فصول الهجرة
فصول الهجرة
( دنيا الحب....اسلاكا شايكة)
اغنية
سقطت العربة من على الجسر ، استلقت على جنبها الأبمن مستندة على قاع الترعة الضحل و الطحالب و الأعشاب الملتصقة بالطين ، نجون الا ( سيدة) و رضوض و فزع و شغف حاد بالحياة ، كان كبير الجن يغط فى نومة القيلولة الا انه لم ينج من لوم ، بيد ان السائق المخمور نجا ، سب الحديد وسب اليوم و الساعة و النساء ، استيقظ الجن مغيظا من الصياح و لم يجد احدا يصدقه ، نفذت السركاريا فى جلد النساء اللواتى انتشلهن الرجال من حيرة العشب و الزيت و البضائع الوضيغة المتناثرة ، وقف الرخم و حدبة الظهر ، يرقب و يتحلب فوق كومة من عظام الأبقار النافقة ، شدت ( ام بلينة) فى مساء النجاة البليلة ، و بكت ، تسرب بكاؤها عبر ( الشرقانية) ، فى حذر الى حيث ترقد ( ام عزين) تنوء بفرح تحت وطأة الفعل ، تسرب مع صوت نشيحها ، صوت بقبقة غليان الصابون فى الوعاء و صراخ الطفل الذى حرك خيوط الذوب الساخن اللزج بأصابعه ، و رائحة ( البخرة) تشق مسالك الحلق الوعره عنوة و اقتدارا.
1
سالت الشريف و انا ارتعش من الحياء و الحمى ( اشيل من السمسمية دى؟؟)، ثم تذكرت بعد ان صعد صوتى الى السقف و تلاشي بين خصاص النال حكمة ابى عن رذيلة الدناءة ، فتسلقته بنظرة عاطفة ، ابتسم الشريف و ناولنى قطعة ، تجرأ ابى فسأله الفاتحة و الدعاء، تدافع غرور الشريف كزبد البحر المالح ، فأنتصر برفع يديه فى سماء الغرفة الرطبة و تمتم ، ثم همهم، ثم تمتم ، ثم صاح و تثاءب فى آن معا ، ثم اطرق، ثم كور كفيه كمن يتلقى ماءا لا نراه ، و تهامس ونمنم و سلم بصوت عال لغة ما فهمناها، ثم انتبه كمن صحا من غيبوبة ، ثم جهر بآمين، ارعد ابى بكل خلجة فى روحه خلفه دون تردد..آمين و امسك بالماء الذى لا نراه فى قبضة يده، فالتصقت قطعة السمسمية فى راحة يدى و هى تندى بالعرق، انصرفنا نبحث عن احذيتنا المتناثرة فى ضوضاء الشمس ، الشمس التى احتجبت وراء افق بعيد ، قال سائق العربة ( الحمد لله كبرى بيكة مافى سكتنا) ، اجابه ابى ( عديلة) ، و لكن الطريق تعرج و تلوى و تأبى على الأنبساط رغما عن ذلك.
2
يتحرك ذوب الواح الصابون فى داخل ( الصفيحة) الصدئة المنصوبة على (منقد) الفحم ، نافثا رائحة الغلوى ، يتحور الذوب الى خديعة بصرية ، لا تلبث يد الطفل تمتد الي ملامسة اغراء دهشة خيوطها الذهبية الشفافة ، التصق الذوب الساخن بأصابعه ، انتصبت القطة على اربع ، نفضت الماء الذى لانراه عن جلدها ، تمطت و كورت ظهرها نصف دائرة و ماءت حين شق جدار قيظ الظهيرة السميك صراخ الطفل ، ارتعدت ( ام عزين) فى رفقتها داخل سجن ( الشراقى) فأنكرت منه الشكوى، و رائحة تراب الحوش المشربة بماء ( البلاعة) ، عطر خافت يذوى فى حرارة النهار ، اطار السيارة القديم يستند على الجدار او جذع شجرة وحيدة لم يطرأ على خضرتها نضار منذ امد بعيد ، و فى ركن قصى من صحراء صحن الدار ، قفص الدواجن ، يكأكىء فى قلق و دون انقطاع ، فى مساحة بين غرف بلا طعم و لا هوية و حائط الجيرة ، تقف الأغنام مطرقة فى حضرة الماء الذى لا نراه ، و شرقانية النال تلتف حول نفسها مطواعة ، وفى داخلها لم تتوقف وتيرة الفعل و طعم الحلوى الذى التصق بالحلق ، و الباب موصد ، و مؤمن بقضيب من الحديد يتحدر فى اتجاه ضلع الهرم ، عبر الخصاص يتسرب الدخان يحمل رائحة (الكسرة) الطازجة و حموضتها ، دخان رمادى كثيف ، مظللة عقابيله الملتوية بلون بنفسجى باهت ، راسمة وجه الجنى الذى يسكن الجسر ،. و فى الطريق الى كبرى ( بيكة ) ، تجاذبن اطراف الحديث و اطراف الآمال العريضة ، ضحكن و غازلن السائق ، فتمدد غروره و تمطى مثل زبد البحر المالح ، و تكورت ثقته مثل ظهر القطة ،و قالت ام بلينة ان ( الكبرى ساكنو الجن) ، تعوذن و ندهن ( الشريف الدسيس هوى ) .
3
قلب صفحات المصحف دون ترتيب ، اشار الى فوضعت اصبعى فوق الأيات ،نقلها على ورقة صفراء، كورها و خاط الجلد حولها ، و علقها على عنقى ، عند الأنصراف كاد ابى ان يدس شيئا تحت مجلس الشيخ ، قبض الشيخ على رسغه فى لطف عنيف ، و تحدث اليه و هو يميل نحوه فى مودة و ثقة ( بجيبا براهو لمن يطيب).
4
شققنا فى ارض الحوش المسقاة بماء غسيل الأجساد جدولا، و نصبنا عليه جسرا من علب الكبريت ، رابضنا خلف ( الشرقانية) نترقب وصول الجنى ، و حين تملكت قبضة الياس اعناق الحقائق ، ادركنا صوت ( العلوب) و هو يغنى ( دنيا الحب ، اسلاكا شايكة) ، ركضنا حوله نزفه ( بنوتى ناقة...بنوتى ناقه) ، كان يمشى و جلبابه مرتفع عن الأرص فى جهة واحدة ، طاويا بعضه تحت ابطه اليمن ، كاشفا عن بعض ساقه ، جلس قبالة قفص الدواجن ، ادخل يده ، يمسك الدحاج واحدة تلو الأخرى ، يحشر اصيغه فى مؤخرتها ، فأزداد صياحهن فكأنما كن يتحسبن مجيئه ، يبحث عن البيض يتشكل فى دواخلهن ، يحادث النساء فى حرية و دون مبالاة ، لا تثير غيرة الرجال حديثه معهن ، فكل حديثه انصب حول ( الدجاج البطرى ) و البلدى ، و بعض شئون طبخ ، و تدبير منزلى ، قالت ام بلينه انهن يقلن ( قيق بالضحك) ، من فرط فكاهته ثم انهن يستغفرن الله عن غفلتهن ، قبل ان يسد الباب وراءه ذاهبا الى حيث اتى صح بام عزين فى احتباسها غير عابىء( النسوان ديل اتأخرن مالن...يا الدسيس من كبرى بيكة).
|