سد النهضة، هبة الله للسودانيين وقد آثروا على أنفسهم لقيام السد العالي من قبل، ولو كان بهم خصاصة!.
عادل عسوم
وقفت مليا عند خبر يفيد بأن النيل يتوقع له أن يسجل أعلى منسوب له خلال مائة عام خلال الفيضان القادم!
لقد ذكرني الخبر بحلقة من حلقات قناة ناشيونال جيوغرافيك قبل سنوات كانت تدور حول التغير المناخي في العالم، كان فيما ورد فيها حديث لعالم إنجليزي قال بأن الفاصل المداري سيظل يتمدد شمالا إلى أن يصل إلى أقصى شمال السودان، وذاك يعني أن الأمطار ستزداد رقعتها وكثافتها شمالا.
بالطبع فإن هذا الأمر يرتبط ارتباطا وثيقا بنهر النيل الذي يجري في أخفض منطقة في الوسط الطولي للسودان، مستوعبا كل الأمواه الآتية من الجانبين لتندرج في تياره المنطلق شمالا.
خبر اليوم هذا يؤكد مقولة ذلك العالم، وهو بلا جدال إنذار لنا في السودان للتحوط لذلك بصورة جادة، حتى لا نفقد كل جزرنا النيلية، مضافا إليها جل القرى والمدن المقامة على شواطئ النيل إن لم يكن كلها.
وهنا ينبري (سد النهضة) الأثيوبي، الذي أتانا كمنحة ربانية للسودان عاصم بفضل الله لأهله من فيضانات مدمرة أيقن بأنها يمكنها أن تدمر كل السدود السودانية المقامة حاليا، إن لم يقيض الله إتمام إنشاء سد النهضة هذا.
ففي الفيزياء، سبق لنا أن درسنا ثِقَلَ عمود الماء، ومدى تأثيره على الأسطح، وذلك في ثنايا قوانين الضغط، فما بالكم بأعمدة الأمواه من خلال طوفان (ثقيل) من الماء محتشدة بالطمي الهائل، والأجسام التي تجرفها السيول المنحدرة إلى مجرى النهر، والذي يتدفق بسرعة وكم مهول يبلغ 99941 قدم في الثانية الواحدة!
سد النهضة بالطبع سيعمل على لجم كل الأمواه الناتجة عن التساقط المتزايد على مر السنوات القادمة في الهضبة الإثيوبية دون استثناء لشمالها، يضاف إلى ذلك أن شمالنا سيصبح مطيرا مع تمدد الفاصل المداري شمالا، وبذلك فإن سد النهضة سيكفينا مخاطر عظيمة،
ولعل من المحامد أيضا أن تم إنشاء سد مروي الذي ساهم وسيسهم في إستيعاب جل المياه التي تنتج عن الأمطار المتوقعة خلال السنوات القادمة في إقليم شبه الصحراء الممتد من شمالي الخرطوم إلى موقع السد، وذلك اتساقا مع (نظرية) تمدد الفاصل المداري شمالا، ولكن تراكم المياه عاما بعد عام في بحيرة السد واضطراد ذلك سيؤدي إلى اتساعها عاما بعد عام، وبالتالي ستواجه أهلنا في الشمال مشاكل عديدة جديدة عليهم نتاج ضغط ثقل الماء في بحيرة السد، وامكانية تخلخلها للتربة الصخرية الرملية ذات المسامات الكبيرة لتسقي الحوض المائي تحت الاراضي المتاخمة للنيل خاصة في المناطق الغربية للنيل، وذلك للضغط الجانبي للمياه نتاج الانحناء الكبير The great bend in the river Nile والتي بدأت ارهاصاتها تقض مضاجع أهلنا في عدد من قرى ومدن المنحنى، ألا وهي مشكلة (النز) التي ستزداد استفحالا كلما زاد منسوب المياه في بحيرة سد مروي على مر السنوات، واتوقع أن يزداد ويتمدد تسرب المياه على جانبي النيل لأكثر من 4 كيلومترات -خاصة على الضفة الغربية للنيل، مما يتطلب البحث عن حل ناجع يكفي أهلنا الكثير من المهالك في الممتلكات والأرواح،
ولا أجد حلا انجع لهم من الارتحال إلى الأعلى بمسافة 5 كيلومتر/كيلا على الأقل، لتصبح الأراضي المتاخمة للنيل والمستغلة حاليا للسكنى أرضا زراعية بعد المعالجات الضرورية لها،
فليت أهلنا يستعجلون التحرك قبل أن يستفحل الأمر قبيل الفيضان القادم طالما تأخر إتمام سد النهضة ولا يوجد في الأفق ما يشي بمواصلة العمل فيه من قبل الحكومة الاثيوبية في عهد آبي احمد، وبالطبع من حق أهلنا الذين ينزحون إلى التخوم العليا للنيل المطالبة بامتلاك الأراضي التي تلي مدنهم وقراهم إلى الأعلى، وعلى اولي الأمر في الحكومة الاستجابة لهم، قبل أن يصبح الحال أمر حياة أو موت لا قدر الله، وليت أهلنا يشرعون في ذلك -حتى- قبل الشروع في شق ترعتي سد مروي (إن قدر الله لهما أن تريا النور)، حتى يتسنى للقائمين على أمر الترعتين إحسان رسم مسارهما دون أن يؤثر على سكنى الناس.
وأرجو أن لاتهمل الدراسات الخاصة بالترعتين الأودية العديدة الموجودة في المنطقة الشمالية بجعلها جزءا من منظومة الترعتين، إذ يمكن لهذه الأودية -وهي عديدة- ان تسهم كثيرا في استيعاب كم كبير من مياه الأمطار المتوقعة خلال العقود القادمة، إضافة إلى كونها (متنفسات) للضغط المائي الناتج عن فيضان النيل، ولاغرو أن مصائد الأمطار قد أصبحت حلولا للعديد من دول العالم خاصة في دول أمريكا الوسطى، استطاعت بها أن تحل مشاكل الري وسقيا البشر والحيوان فيها، وتعدى الأمر الإفادة من الأودية الطبيعية إلى شق مستودعات أرضية ضخمة لخزن مياه الأمطار، علما بأن عددا من تلك الدول لاتنعم بوجود انهار فيها.
وهكذا فإن إنشاء سد النهضة هبة من الله وعِوَضٌ من الله لشعب السودان الذي قدم اقصى مايمكن أن يقدمه شعب لشعب آخر في سبيل إنشاء سد لم يجني منه السودان -حتى- المتفق عليه منه من كهرباء كما نصت الاتفاقية، وظل الفائض من حصة السودان -الضيزي- من ماء النيل تذهب إلى مصر لعقود، بل كان الكرم اكثر حاتميا عندما وافق نظام إبراهيم عبود على سلفة مائية تخصم مما بقي من حصة السودان لتفيد منها مصر!
إنه العدل الإلهي، وهو صاحب المشيئة إذ يقدر لسد النهضة ان يكتمل ويوشك على العمل لتنتظم دورات الري على مدار العام عوضا عن دورتين فقط خلال الفيضان، والماء أساس الحياة والنماء، وهو دوما نعمة، ولايصبح نقمة إلا بتهاون البشر وعدم السعي للافادة منه.
اللهم أبرم لسد النهضة أمر رشد ليكون واقعا معاشا بأعجل مايكون، واكلأ أهلنا بعينك التي لاتنام واحفظهم من كل سوء.
إنك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.
adilassoom@gmail.com