لماذا تعترض مصر على عودة حمدوك لرئاسة الوزراء بالسودان؟
لماذا تعترض مصر على عودة حمدوك لرئاسة الوزراء بالسودان؟
تقرير : حمدي صلاح الدين
نقلت تسريبات صحفية، غير ذي مرة، رفض مصر تولي عبد الله حمدوك اي منصب في الحكومة الحديدة كما راجت تسريبات مع إنقلاب 25 أكتوبر ان مصر دعمت إنقلاب البرهان للتخلص من حمدوك في الأساس على اساس ان حمدوك كان يقود السودان نحو خط مستقل عن مصر إضافة إلى أن علاقات حمدوك الممتدة مع المجتمع الدولي تجاوزت القاهرة ك”محطة وساطة” بين السودان و المجتمع الدولي كما كان في عهد النظام البائد فارادت القاهرة بابعاد حمدوك إعادة تفصيل دور الوسيط لها مرة أخرى في الخرطوم .
غابت مصر عن الآلية الثلاثية و الآلية الرباعية التي ضمت الولايات المتحدة و بريطانيا و السعودية و الإمارات مما يؤكد تقاطع مواقف مصر مع المجتمع الدولي من جهة و مع السودان من جهة ثانية.
*الأسئلة*
لماذا ترفض مصر حمدوك ؟ و هل تستطيع مصر ان تؤثر بصورة مباشرة في المشهد السياسي القادم؟
*مصر و البرهان*
المحلل السياسي، م. عصام ميرغني، يقول في حديثه ل”الجريدة”
منذ عهد الرئيس عبدالناصر مرورا بالسادات ثم مبارك وصولا الي السيسى ظلت مصر تحكم عن طريق حكم فرد مطلق وقد ظلت مصر طوال تلك العهود تحرص علي بناء علاقات مع انظمة الحكم السودانية بحيث تحافظ وترعى تلك العلاقات مصالح مصر اولا وقد كانت انظمة الحكم المتعاقبة على السودان طوال تلك الفترات تقوم بتلبية احتياجات الانظمة المصرية سواء كان ذلك فيما يتعلق باتفاقية قسمة مياه النيل او تجميد مناقشة القضايا الحدودية او تسهيل الاستثمار في السودان وحتى في الاحايين القليلة التي كانت فيها بعض الحكومات السودانية تحاول ان تثير بعض القضايا الخلافية كانت الانظمة المصرية تقوم بالمقابل بالضغط على الحكومات السودانية عن طريق دعم ورعاية القوى المعارضة لتلك الحكومات وقد استمر الحال على ذلك المنوال حتي قيام ثورة ديسمبر و رفعت شعارات اقامة الديمقراطية والحرية والعدالة والسلام ومنها رأت مصر الرسمية ان تطبيق نظام حكم ديمقراطى حقيقى في السودان سيؤثر سلبا على مصالحها الاستراتيجية خاصة تحالفه معها في قضية مصر الاولى المتمثلة في سد النهضة وقضايا الاستثمار والمنافع التجارية والاقتصادية كما سيؤثر سلبا على مصر لانه ربما يثير فضول الشعب المصرى لاستلهام ثورة السودان من اجل انتزاع الديمقراطية والحرية.لهذه الاسباب ظلت مصر الرسمية في حالة تحفظ شديد من تأييد ثورة ديسمبر وقد ظلت العلاقات بين الحكومتين طوال ايام حكم حمدوك تتميز بالبرود والحذر الشديد كما انه قد رشحت انباء صحفية عن ان الفريق البرهان قد زار مصر قبل يوم من استيلائه على الحكم منفردا في اكتوبر من العام الماضى مما عزز صحة مفهوم ان مصر الرسمية كانت اكثر تاييدا لتلك الاجراءات ولتقلد الفريق البرهام مقاليد الحكم منفردا كما حدث بعد ذلك تبادل زيارات رسمية مستمرة فيما بدا انه اقرب لتنسيق المواقف بين البلدين و يذهب ميرغني إلى أنه و من كل ماتقدم يمكن القول ان مصر ترى ان وجود البرهان في الحكم منفردا هو الافضل لرعاية مصالحها الاستراتيجية والامنية و الاقتصادية و لذلك لما رأت مصر ان البرهان قد بدأ خطوة في اتجاه استعادة تحالفه مع قوى ثورة ديسمبر عن طريق توقيعه الاتفاق الاطارى معها ومع قوى سياسية اخرى وان المضى قدما في هذا الاتفاق سيؤدى فى النهاية الي قيام حكومة ديمقراطية منتخبة شعبيا مما قد يؤدى الى تعقيد وضع علاقات مصر مع السودان لذلك رأت مصر ان تستبق خطوة الوصول الى اتفاق نهائى ذلك عن طريق اقتراحها الذى تقدمت به وهو اقامة مشاورات بين الاطراف السودانية تقام في القاهرة برعاية مصرية ومما يعزز صحة فرضية ان الغرض من هذا الاقتراح المصرى هو مجرد تعطيل لخطوات الوصول لاتفاق نهائى بين الفرقاء السودانيين بناء علي الاتفاق الاطاري و يذهب ميرغني إلى ان مصر اصلا و طوال فترة الازمة السياسية السودانية المتطاولة لم تتدخل في اية وساطات لايجاد حل للازمة لا ضمن الالية الثلاثية ولا الرباعية ولا منفردة كما انها ايضا لم تعلن في مشروع مفاوضات القاهرة عن من هم الاطراف الذين تدعوهم لتلك المناقشات؟ ولا ماهى الاجندة المطروحة للنقاش ؟ ولا ماهو دور مصر تحديدا فى المناقشات؟ ولا كيفية الوصول الي قرار نهائى في تلك المناقشات ؟ولا من اين تستمد تلك المناقشات مشروعيتها والزاميتها للاخرين ؟
اغلب الظن ان هذه الاسباب مجتمعة هي ما ادى لان ترفض قوى ثورة ديسمبر المشاركة في مفاوضات القاهرة واعتبرت ان تلك المفاوضات انما هي خطوة في الاتجاه المعاكس لاهداف الثورة .
*مصر تتقاطع مع توجهات العالم*
الناطق الرسمي باسم اصحاب المصلحة في اتفاق سلام جوبا مسار دارفور ، دكتور الصادق محمد مختار ، يقول في حديثه ل”الجريدة”
عبر عقود من الزمان ظل مصر تلعب دورا محوريا في الاقليم و تؤثر تاثيرا كبيرا علي دول الجوار الافريقي و العربي عبر اذرعها المخابراتية خاصة ايام حكم مبارك الي ان جاءت الثورة المصرية التي غيرت كثير من السياسات الخارجية لمصر بعد تولي الاخوان المسلمين في مصر السلطة قبل ان ينقلب عليهم و ينصب الجنرال السيسي نفسه حاكما علي مصر ومع التغيرات الجيوسياسية في السودان واثيوبيا وليبيا فقدت مصر الكثير من التأثير علي هذه الدول واصبح هنالك دور جديد و تأثير قوي لكل من الامارات والسعودية في المنطقة و التنافس علي التوسع الاقتصادي لكل منهما أصبح محموما و بالتالي انحصر الدور المصري في الجانب المخابراتي و المعلوماتي اكثر من التقاطعات الاقتصادية و السياسية في المنطقة حيث اصبح الصراع السياسي والاقتصادي هو سيد الموقف و يذهب دكتور الصادق إلى أن السودان مر بتحولات كبيرة خلال سنوات الثورة الثلاث الماضية و فتح علاقات دولية واسعة مع المجتمع الدولي و الاقليمي الامر الذي لم يرض مصر فسعت لاجهاض العملية الانتقالية في السودان وتعطيل مشروع الثورة السودانية وانفتاح البلاد نحو المجتمع الدولي ولذلك يحاول المصريون الوقوف امام اي استقرار سياسي واقتصادي في السودان لارتباط قوة مصر الاقتصادية بالهشاشة السياسية والاقتصادية للسودان ولم يكن الدكتور حمدوك شخص صاحب علاقات دولية واسعة وانما دولة يقودها قوة ثورة يسندها الشعب والجماهير تتطلع الي بناء علاقات ندية مع الجوار الاقليمي والمحيط الدولي الامر الذي يؤدي الي فتح ملفات كبيرة بين مصر والسودان منها شلاتين وحلايب ومياه النيل وصادرات السودان من الماشية والحبوب والموارد المعدنية والصناعات التحويلية وغيرها مما يؤثر بشكل مباشر علي الاقتصاد المصري المبني علي موارد السودان الخام ولكن في كل الاحوال يظل الدور المصري حاضر في المشهد السياسي والذي يدفع مصر لاحداث نوع عدم الاستقرار السياسي ودعم بعض المجموعات المسلحة الداعمة للانقلاب وبقيايا النظام السابق ومع ذلك لن يحدث الكثير من التغيرات في المشهد السياسي السوداني لوجود تقاطعات دولية كبيرة اتجاه السودان مع التوجهات المصرية واعتقد ان مصر سوف تعمل الي تغيير مواقفها الداعمة للانقلاب ومحاولة احداث بعض التاثير الي مواقف ايجابية لكسب علي الاقل علاقات صحية مع النظام الديمقراطي القادم.
*رهان خاسر*
المحلل السياسي ، م. محمد عبد السلام ، يقول في حديثه ل”الجريدة”
أعتقد أن معارضة مصر لوجود حمدوك على رأس الحكومة التنفيذية كان رهان خاسر بحسابات الربح والخسارة فالمصريين دعموا البرهان في سبيل المفاضلة بين حكومة مدنية تتقاسم السلطات مع العسكر و بين حكومة عسكرية كاملة و وجود مدني صوري لكن من الواضح الآن أن المدنيين ينظرون للموقف المصري بكثير من الريبة و اتسمت ردات فعلهم بنبرة مصادمة للتدخل المصري فتحالف الحرية و التغيير، اللاعب الأساسي في المسرح السياسي حالياً، استطاعت أن تهندس اتفاق ينهي حالة الشراكة مع العسكر و يجبر المصريين إلى البحث عن حلفاء جدد داخل مطبخ القرار المدني القادم فكانت أول المحاولات عودة ايلا لشرق السودان ليلعب دور المنقذ في ظل التجاذبات الطائفية و الانقسامات القبلية و لكن ايلا فشل في السيطرة على الوضع في شرق السودان و رجع الى مصر بخفي حنين ثم تدخلت الحكومة المصرية بواسطة مدير مخابراتها و عرضت اجتماع القاهرة تحت عنوان حل الخلافات السياسية بين الفرقاء السودانيين و لكن الحرية و التغيير الطرف الرئيسي رفض المشاركة فيه و دعا الحكومة المصرية لمراجعة آليات تناولها للشأن السوداني لذلك، و الحديث لعبد السلام ، أعتقد أن المصريين لو كانوا يعلمون الغيب لساعدوا على بقاء حمدوك في الحكم فالحكومة المدنية المقبلة ستكون أولوياتها و طريقة تعاملها مع الحكومة المصرية مختلفة تماماً عما كان عليه الحال من قبل .
الجريدة
|