية كانياكنجي ببحر الغزال وخلقت منطقة الردوم بين دارفور وبحر الغزال لمنع اختلاط العرب والزنوج .. تم إبعاد المسلمين من الزنوج إلى أقطار غرب أفريقيا كالفلاتة والهوسة .. خفضت مدينة راجا التجارية من رئاسة مركز فرعي .. منع الجنوبيين المسلمين من ممارسة شعائرهم علناً .. استعمال اللغة العربية في المدارس جريمة يعاقب عليها .. تمّ أيضاً تحريم بيع الجلاليب وأُجبر زعماء القبائل من السلاطين على العودة لزيهم القديم .. كما أُرغم كل مَنْ حمل اسماً عربياً على تغييرهـ .
عموماً فقد سعت الإدارة البريطانية بكل نفوذها وجهدها لطمس كل وأي أثر للشمال في الجنوب ديناً وعادات ولغة وثقافة وكان نتاج ذلك تعثر الجنوب في كل الميادين وعدم ترقيته وتنميته في مجال الإنسان ومجالات التنمية الأخرى ، بل والقعود به الشيء الذي أدى إلى ما نحن في الآن .. وليس أدل على ذلك من الاعتراف الذي سجله السكرتير الإداري في عام 1948م حيث قال: «إنَّ سياسة ترقية الجنوبيين تأثرت كثيراً نتيجة للجهل وعدم الإهتمام اللذين ربما نجما عن الإتجاهـ السياسي المكرس في هذا المكتب».
خلصت لجنة التحقيق الإداري في حوادث الجنوب إلى أنَّ الخلفية التاريخية والجغرافية لجنوب السودان .. أهل الجنوب وقبائله .. النفوذ الإستعماري ونشاط الجمعيات التبشيرية المسيحية .. السياسة الواضحة الرامية لفصله وقفل أبوابه أمام الشماليين ونفوذهم العربي والديني وتركيز الفوارق بين الشمال والجنوب في اللغة والدين والعِرق والعودة لتاريخ تجارة الرق .. كل ذلك أوغر صدور أهل الجنوب على مواطنيهم من الشمال وأثار الريب والخوف تجاههم وقاد لوقوع كارثة التمرد في توريت .
عن الأسباب المباشرة للتمرد فتحددها لجنة القاضي قطران في الآتي :
1/ انتشرت في الجنوب صورة برقية مزوّرة أعدّها كاتب جنوبي في جوبا زاعماً أنها جاءت من رئيس الوزراء الأزهري في مستقبل يوليو 1955م وقد كان نصها كما يلي :-
«إلى كل رجال إدارتي في المديريات الجنوبية الثلاث .. لقد وقّعت الآن على وثيقة تقرير المصير فلا تستمعوا لشكوى الجنوبيين الصبيانية .. اضطهدوهم وضايقوهم وعاملوهم معاملة سيئة استناداً على تعليماتي وسيعرض كل إداري يفشل في تنفيذ أوامري نفسه للمحاكمة وستجنون ثمار ما قمتم به من أعمال بعد ثلاثة أشهر».
طبعت هذهـ البرقية المزوّرة على ورق حكومي ووزّعت على نطاق واسع شمل ضباط ورجال البوليس من الجنوبيين .
وصلت صورة من البرقية لبلك أمين في الفرقة الجنوبية يدعى سترلينو وقد قام بتغيير عنوانها إلى «ضباطنا الشماليين في الفرقة الجنوبية» ووزعها على صف الضباط الجنوبيين بل ودعا لإجتماع ضمّ صف الضباط وتدارسوا أمرها .
2/ على الرغم من نشر هذهـ البرقية المزوّرة على نطاق واسع فإنَّ سلطات البوليس لم تسمع بنبئها إلاَّ في السابع من أغسطس ولم تبذل أي جهد للكشف عن مصدرها أو تتخذ أي إجراء لدحضها .
3/ فقدت الثقة بين الأهليين والإداريين الشماليين بسبب تدخل الإداريين في الأمور السياسية مما كان له أثر سيء على الشعور العام .
4/ أحداث انزارا
تتلخص أحداث انزارا .. أنه في شهر يوليو 1955م فصلت إدارة مشروع الزاندي نحو ثلاثمائة عامل جنوبي بغرض توفير الميزانية دون تقدير للنتائج السياسية التي قد تترتب على مثل هذا الإجراء .. وفي الخامس والعشرين من يوليو 1955م حُكم على أعضاء البرلمان الجنوبيين بالسجن وفي اليوم التالي قامت مظاهرة في مدينة انزارا تم التعامل معها بقسوة إذ استدعيت وحدات من الفرقة الاستوائية لمعاونة الشرطة في اخمادها فقُتل ستة من أبناء الزاندي وجُرح كثيرون منهم .. لم يتم تحقيق في الحادث بل أصدرت الخرطوم تهديداً لمفتعلي الفوضى والتخريب .
5/ سوء تقدير الموقف وعدم إتخاذ خطوات فعالة رادعة عند اكتشاف المؤامرة .
في السابع من أغسطس تم اكتشاف مؤامرة للتمرد في الفرقة الجنوبية شملت كبار صف الضباط وأبدت السلطات ضعفاً عظيماً تجاهها ولم تقبض على أي من المشتبه فيهم من رجال الجيش .. بل ألقت القبض على اثنين من المدنيين في جوبا بتهمة تورطهما في المؤامرة فقامت مظاهرة تطالب بإطلاق سراحهما وقع فيها اعتداء على مفتش المركز .
6/ بات واضحاً أنه لا يمكن الاعتماد على ولاء الفرقة الجنوبية وعليه تقرر ارسال قوات شمالية بأعداد كافية للجنوب للمحافظة على الأرواح والممتلكات .
7/ في السابع عشر من أغسطس 1955م كان الاحتمال بتمرد البلك الثاني وعصيانه أوامر السفر إلى الشمال واضحاً ، فعقد إجتماع برئاسة المديرية ترأسه مدير المديرية وحضرهـ كبار رجال الجيش في مقدمتهم قائد الفرقة الجنوبية الميرلاي إسماعيل سالم وكبار رجال الشرطة والإداريين .. من الاقتراحات التي طُرحت سحب كل الذخيرة الاحتياطية من توريت ووضعها تحت حراسة الجنود الشماليين وحراسة المخازن هناك بواسطة قوات شمالية أيضاً وإرسال قوات شمالية لتعسكر خارج توريت للسيطرة على الموقف إذا ما وقع التمرد المتوقع .
لم يوافق قائد الفرقة الجنوبية على هذهـ المقترحات خشية أن تثير الجنود وتحملهم على تصرف غير محمود العواقب وكان واثقاً في ذلك الإجتماع من أنّ جنود البلك الثاني سيطيعون سائر الأوامر التي لهم .
8/ إتخذ إجتماع جوبا قراراً جاء فيه .. أنه حفاظاً على هيبة وكرامة الحكومة يجب أن يسافر البلك الثاني للخرطوم للمشاركة في احتفالات الجلاء .
لعل تقرير لجنة القاضي قطران قد جاء شاملاً غطى أحداث التمرد كما وقعت وذهب بعيداً في البحث عن جذور المشكلة في كل نواحيها كما أورد الأسباب المباشرة التي قادت للتمرد .. من خلال التقرير وتواتر الأحداث يتضح جلياً أنّ الدور الأمني في الجانب المدني «الإدارة والبوليس» قد كان ضعيفاً وسلبياً لم يسهم بالكثير في رصد الأحداث وتوفير المعلومات وإتخاذ الإجراءات التي كان من الممكن أن تحد من قسوة ما حدث إن لم يكن منعه وكذلك الحال بالنسبة لجانب الأمن العسكري ، فبالرغم من توفر المعلومات قبل فترة كافية إلاَّ أنّ التعامل معها اتسم بعدم الجدية مما قاد لما حدث .
وحتى لا نظلم مسؤولي تلك الفترة فلابدّ من النظر للعوامل التي صاحبت تلك الأحداث والتي من أهمها تركيبة المؤسسة الأمنية في تلك الفترة وكيف تشكّلت وما لديها من سلطات ووسائل ومن أهمها عوامل الزمن والإتصال والمواصلات وعامل الجو النفسي الذي كان سائداً بل ونظام الحكم المستند على الديمقراطية التقليدية والكيفية التي توظّف بها مؤسساتها في الحكم خاصة التنفيذي منها..

سيكون كل ذلك مجال مقالنا القادم بإذن الله.
المراجع:
- الزعيم الأزهري وعصرهـ «بشير محمد سعيد»
- الأحزاب السودانية والتجربة الديمقراطية «محمد محمد أحمد كرار»
- التعليم في خدمة الوحدة الوطنية والمواطنة في السودان «اللواء عثمان السيد»

نقلا عن جريدة الوطن



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16-03-2024, 11:47 AM   #[9]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

توثيق مهم وده الشي ال بينقصنا كسودانيين.
مشكور أبو بكر



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-03-2024, 12:05 PM   #[10]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عكــود مشاهدة المشاركة
توثيق مهم ودهـ الشي ال بينقصنا كسودانيين.
مشكور ابوبكر
الشكر الجزيل عكود على التشجيع والإهتمام والمتابعة ..
وربنا يقدرنا على العمل ...



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-04-2024, 04:15 AM   #[11]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:

تاريخ الأجهزة الأمنية في السودان حتى أبريل 1985 (9)م
فترة الحكم الوطني الأول حتى انقلاب 17 نوفمبر 1958م

عميد أمن «م»/ محمد الفاتح عبدالملك
أحداث ومواقف تمرد توريت 1955م
كما ورد في تفصيل أحداث التمرد في المقالة السابقة فإنّ التمرد قد تركّز بصفة كبيرة في المديرية الاستوائية شرقها وغربها .. ولم يمتد التمرد إلى مديريتي أعالي النيل وبحر الغزال .. ففي ملكال عاصمة أعالي النيل اكتفى الجنود الجنوبيون والذين كان من المفترض أن يغادروا للخرطوم بمغادرة الباخرة المعدة لنقلهم وسلموا ما لديهم من أسلحة وذخائر .. وقد أعقب ذلك أن فرّ إلى الغابة حوالى ستين من رجال البوليس خوفاً من أن تطالهم إجراءات تعسفية إلاّ أنّ عدداً كبيراً منهم قد عاد من تلقاء نفسه مسلماً للسلطات التي أجرت معهم تحقيقاً .. أما في مديرية بحر الغزال فلم ترد أي معلومات عن وقوع اضطرابات من أي نوع إلاَّ أن تواتر الشائعات وعدم توفر معلومات أكيدة عما حدث في الاستوائية قد دفع بالسيد داؤود عبداللطيف مدير المديرية آنذاك أن يعقد إجتماعاً ضمّ كبار الإداريين وضباط الجيش والموظفين من الشماليين وقد إتخذ ذلك الإجتماع قراراً بعد تقدير الموقف بضرورة مغادرة الشماليين وأسرهم .. وبالفعل فقد نفذ القرار وغادر الجميع مستغلين الباخرة «دال» .. ومما يجدر ذكرهـ أن كل من السيدين فلمون ماجوك وسانتينو دينق يعتقد أنهما قد لعبا دوراً بارزاً في تهدئة الأهالي بمراكز المديرية المختلفة مما أدى لاستباب الأمن وعدم انتشار أو وصول التمرد لمديرية بحر الغزال .
** دور الأجهزة الأمنية في أحداث التمرد
كما أسلفنا سابقاً فقد اسهبت لجنة القاضي قطران في تحديد الأسباب التي أدت لوقوع التمرد في الجنوب بالصورة المأساوية التي حدث بها وعادت بجذور المشكلة تاريخياً وإجتماعياً وسياسياً .. وللوقوف على الدور الذي قامت به الأجهزة الأمنية في رصد تلك الأحداث وتوفير المعلومات والعمل على الحد منها .. لابدّ من البحث في عدة عوامل ، ولعل من أهمها شكل ونوع الإدارة الذي كان سائداً في ذلك الوقت ..
يعتبر السيد ريجند ونجت باشا والذي خلف اللورد كتشنر حاكماً عاماً للسودان في عام 1900م أباً مؤسساً للنظام الإداري الحديث في السودان والذي انشئت فيه خمسة عشرة مديرية .. يجلس في قمة الهرم الإداري الحاكم العام يليه في المسؤولية المفتش العام .. ذلك المنصب الذي شغله سلاطين باشا النمساوي الجنسية لفترة من الزمن ، ويأتي بعدهـ وكيل حكومة السودان في القاهرة والذي كان يشغل أيضاً منصب رئيس قلم المخابرات مسؤولاً عن النشاط الاستخباري في السودان .. ثم يأتي قادة العمل الإداري .. السكرتير المالي والسكرتير القضائي والسكرتير الإداري الذي كان مسؤولاً بصفة خاصة عن الشرطة والسجون وإدارة المديريات بالإضافة لسلطات الهجرة ودخول الأجانب للسودان بالإضافة لسلطات الترخيص .
الإدارة في كل مديرية كانت مسؤولية مدير المديرية والذي يتبع رأساً للسكرتير الإداري .. وتقسم المديرية إلى عدة مراكز على رأس كل مركز مفتش يساعدهـ عدد من المأمير ونواب المأمير ومن ثمّ العمد والشيوخ وتتركز السلطات التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية في يد مدير المديرية .. وفي المراكز أيضاً يتمتع المفتشون بنفس السلطات وكل ذلك يخضع للحكومة المركزية في الخرطوم .
هذا النظام الإداري المركزي قد ساد السودان لفترة ليست بالقصيرة وحتى بعد اتمام السودنة في عام 1955م .. إذ لم يكن من الميسور استبدال نظام استمر لأكثر من نصف قرن خاصة وأن مَنْ تولوا المسؤولية من الموظفين كانوا امتداداً لرؤسائهم من الإنجليز .. تدربوا على أيديهم ونقلوا عنهم الكثير من أساليب الإدارة خاصة الايجابية منها والتي تم تطويرها لتواكب جو الحرية والاستقلال .. ولعل ذلك النظام الإداري قد أثبت فعاليته وجدواهـ بمقاييس ذلك الزمن .
إذن فمن الواضح أن مسؤولية الأمن كانت تحت يد مدير المديرية ومساعديه من المفتشين في المراكز يساعدهم في ذلك ضباط البوليس .. أنشأت في كل مديرية لجنة للأمن يترأسها مدير المديرية ويعمل سكرتيراً لها قومندان البوليس وتضم في عضويتها قائد الجيش بالمنطقة بالإضافة لعدد من الأعضاء الآخرين ، وحسب المواضيع التي تُعرض عليها وتكون ذات أثر على الأمن .. وتتشكّل في المراكز التي تتبع للمديرية لجان أمن على نفس النسق برئاسة المفتشين .
بهذا الشكل الإداري وقبل وخلال أحداث التمرد ماهو الدور الذي لعبته أجهزة الأمن آنذاك من حيث رصد الأحداث .. ومن حيث توفير المعلومات ؟!..
لتحديد ذلك الدور لابدّ من تسجيل الأحداث والمعلومات التي يعتقد أنها شكّلت مؤشرات مباشرة لما سيقع من أحداث ويمكن إجمال أهمها في الآتي :
* نشوء حالة من التخوف لدى المتعلمين من الجنوبيين وذلك على إثر إعلان مقررات لجنة السودنة والتي لم تعط الجنوبيين وضعاً خاصة في الوظائف الكبرى .
* في أكتوبر 1954م دعا حزب الأحرار - من الأحزاب الجنوبية - إلى عقد مؤتمر في جوبا لمناقشة أثر السودنة على الجنوب .
* زيارة الزعيم الأزهري رئيس الوزراء للجنوب في نهاية عام 1954م في محاولة لتطمين الجنوبيين معلناً عن زيادات في مرتبات رجال البوليس والسجانة والكتبة ، إلاَّ أن تقييم الزيارة كان سالباً ولم يُقابل الزعيم الأزهري ووفدهـ بالحفاوة المتوقعة .
* إدارة مشروع الزاندي «الشمالية» تفصل حوالى 300 عامل جنوبي .. وقيام مظاهرات معارضة للقرار والحكومة بمدينة انزارا وسقوط ستة قتلى من أبناء الزاندي .
* في بداية أغسطس 1955م اكتشاف مؤامرة للتمرد بالفرقة الاستوائية .
* انتشار صورة برقية مزوّرة نسبت للزعيم الأزهري تنادي في ملخصها باساءة معاملة الجنوبيين .
الثابت مما لدينا من تقارير وشهادات تاريخية أن مسؤولي المراكز والمديريات من مفتشين ومديرين قد نجحوا في رصد تلك الأحداث والمؤشرات في حينها وتم تبليغها للمركز الخرطوم في حينها .. واضعين في الاعتبار وسائل الإتصال في ذلك الزمن والتي كانت تعتمد بصورة أساسية على أجهزة الإرسال والاستقبال ومن أهمها التابعة لمصلحة البريد والبرق .. ومن ناحية أخرى فقد تم التعامل مع الأحداث كل في موقعه وزمنه وذلك وفق القانون الساري من فتح للبلاغات واجراء محاكمات ولم يكن هنالك ما يستدعي إتخاذ اجراءات استثنائية .. في جانب العمل الأمني الخاص بتوفير المعلومات وتقييمها وتحليلها ومن ثمّ قراءة التوقعات والاحتمالات وهو بلا شك عمل متخصص يتطلب التدريب والخبرة فيجب أن نوضح أن المديريات الجنوبية في ذلك الوقت لم تحظى بتلك الكوادر المؤهلة أمنياً في جانب الإدارة والبوليس واللذان كان منبعهما واحداً هو مدرسة الإدارة والبوليس .. ومعلوم أن العمل الأمني المتخصص قد تركّز في القسم المخصوص بوزارة الداخلية والذي كان يعتمد في تغطية النشاط الأمني خاصة السياسي منه في المديريات والمراكز على تقارير المديرين والمفتشين وضباط البوليس ويمكن القول أنه حتى ذلك الوقت لم تكن للقسم المخصوص أفرع بأي من مديريات وأقاليم السودان المختلفة ، إلاَّ أنه كان يتلقى التقارير عبر وكيل وزارة الداخلية ويتعامل معها أيضاً من خلال الوكيل ومدير عام البوليس .
في جانب الأمن العسكري «الاستخبارات» فمما لا شك فيه أنّه قبل الأحداث وخلالها توفرت لضباط الاستخبارات المعلومات الكافية التي تشير إلى أن أحداث جسام ستقع إلاَّ أنّ أكثر المتشائمين منهم لم يتوقع أن تتخذ الأحداث ذلك المنحى وتودي بحياة الكثيرين وليس أدلّ على ذلك من رفض الأميرلاي اسماعيل بك سالم للاجراءات التي اقترحتها لجنة أمن المديرية حيال حامية توريت ، ولعل دافعه في ذلك الاعتماد على تاريخ قوة دفاع السودان وانضباطها إذ كان واثقاً من أن الجنود سينصاعون للتعليمات .
عامل التنافس السياسي لعله لعب الدور الأبرز في أحداث الجنوب ، فالزيارات التي قام بها كل من وفدي حزب الأمة والحزب الوطني الإتحادي خلال فترة الإنتخابات وبعدها والسعي لكسب النواب الجنوبيين من خلال الوعود الخلابة والتشكيك في نوايا ومرامي الحزب الآخر لعب دوراً سالباً في زيادة الشك لدى الجنوبيين .. ودفع بهم لتكوين كيانات مستقلة خاصة بهم ترعى مطالبهم وتلبي طموحاتهم وأبرز تلك الكيانات حزب الأحرار الذي ضمّ إليه عدداً كبيراً من النواب الجنوبيين بعد تغيير انتمائهم .. وبديهي أن تكون لهم الكلمة المسموعة والخطاب المؤثر بين أهلهم وقبائلهم .
نخلص إلى أنّ عوامل كثيرة سياسية وإدارية وعسكرية وأمنية قد قادت لأحداث الجنوب التي اصبحت واقعاً تعايشت وعانت منه الأجيال متعاقبة حتى يومنا هذا .. ولابدّ من الاشارة إلى أنّه وخلال فترة التمرد الأولى قد أصبح الجنوب منطقة عمليات خاضعة لقانون الطواريء امتد فيه النفوذ العسكري وانشئت فيه الكثير من الحاميات في المديريات الثلاث بسلطات واسعة كما أنّ قوات البوليس قد انتشرت بصورة أكبر وأُعيد تسلحيها وأصبحت تمارس عملها في ظروف استثنائية .
ملف أحداث التمرد الأول في 18 أغسطس 1955م لا يمكن غلقه فقد بذر البذرة الأولى ولازالت آثارهـ باقية فتبعه التمرد الثاني ثم الأخير، وكما ذكرت فسنتناول الأحداث وفق الترتيب الزمني للمراحل التي مرّ بها تاريخ الأجهزة الأمنية خلال فترات الحكم المختلفة التي مرّت بها بلادنا وكيف أثرت تلك الأحداث على الأمن القومي السوداني .. ودور الأجهزة الأمنية فيها .
من الأحداث والمواقف المهمة خلال فترة الحكم الوطني الأول والتي سنتعرض لها في مقالاتنا القادمة إن شاء الله .
أحداث عنبر جودة .. انقلاب كبيدة أول محاولة انقلابية في السودان 1957م .. المعونة الأمريكية في حكومة السيد عبدالله بك خليل ومشكلة حلايب .

نقلاً عن جريدة الوطن السودانية



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 11:56 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.