اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مبر محمود
كَان بين يدي مُنذ فترة وجيزة كتاب صدر حديثاً للأستاذ أحمد حسن الجقر بعنوان ( القِصص الحبيبة في أغاني الحقيبة ) و بالرغم من غرابة العنوان الذي يوحي بصدوره ربما على أيدي أحد الكُتاب من المملكة الزرقاء ، ألا أن للأستاذ ( محمد حسن ) دأبً دائم في التوثيق لفن الحقيبة و ربما كان لصلة النسب و لقربه من الشاعر ( عمر البنا ) عميق الأثر في ذلك .. و في كل ما وقع بين يدي من مراجعٍ لَم أجد مثل ما يقوم بتَوثيقه أستاذنا الجقر و هو يُعد من أفضل القائميين على ذلك و إن كنت أعتب عليه في كتابه هذا المرور السريع على بعض الأغاني دون التَعمق فيها قليلاً مثل أغنية ( في الضواحي ) و لا ألومهُ على ذلك فالخليل بحر يصعب غورهِ ، كما لا ينفي ذلك جودة رواياته و مدى صِحتها ، و لا أحدثكم عن باحِث مهجري حاول الخوض في مسألة التوثيق هذه فجاء كتابه فيما يقارب الخمسمائة صفحة من الركاكة بحيث لم نخرج منه و لو بمعلومة واحدة تفيد هذا الفن و تلك مسألة أخرى ! الجميل في هذا الكتاب تناوله للقَصص المصاحبة للأغاني الصادرة في ذلك الزمان و قد كان من النادر جداً كتابة أغنية دون حدث مصاحب .. و مما تَطرق له الأستاذ في هذا الكتاب أيضاً الأخطاء الشائعة في لفظ بعض المفردات في بعضاً من الأغنيات التي عاث بها المُغنين الشباب فساداً .. المُهم في الأمر أستوقفني حديث خاص للأستاذ عن أغنية لشاعرنا عبيد عبد الرحمن ( صفوة جمالك صافي ) التي تغنى بها الفنان محمد أحمد سرور .. و لهذه الأغنية في نفسي موضع خاص فأنا من أشد المعجبين بكلماتها التي تكاد تذوب رقة .. وقبل الخوض في حديث مستفيض عما أفدنا من هذا الحديث سنورد نص الأغنية كامِلاً :
[align=center][rams]http://sudaniyat.net/up/uploading/safotgamalk.wma[/rams][/align]
http://sudaniyat.net/up/uploading/safotgamalk.wma
صفوة جمالك صافي الماء على البلور
يا نعيم صباحك خير يسعد مساك النور
نور من جمالك بان لاَ نور شموس لا بدور
فقت المعاك في الجيل فقت المعاك في الدور
يالفي علاك بعيد و سماك سابع دور
شفت الهلاك يا ملاك في هواك هلاكي بدور
يا فرحة المحزون يا نفثة المصدور
مرآك يزيل الهم و يمحي الأسى الفي صُدور
أسمح لي أتلو سناك و الدُر يُفاخر الدَّر
و يِفوح نشيدي الفيك زي نفحة الريِّف دور
أنا في شقاي و لهان يالفي النعيم مغمور
فرشي القِتاد يا جميل ثم إتسادي جمور
يرضيني ما يرضيك و الناس أمورها أمور
و محال أسيبهُ هواك إذا السماء تمور
بين القلوب ميزان صنفا وزنها المعبور
قلباً يميله الحب و قلباً يميل مجبور
إنسان عِشق إنسان و إنسانهُ ما مخبور
شخص الوفا المفقود و لفقدهُ مني صبور
طرفي السهِير يا سمير للنوم يضره ضرور
و عذابي لو سراك طَبعاً أكون مسرور
أوعد جفوني غميض و الطيف يزورني مرور
أفَرح و أقول يا ليل و أشرح و أحاكي سَرور
قَد يكون من الطريف أن ترتبط كلمة ما في أذهاننا بمعنى معين لنفاجأ به في بعض الأحيان وقد جاء مُخالفاً تماماً لما في ذهننا .. و هذا ما حدث معي في مطلع هذه الأغنية ( يا نعيم صباحك خير .. يسعِد مَساك النور ) فطول هذه المدة كنت أعتقد أن هذا المقطع ما هو إلا تحية صباحية و مسائية محببة لدينا ( ينعم صباحك خير ) و ( يسعد مساك النور ) .. ولكن تورد الرواية أن ( نعيم ) و ( النور ) ما هي ألا أسماء لأثنين من أصدقاء الشاعر الأول هو ( نعيم شندي ) وهو تاجراً للأدوات المدرسية في أمدرمان .. و الثاني هو ( النور أحمد عيسى ) الذي كان يملك ايضاً دكاناً في تلك المنطقة .. و يقال أن هنالك حسناء درجت في ذهابها و إيابها إلى المدرسة على المرور أمام دكاني صاحبا الشاعر و الذي يبدو كذلك أنه قد تعود الجلوس هناك و مراقبة الفتاة التي نظم فيها هذه الأغنية الجميلة .. و بالرغم من أن الأغنية تستحق الوقوف في كل مقطع منها ألا أنه طالما كانت تستهويني ( لعبة الأسماء ) هذه أذا جاز لي التعبير بذلك لذا ادعوكم للتوقف عندها قليلا ، و لعل اول ما ورد في خاطري هو موشحة عبد الله أبن الخطيب الأندلسي عندما عمد إلى التلاعب بالأسماء و الأوصاف ( و روى النعمان عن ماء السماء .. كيف يروي مالك عن أنس ) .. ألستم معي في أن ذاك وِصف تمويهي بديع فالنعمان هنا هو ( النعمان أبن المنذر) و ليست أزهار ( شقائق النعمان) كما يبدو لنا من الوهلة الأولى و ( ماء السماء ) هو أسم والدة النعمان و لم يقصد به المطر كما قد يبدو لنا أيضاً و لكنه تلاعب بالالفاظ ليقرب لنا المعنيين ، و ما بين فن الموشحات و فن الحقيبة صلة قربى لا ريب فيها و لنا فيها حديث قادم .. وبالعودة إلى القصيدة أذا كان الشاعر قد ذكر أسماء أصدقائه في مطلع القصيدة فهو قد فعل أيضاً في نهايتها و لكن هذه المرة جاء الأسم صريحاً دون تورية ( أفرح و اقول يا ليل .. و أشرح و أحاكي سرور ) و المقصود به طبعاً هو الفنان محمد احمد سرور .. و سرور نفسه هو صاحب أكبر رصيد من الذكر في أغنيات الحقيبة و هنالك من الأغنيات ما كتب من أجله خصيصاً ( ليالي العودة نعيم و سرور .. الحج مبرور و مبروك يا سرور ) و أغنية (سايق الفيات ) التي كتبت فيه و لكن العبادي أكتفى بنعته فيها بـ (سائق الفيات) دون أن يغفل ذكر صاحبيه اللذان كانا معهما في السيارة فجاءت التورية هنا من أجمل ما ورد في أغاني سرور عندما قال ( يا زين الشباب يا طيب الأخلاق .. يا أمين الصديق و الناس على الأطلاق ) و لا يفوتنا أن ( زين العابدين و أمين ) كانا أسما صاحبا الشاعر اللذين كانا معهما في العربة .. و كذلك جاء ذكر سرور لدى الشاعر سيد عبد العزيز في أجمل أغانيه على الأطلاق ( صباحه سعادة بكل سرور .. جماله يُغني عليه سرور ) و كذلك شيخنا ود الرضي الذي كتب من أجله ( من الأسكلا و حلا ) في وداع الحسناء الخرطومية التي فارقت الديار الى جوبا مع زوجها ( شامبي أضحى بيك مسرور .. بعد المنجلا يا سرور ) و غيرها الكثير و الكثير ، و قد كان أسم سرور من الشهرة بحيث وصل به حداً كان كلمةً للسر أثناء الحرب العالمية الثانية و لكن تلك ايضاً مسألة أخرى ..
عادة ورود الأسماء في القَصائد لا تقف عند شاعر أو شاعران فهي عادة واردة في ذلك الزمان بما أن الأغنية ذاتها كانت ترتبط بِحدث معين .. روى الياهو سالمون ملكا في كتابه عن اليهود في السودان ( أبناء يعقوب في بقعة المهدي ) أن من أجمل الأحداث التي شهدها في الخرطوم أبان القرن الماضي كانت أحتفالات زواج أبن رجل الأعمال السوداني ( مصطفى أبو العلا ) و يقال أن الكثير من الأغاني قد نظمت في هذا الحدث و لكن أشهرها كان أغنية ( يا ربيع في وسط الزهور .. عيش مُنعم طول الدِهور ) يالأشارة إلى أن أسم العريس كان ( ربيع ) الذي كان ألاخ الوحيد لعدد من البنات فجاء هذا الوصف البديع أيضاً بورود الأسم مع هذه التورية الجميلة فهو كالربيع و سط أخواته البنات اللاتي كن حوله كالزهور .. و لك أن تتأمل .. محمد عثمان منصور هو أسم لتاجر من أبناء أمدرمان ما وصلنا من ذكره هو ليالي الأحتفالات بزواجه أيضاً ، فهاهو حدباي أحمد عبد المطلب يقول ( يا محمد أبياتي القلال .. تاج في صدورهن و ليك هلال) .. و الخليل كذلك كانت له مشاركة في ذلك الحدث و لكن على طريقته الخاصة ( قَام محمد بشر .. هز فوق تيجانن .. سل سيفه و كَشر ) هذه الأغنية و إن كانت لها طابع أجتماعي عادي فهي أغنية سياسية من القوة و الخطورة بمكان و هذا ما عودنا عليه صاحب عزة ، مروراً بقوم نادي عنان ( صاحب الحانة ) و أتباعه و غيرها من أغاني الخليل.. و الوقوف على معاني و دلالة الأسماء قد لا يرسو بنا في مرفئ .. لذا وحتى لا يتشعب بنا الحديث أكثر من ذلك نكتفى بما ورد من نماذج مع تذوق حلاوة كلمات أغنية الشاعر ( صفوة جمالك صافي ) .. و كختام لابد منه و بما أن الحديث قد جاء عن الجمال تذكرت نادرة لفناننا الجميل صاحب الحنجرة الذهب عبد العزيز محمد داؤود وقد روى أنه قد قام بشراء مزرعة في الماضي على أمل أن تَدر عليه دخلاً وفيراً فما جاءت عليه ألا بالمتاعب .. فقال أيضاً على سبيل الدعابة و التَلاعُب بالأسماء ( أشتريت المزرعة على أمل أنو أبقى عزيز كافوري ( رجل أعمال ذائع الصيت ) فبقيت عزيز قومٍ ذُل ) .. و يا زمان هل من عودة هل ..؟!!
ملاحظة : إلى المُطلعين و المُطلعات عليكم بكتاب أستاذنا ( محمد حسن الجقر ) ففيه من الفائدة و المتعة الكثير
العزيز ميلاد سلام ومحبة ليك، شكراً علي هذا الموضوع الماتع، وابحث لي عذراً في الاطالة عليك، فالحديث هنا ذو شجون .
|
يا سلام يا مبر .. بريتنا تمام والله .. الإقتباس للتوثيق والملكية للبوست) ما تقوم يوم تشاكلنا وتسحبه
الجقر بالمناسبة معرفة صبا وكان رفيق كرة قدم وعداء مشهور وعاشق للحقيبة .. وبغنى ويقيم حفلات .. يعنى ما فقط نسبه مع آل البنا العريقين فى الأدب والتراث .. يرطهم بهم صلة دم أيضاً .. الجقر كانت كنية أعتقد لقصره وسط العدائين العمالقة ..
شكراً يا مبر على هذا الإثراء
[flash1=http://sudaniyat.net/up/uploading/safotgamalk.wma]WIDTH=400 HEIGHT=50[/flash1]